24-أبريل-2019

كانت نسبة المعارضين لنظام السيسي هي الأكبر خلال الاستفتاء الأخير (Getty)

أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر، الثلاثاء، نتيجة التصويت على استفتاء التعديلات الدستورية، التي تمنح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إمكانية الاستمرار في منصبه وإعادة ترشحه حتى عام 2030. وبالرغم من نجاح النظام المصري في تمرير التعديلات بموافقة 23 مليونًا و416 ألفًا و741 ناخبًا، بنسبة تصل لـ 88.83 في المئة، في مقابل معارضة 2 مليون و945 ألفًا و680 صوتًا بنسبة تصل لـ 11.17 في المئة، إلا أن بعض الدوائر داخل المعارضة المصرية ترى بعض الإشارات الإيجالبية، في التجربة التي خسر فيها السيسي للمرة الأولى نحو 3 مليون صوت.

أظهرت نتيجة الاستفتاء في مصر بالرغم من تمرير التعديلات الدستورية، للمرة الأولى معارضة هي الأكبر للنظام الحالي منذ عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي في 3 تموز/يوليو 2013

نسبة التصويت بـ"لا" التي يراها البعض كبيرة بالمقارنة بما سبقها من عمليات تصويت خلال فترة صعود السيسي ورئاسته، لم تمنع المعارضة من التشكيك في نسبة الحضور التي أعلنت عنها الهيئة الوطنية للانتخابات (27 مليونًا و193 ألفًا و 593 ناخبًا)، داخل وخارج مصر، وهي نسبة تصل لنحو 44.33 في المئة، من أصل من يحق لهم التصويت (61 مليونًا و344 ألفًا و503 ناخبًا)، وذلك بسبب منع الهيئة الوطنية للانتخابات، القضاة المشرفين على اللجان الفرعية من إعلان نتائج فرز الأصوات كما كان يحدث من قبل، إضافة إلى منع بعض مندوبي الصحف والقنوات من حضور مراحل الفرز.

اقرأ/ي أيضًا: "استفتاء الكرتونة" في مصر.. الحشد باستغلال الجوع

السيطرة الكاملة

توطيد السيسي لسلطته في مصر وإطلاق أذرعه الأمنية، على المعارضة والصحف والقنوات والبرلمان والمنظمات الحقوقية والسلطة القضائية، كان ينقصه التخلص من مادة الفترات الرئاسية في الدستور المصري قبل التعديل، والتي تحظر على أي رئيس الاستمرار في الحكم لأكثر من 8 أعوام فقط. فاتجه البرلمان بتعليمات من الرئيس، نحو تعديل بعض مواد الدستور على رأسها هذه المادة، وعلى وجه السرعة طرحت التعديلات للتصويت وأعلنت النتيجة.

غير أن نتيجة الاستفتاء التي ظهرت في وقت متأخر من يوم الثلاثاء، وبالرغم من تمرير التعديلات إلا أنها أظهرت للمرة الأولى معارضة كبيرة، للنظام الحالي منذ عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي في 3 تموز/يوليو 2013.

وبفرض صدق الأرقام المعلنة، وعدم التلاعب وهو أمر تستبعده أوساط واسعة داخل المعارضة والناشطين،  فهناك صعود كبير لنسبة المعارضين للرئيس المصري، والتي وصلت لنحو 11 في المئة، من الأصوات الصحيحة في الاستفتاء، وهي النسبة الأكبر على الإطلاق التي تظهر في صناديق التصويت، منذ سيطرة وزير الدفاع الأسبق على النظام السياسي في مصر.

وفيما يبدو أن الضغوط الحكومية الكبيرة على مواطنين وتهديد بعضهم بالفصل من العمل وإرغام آخرين على المشاركة في التصويت أتي بشكل عكسي فصوت عدد كبير منهم بـ"لا"، لتعلن الصناديق، للمرة الأولى، هبوط شعبية الرئيسي عن كل التصويتات السابقة المشكوك في نزاهتها أصلًا من 98 في المئة إلى 88 في المئة.

أكبر معارضة

خلال السنوات الست الأخيرة، جرت خمسة عمليات تصويت. كانت البداية مع الاستفتاء على دستور 2014 أو دستور لجنة الـ50، إذ صوت نحو 20 مليون ناخب وقتها بالموافقة على الدستور بنسبة تصل لـ 98 في المئة، فيما حصلت "لا" على نحو 381 ألف تقريبًا بنسبة تصل لـ 2 في المئة، وفي انتخابات الرئاسة عام 2014، فاز عبدالفتاح السيسي بنحو 97 في المئة، فيما حصل منافسه حمدين صباحي على حوالي 3 في المئة. وفي ثالث العمليات التصويتية، أي "الانتخابات البرلمانية" عام 2015، استطاع مؤيدو الرئيس الفوز بأغلبية المقاعد، فيما حصلت المعارضة على نحو 14 مقعدًا فقط من أصل  568 نائبًا، وفي الانتخابات الرئاسية عام 2018، فاز السيسي بـ 97 في المئة على منافسه موسى مصطفي موسى.

أما في الاستفتاء على التعديلات الدستورية لعام 2019، فقد انخفضت الأصوات المؤيدة للرئيس السيسي للمرة الأولى من 97 في المئة وأكثر إلى 88 في المئة، على الرغم من الشكوك المشروعة بحدوث عمليات تزوير واسعة، وبالرغم من تقييد العمل السياسي ومنع أي حملات سياسية لدعوة المواطنين للتصويت بـ"لا"، وحجب المواقع الإخبارية والحقوقية التي تعتبرها الحكومة المصرية معارضة، وكذلك الأحداث التي أحاطت بالاستفتاء نفسه على رأسه سرعة الإجراءات، والسيطرة الأمنية التي منعت أي حملة لدعم التصويت بلا ورفضت السماح للمعارضة بالتظاهر، أمام البرلمان لرفض التعديلات.

وترى بعض الاتجاهات داخل المعارضة المصرية المنقسمة على نفسها، أن النتيجة  بالرغم من الخسارة إيجابية، ويمكن البناء عليها من أجل عمل مشترك، كما اعتبر البعض ما حدث نجاحًا مرحليًا، واعتبر الاشتراكيون الثوريون أن نتيجة الاستفتاء الهزلي، وفقًا للبيان، خطوة هامة في طريق بناء معارضة قادرة على تنظيم نفسها، وتابعوا في بيان: "تحية لمن نجحوا في إرباك المشهد وفرضوا صوتهم الرافض للتعديلات، فعلى رغم المعرفة المسبقة بنتيجة الاستفتاء الهزلي، إلا أن ما جرى في الاستفتاء يعد خطوة هامة على طريق بناء معارضة قادرة على تنظيم نفسها والتصدي لخطط النظام، فـ(لا) التي أطلقتها قوى المعارضة في مواجهة التعبئة والحشد والسيطرة الإعلامية المطلقة، بداية للمقاومة وليست نهايتها".

في هذا السياق، كتب الناشط السياسي عبدالرحمن منصور،  عبر صفحته في فيس بوك: "3 مليون صوت بلا، ورموز المعارضة في السجون والأحزاب منعت من إقامة أي نشاط شعبي للدعوة بلا، ودون أي مساحة في الإعلام والقنوات الفضائية تحت سيطرة الأمن، و3 أيام فقط بين إقرار التعديلات في البرلمان والتصويت عليها، 3 مليون صوت بـ(لأ)، خوف وسجن واختفاءات قسرية واعتقالات عشوائية... وسياسة ممنوعة ومؤسسات مجتمع مدني مقموعة وأحزاب مقيدة.. ورغم ده كله فيه ناس بتقول لا وبتحاول، وهتنجح في يوم".

وقال محمد صلاح عضو ائتلاف شباب الثورة السابق: "كده عندنا، باعتراف الدولة، 3 مليون معارض للسيسي قادرين وعازمين على التحرك ضده.. غير أضعاف العدد ده من الإخوان والمقاطعين. دي أرقام ينفع يتبني عليها حاجات كتير"، في إشارة إلى قدرة المعارضة على تنسيق العمل المشترك، وهو الأمر غير المتوقع في ظل الخلافات الكبيرة بين القوى السياسية.

اقرأ/ي أيضًا: تعديلات السيسي الدستورية.. دولة "على مقاس الريّس" حتى 2030!

الأرقام والتشكيك

لم يكن التشكيك في نسبة الحضور التي أعلنت يوم الثلاثاء، مجرد اتهامات عابرة، فقد ظهرت اللجان الفرعية في التغطيات الصحفية دون ناخبين، إلا في بعض فترات النهار، وبعضها كان مزدحمًا بسبب توزيع بعض الصناديق التموينية على المواطنين لحثهم على المشاركة.

في هذا الصدد، كتبت الدكتورة ليلي سويف، الناشطة السياسية المعروفة وأستاذة الرياضيات في كلية العلوم في جامعة القاهرة، في صفحتها في فيس بوك حول أعداد الحضور: "عدد الحضور المزعوم 27 مليونًا و193 ألفًا 593 ناخبًا مؤكد فيه مبالغة، العدد ده معناه إن متوسط التصويت في اللجان الفرعية أكتر شوية من 2000 مصوت، الاستفتاء كان بيشتغل (11 ساعة في اليوم في 3 أيام يعني 33 ساعة، المتوسط حوالي 60 مصوت في الساعة، مصوت كل دقيقة، تقريبًا كده كل اللجان الفرعية على مستوى الجمهورية اشتغلت بأقصى طاقتها طوال ساعات التصويت، طبعا كلنا عارفين إن ده كذب".

لم يتوقف الدفع باحتمال وقوع تزوير من جانب الهيئة الوطنية للانتخابات، بزيادة أعداد الناخبين التي وصلت لـ44 في المئة ممن لهم حق التصويت، عند ملاحظة أعداد المشاركين في أيام التصويت الثلاثة، وفراغ اللجان الانتخابية فقط، ولكن أيضًا بسبب قرارات أخرى أصدرتها الهيئة الوطنية للانتخابات تحمل مببرات عدة للشك.

البداية كانت مع إعلان الهيئة الوطنية عن مواعيد التصويت على الاستفتاء والتي تلت تصويت البرلمان على التعديلات بيومين فقط، مما يطرح تساؤلات حول مدى استقلالية الهيئة وارتباطها بالحكومة، وهل كانت تعرف بموعد التصويت. كما تسبب السرعة في الإجراءات عدة انتهاكات من بينها اختفاء الحبر السري، وأوراق التصويت المرقمة في السفارات والقنصليات في الخارج.

وخلال التصويت داخل مصر، منعت الهيئة القضاة المشرفين على اللجان الفرعية، من إعلان نتيجة الفرز للصحفيين ووسائل الإعلام، كما كان يحدث من قبل في كل عمليات التصويت السابقة منذ 2011، إضافة لمنع العديد من القضاة في اللجان المختلفة الحضور الصحفي لوسائل الإعلام خلال عملية الفرز، كما لم تصدر الهيئة أية بيانات حول الرشاوى الانتخابية التي كانت تقدم للمواطنين أمام أبواب اللجان المختلفة.

ترى بعض الاتجاهات داخل المعارضة المصرية المنقسمة على نفسها، أن النتيجة  بالرغم من الخسارة إيجابية، ويمكن البناء عليها من أجل عمل مشترك، كما اعتبر البعض ما حدث نجاحًا مرحليًا

المحامي خالد علي انتقد قانون الهيئة الوطنية للانتخابات 198 لسنة 2017 واعتبره واحدًا من أسوأ القوانين المنظمة للانتخابات والاستفتاءات، لأنه جعل جوهر العملية الانتخابية وكافة ضمانات نزاهتها تصدر بقرارات إدارية من الهيئة، وليست نصوصًا داخل القانون تلتزم بها الهيئة، وتابع المرشح السابق للانتخابات الرئاسية في منشور عبر فيسبوك، أن هذا "ما يجعل الهيئة تضع لنفسها القواعد التي تراها لتنظيم الانتخابات والاستفتاءات بقرار منها، وبالطبع من يصدر قرارًا له أن يلغيه ويعدله". ودعا من يريد الطعن في الاستفتاء ونتيجته، أن يكون خلال 48 ساعة من تاريخ إعلان الهيئة للنتيجة، وليس من تاريخ نشر النتيجة بالجريدة الرسمية كما يظن البعض.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

بعد التعديلات الدستورية ورئاسة الاتحاد الأفريقي.. هل سيصاب السيسي بفأل سيئ؟!