02-يوليو-2016

مشهد من فيلم هى فوضى

يمثل حاتم/أمين الشرطة أدنى درجة من الدرجات الوظيفية في هذا الجهاز، ولا يدانيه سوى المجنّد. حاتم أمين الشرطة كان مواطنًا عاديًا يومًا ما، لم يكمل تعليمه أو يحصل على مؤهل دون المتوسّط. قدراته العقلية والعلمية كذلك دون المتوسطة، من الطبقة الفقيرة في المجتمع التي تعاني من الفقر والتهميش وغياب الاهتمام والخدمات. يعيش اليوم بيومه، لا يوجد لديه أية تطلّعات أو طموحات للمستقبل فهو لا يملك يومه، يعيش في حالة خوف دائم من الغد والمجهول الذي يخفيه الغد.

يملك حاتم/أمين الشرطة رصيدًا كبيرًا من السادية يجعله يتفنن في تعذيب ضحاياه الذين لا حول لهم ولا قوة

هذا المجهول قد يأتي من الطبيعة في صورة البرد أو المطر حيث لا يجد ما يستر جسده العاري به فهو لا يملك من المال ما يشتري به الثياب الثقيلة، وقد يكون الحر حيث لا يجد ما يلطّف به من حرارة الجو فالكهرباء والمياه مقطوعة وإن وجدت فلا تكييف، وفي نفس الوقت يرى علية القوم ولا انقطاع للكهرباء أو المياه عندهم وعندهم التكييف الذي يقيهم الحر.

اقرأ/ي أيضًا: أليس" على طرف الجحيم"

وقد يكون هذا المجهول هو المرض الذي قضى على والديه من حيث لا حول لهم ولا قوة، فهو لم يستطع أن يوفّر مالا للذهاب لمستشفى خاص وحين ذهب إلى المستشفى العام رفض الأطباء استقباله لعدم توافر أماكن بالمستشفى وظل معهما حتى آخر لحظة يراهم يصارعون الموت وهو ينظر. وقد يكون المجهول أمين شرطة يراه حاتم الشاب الصغير يوميًا يأخذ من أرزاق المارة بلا رقيب أو محاسب، ويملك من النفوذ ما يستطيع أن يفعل ما يحلو له في وضح النهار دون أن يعترض طريقه أحد صغيرًا كان أم كبيرًا.

حاتم يحب جارته حبّا شديدًا لكنه لا يستطيع التقدم لخطبتها لضيق ذات اليد. بالطبع فكّر حاتم في وسيلة تصل به إلى بر الأمان في المجتمع، وقرر الإنضمام إلى صفوف الشرطة كأمين لها.

هذه المقدمة، بالطبع، ليست ضمن أحداث الفيلم، لكنها مقدمة طبيعية لشخصية أقرب إلى المرض من الصحة كشخصية حاتم الذي اجتمعت ضده كل الظروف.

في بداية الفيلم نجد حاتم يقوم بمعاملة الشباب المقبوض عليهم في مظاهرة معاملة مهينة من ضرب وسب، وقد يكون هو ذاته أو أحد أقاربه قد تم معاملته بنفس الطريقة المهينة، فهنا نجد حاتم وقد توحّد مع عدوّه وهي حيلة دفاعية يمارسها الشخص الذي مّورس ضده القهر لفترة طويلة، فهنا التوحد مع العدو أو التماهي بالمتسلط "Identification with the aggressor" في صورة ممارسة السلطة على غيره، وهو هنا توحّد مع سلطة المتسلط أو جهاز الشرطة.

وفي مشهد ثانٍ يقول حاتم: "اللي ملوش خير في حاتم، ملوش خير في مصر"، فالأمر هنا قد تعدى جهاز الشرطة نفسه إلى الوطن بأكمله فيرى في نفسه أنه هو الوطن وأنه هو الذي يمسك بمقاليد الأمور، فيقوم بسلب أموال الناس فهو يراها حقه لأنه هو الوطن.

حين ملك حاتم السطلة والمال حاول التودّد إلى الفتاة التي يحبّها لكنها لم تُعره اهتمامًا، فيُحاول بتفكيره المحدود أن يلجأ إلى الأولياء وإلى الدين والكرامات ليجعلها تتقرب منه وحين يقابل من ينبّهه إلى خطأ ما يفعله يبطش به، ثم بعدها يلجأ إلى السحر ويخيب أمله كذلك.

وفي مشهد آخر نجد الإزاحة كحيلة دفاعية عُصابية، حين حاول اعتراض طريق فتاته فقابله وكيل النيابة وقام بضربه وحين لم يستطع رد الضربة إلى وكيل النيابة لأنه أقوى منه ما كان منه إلا أن ذهب إلى السجن وقام بضرب المسجونين.

يقول أنجلو هيسنارد في تفسيره لسلوك الجلّاد: "إننا بصدد انهيار الرباط الإنساني، الأنا/الآخر، بين الجلاد وضحيته، تتحول فيه الضحية إلى أسطورة أو شيء، وتُسحب منها إنسانيتها". السجين الذي يخضع للتعذيب على هذا الغرار، لا يعود شبيها بالجلاد، بل هو يتحول إلى أسطورة الخيانة، أو السوء أو الإجرام، أو عدو القضية النبيلة.

مما لا شك فيه أن حاتم لم يعد يشعر بالذنب أثناء ممارسة التعذيب فهو يرى أن التعذيب عمل اقتصاصيّ يكتسب منه دلالة الواجب النبيل، من خلال وضعه على رصيد الدفاع عن القضايا الكبرى السامية. بالإضافة لذلك فحاتم يملك رصيدًا كبيرًا من السادية يجعله يتفنن في تعذيب ضحاياه الذين لا حول لهم ولا قوة.

اقرأ/ي أيضًا:

ميريل ستريب: أنا لست دومًا سعيدة

كيف تشاهد فيلمًا لتكتب عنه؟