22-ديسمبر-2015

تأتي تخاريف يوسف زيدان من القاهرة وليس من تل أبيب

ليس من العجب، والحال هذه في الشرق المشتعل، أن تسقط القضية الفلسطينية من سلم الأولويات العربية، ولكن من العجب أن نصل إلى مرحلة ينبري فيها كتّاب وأدباء محسوبون على النخبة العربية لتشويش حقائق التاريخ بخصوص قضية العرب الأولى أو التي كانت قضيتهم الأولى.

لماذا يتعمّد يوسف زيدان في تشويش الثوابت التاريخية والدينية لمقدسات ربع سكان المعمورة؟

أثارت تصريحات الأديب والروائي المصري يوسف زيدان، على شاشة إحدى محطات التلفزة المصرية، بخصوص عروبة القدس والطعن بهويتها الإسلامية، جدلًا واسعًا وطرحت تساؤلات عدة، لماذا هذا التعمد في تشويش الثوابت التاريخية والدينية لمقدسات ربع سكان المعمورة؟

من قلب مصر، ظهر زيدان الشاهد "الملك" يزعم بأن المسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين، ليس هو المسجد المذكور في القرآن، وإنما مسجد آخر يقع بالطائف. محاولًا التشكيك بمكانة المسجد وأهمية مدينة القدس، مما استوجب الرد عليه من قبل مؤرخين ومفكرين فنّدوا مزاعم زيدان وكلامه الملقى على عواهنه. إلا أن زيدان يريد أن يكون ملكيًا أكثر من الملك، وصهيونيًا أكثر من هرتزل وبن غوريون، عبر تمييع مفاهيم الصراع العربي-الصهيوني وتشويشها لأغراض على ما تبدو سياسية غير بريئة. لا سيما أن حقائق التاريخ يسعى الخصم جاهدًا ليل نهار لتطويعها خدمة لمشروع احتلال فلسطين، "فلسطين المحتلة" الحق الذي يأبى النسيان.

وهنا من الضروري إذا أردنا تثبيت هذه المفاهيم والحقائق أن نورد اعترافات الإسرائيليين أنفسهم بأن أرض فلسطين ليست لليهود. فقد نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، يوم الجمعة الماضي، مقالًا للبروفيسور روحما فايس بعنوان "لم ينشأ الشعب اليهودي في أرض إسرائيل"، يجدد فيه الكشف عن حجم استخدام الخرافات والأساطير في تزوير حقائق التاريخ بخصوص فلسطين، عبر تفنيده الأباطيل الواردة في وثيقة إعلان دولة إسرائيل 1948م. في الوقت نفسه الذي يسعى فيه الأديب المصري نزع قدسية القدس عربيًا وإسلاميًا، الأمر الذي يصب في صالح الأيديولوجية الصهيونية. كذلك نرى الكاتب الإسرائيلي روحما فايس، المحسوب على التيار الإصلاحي، ينفي الأحقية القانونية لليهود بـ"أرض إسرائيل" كما ينفي بالأدلة الخصوصية اليهودية لفلسطين.. فهل زيدان صهيوني أم فايس عروبي؟

ولا عجب إذا وقع القارئ العربي بالحيرة لدى سماعه تخاريف زيدان المستقاة من ادعاءات إسرائيلية، لاسيما في هذا التوقيت الذي ضاعت فيه البوصلة العربية، فقد أدارت الجيوش العربية ظهرها لفلسطين واستخدمت كل أسلحتها الفتاكة لقتل مواطنيها.

وبينما تخشى الدولة العبرية من انتفاضة ثالثة للقدس، بدأت إرهاصاتها قبل نحو شهرين، لعلمها بحقيقة خصوصية المدينة ومسجدها لدى المسلمين عامة، جاءت تصريحات زيدان على طبق من ذهب يستحق لأجلها وسام "بن غوريون".

بن غوريون اليوم هو ذاته بالأمس الذي أعلن في الرابع عشر من أيار 1948م عن قيام الدولة العبرية وقرأ عبر الشاشات "وثيقة الاستقلال" التي يقول عنها روحما فايس هي محاولة لخلق وإنتاج ميثولوجيا (خرافات) وطنية. تريد أن تربط وتسخر الأساطير القديمة خدمة لأهداف وطنية حالية. ومن الأخطاء الكارثية تصديق هذه الخرافات وإعطاؤها بعدًا تاريخيًا.. تمامًا كما تخاريف يوسف زيدان ولكن هذه المرة من القاهرة وليس من تل أبيب.

اقرأ/ي أيضًا:

تكميم الأفواه والقمع في شوارع موسكو

فضائح الغزاة.. طيارون أم مهربو سجائر؟