22-أكتوبر-2015

في الضفة الغربية لا يختلف الأمر كثيرًا عن غزة (أشرف عمرة/الأناضول/Getty)

لا تفكر وأنت في فلسطين بالحصول على وظيفة دائمة، لأنها مستحيلة. وحتى وظيفة بنظام العقد الزمني، قد تحمل شروطًا شبه تعجيزية أمام الطالب الخريج من الجامعة، فلا يستطيع التسجيل فيها. الحال، كما يقول الكثيرون "فلسطين مثل الجنة لا يوجد فيها عمل". هذه هي وقائع الوظائف في فلسطين، وفي قطاع غزة تحديدًا. وكطالب فلسطيني لا يمكنه الحصول على وظيفة إلا بخيارات أو تحديات، في الخيارات، أولها "فيتامين واو"، أي "الواسطة"، فهي متطلب أساسي ليس فقط على القطاع العام، بل تشارك القطاعات الخاصة هذا المتطلب اللازم، لأنها تأخذ نسبة كبيرة من منحك الوظيفة، أو الخبرة. أما الطالب الفقير بالخبرات ولا يحمل الشهادة، فله الله، وصفوف البطالة الطويلة.

بسبب هذه الأحوال، تشكل وظائف وكالة الغوث (الأونروا)، حلمًا للشباب في غزة أو الضفة، كونها تحمل امتيازات وظيفية أكثر من الوظائف الحكومية والخاصة. لكن بعد أن تغيرت سياستها تجاه الوظائف، زادت من الواقع السيئ للفرص. فقد أعلنت العام الماضي أنها لن تتعامل في غزة والضفة الغربية بنظام العقود الرسمية، وستكون جميع الوظائف بنظام العقد السنوي. ولا تهدف هذه العقود الطالب الخريج، إنما أصحاب الخبرات والمزاولين للمهنة. وهذه السياسة تدفع الطالب للجوء للبحث عن واسطة، أو استخدام شخص صاحب نفوذ، للحصول على وظيفة. الكثيرون أمام البطالة مجددًا. لكي يحصل على "فرصة"، بعقد سنوي، حالمًا بتوظيف دائم.

نسبة البطالة في غزة أكثر من 42% أما في الضفة الغربية فتصل إلى 16%

وبالنظر لواقع البطالة في الوطن العربي وتصنيف فلسطين فيها، فنسبة البطالة فيها مرتفعة على نحوٍ واضح. نسبتها في غزة أكثر من 42% أما في الضفة الغربية فتصل إلى 16%. وتعاني غزة بشكل أكبر، لأن المواطن في غزة لا يجد أي مخرج، على عكس المواطن في الضفة الذي يستطيع التنقل والعمل داخل الأراضي المحتلة، أو السفر إلى أي مكان، رغم كل المعوقات والحواجز اليومية بفعل جيش الاحتلال الإسرائيلي.

أحمد راضي مثلًا، هو شاب تخرج في عام 2011 من كلية إدارة الأعمال في جامعة الأزهر، وعمل ضمن ثلاث فرص تحت إطار عمل "البطالة". أولها مع حكومة غزة السابقة، والثانية والثالثة مع الأونروا، ولم تتح له الفرصة أن يحصل على فرصة أخرى، أو حتى أي عقد. كل فرصة كانت عبارة عن عقد مدته 3 شهور. هكذا، قضى بعد تخرجه وقتًا وهو يبحث عن العمل أكثر مما قضاه في العمل بالثلاثة عقود بطالة! ليس عجيبًا أمره بالنسبة لسكان قطاع غزة، فهو لا يجد حتى عملًا، في أي مهنة بنظام العامل العادي.

ويقول أحمد إن "البطالة هي حقنة مخدر، تخدرك لفترة صغيرة، من ثمة تستيقظ على واقع مؤلم، وليس بالغريب أن نجد مئات الشباب يوميًا على شبابيك الوكالة ووزارة العمل للتسجيل للبطالة لأنها باتت حلمًا". لا ييأس أحمد رغم المحاولات التي يقضيها في البحث عن عمل، إذ يؤمن بوجود الآلاف مثل حالاته، ولا بديل له عن ذالك.

لكن بالنظر لواقع عقود البطالة التي تتم في قطاع غزة تحديدًا، فتعمل الحكومة في غزة على منح عمل مؤقت داخل إحدى الوزارات، وغالبًا ما يكون العمل يتطلب جهدًا كبيرًا (قد يتجاوز العمل اليومي 9 ساعات فيه مقابل مبلغ 280 دولارًا أمريكيًا فقط). أما على صعيد وكالة الغوث فالأمر مختلف. إذ تتصل الوكالة بأشخاص تقدموا لها للحصول على بطالة، منهم يحمل شهادة ثانوية عامة وجامعية، وعرضت عليهم العمل كعمال نظافة. ورغم رفض عدد منهم لوصفها أعمال مذلة برأيهم، إلا أن عددًا منهم قبل فيها لعدم توافر الفرص. وهنا، لا بد من الإشارة، أن رفض هذه المهنة بالذات، أي مهنة عامل النظافة، يرتكز إلى موروثات ثقافية متخلفة يتوجب تغييرها، بحيث أن عامل النظافة هي مهنة راقية، ومحترمة، وأهلها أصحاب فضلٍ على المجتمع، على عكس ما يظن كثيرون في مجتمعاتنا العربية.

إقرأ/ي أيضًا: المدمّرة منازلهم في غزّة.. عن أي إعمار بتحكي؟

في الضفة الغربية لا يختلف الأمر كثيرًا عن غزة. نسبة من الشباب تتقدم لمكاتب البطالة عند السلطة الفلسطينية ووكالة الغوث. أما على صعيد السلطة ففرص العمل فيها محدودة جدًا وشروطها لا يقدر الجميع على اجتيازها. أحد الشبان في مدينة رام الله، وهو أحمد نزاز (25 عامًا)، يؤكد أن الوظائف في الضفة باتت مستحيلة، ونسبة منها تحتاج الواسطة أو التزكية من أحد المدراء في الوظائف العامة. يشير إلى "أن توجه الشباب في غالبية الجامعات أصبح التقدم لمكاتب البطالة".

إقرأ/ي أيضًا: التنمية والتعليم في فلسطين.. المنهج استعماري!


النسبة المخيفة

في الواقع، ارتفعت نسب البطالة في فلسطين عام 2015. ووفق تقرير إحصائي رسمي صادر عن وزارة العمل الفلسطينية، فإن 27% من الفلسطينيين يعانون من البطالة بما يزيد عن 338 ألف عاطل من العمل، و85% من أهالي قطاع غزة يعيشون تحت بند المساعدات الاجتماعية، خلال مساعدات الدول المانحة التي تقدمها للشعب الفلسطيني بعد أن كان لهم مصدر دخل يعتاشون منه. ونسبة البطالة هي أعلى معدلات لها طوال السنوات، وهذا المؤشر يبين أن البطالة هي القنبلة الموقوتة في كل من الضفة والقطاع، نظرًا للتبعات الناتجة عن جلوس مئات آلاف الشباب بدون عمل وإنتاج.