لم تعد السلطات الصحية في غزة قادرة على إحصاء جميع الضحايا، فالمستشفيات وخدمات الطوارئ والاتصالات بالكاد تعمل. كما لم يعد استخراج العدد الهائل من جثث الضحايا من المباني المنهارة أولوية في ظل استمرار الحرب، بل أصبحت مهمة ضخمة، ما يعني أن الكثير من المواطنين يموتون دون أن يُعرف عنهم شيئًا.
ويشير تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال"، عن الوضع الصحي المنهار في غزة، إلى أن الحرب المستمرة تركت آثارها على سكان القطاع، حيث تقول السلطات الصحية إن أكثر من 34 ألف شخص قتلوا، وهجر أكثر من 1.5 مليون نسمة من سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة.
ولفتت الصحيفة الأميركية إلى أن الأرقام التي تقدمها وزارة الصحة في غزة أصبحت مقبولة، بعدما شكك فيها الرئيس الأميركي جو بايدن مع بداية الحرب. فقد أصبح يستخدمها خبراء الأمم المتحدة والمسؤولون الأميركيون وبعض المسؤولين الإسرائيليين. لكن المسؤولين الفلسطينيين يقولون الآن إن الأرقام لم تعد دقيقة بدرجة كبيرة نظرًا لوجود مصاعب في جمع البيانات، وعدم قدرة المستشفيات وغرف الطوارئ على العمل.
لم يعد استخراج العدد الهائل من جثث الضحايا من المباني المنهارة أولوية في ظل استمرار الحرب على القطاع
وفي هذا الإطار، يقول المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية، مدحت عباس، لـ"وول ستريت جورنال" إنه: "في البداية كان لدينا نظام وكانت هناك مستشفيات، وكانت فرق الدفاع المدني قادرة على إخراج الناس الذين علقوا تحت الأنقاض، ثم انهار كل النظام".
وباتت الوزارة تعتمد في تقدير أعداد الضحايا على: "شهادات العائلات، لقطات الفيديو فيما بعد الهجمات، والتقارير الإعلامية"، كما يقول عباس.
وبحسب السلطات الصحية وشهود العيان والأمم المتحدة، لن تعرف الحصيلة الحقيقية للضحايا إلا بعد فترة طويلة، حيث إن هناك الآلاف من الأشخاص الذين دفنوا تحت الأنقاض، ودفنوا في مقابر بدون شواهد.
وتتحدث الصحيفة الأميركية عن أن العملية التي يتم التخطيط لها ضد مدينة رفح، أين يتواجد أكثر من مليون مهجر، قد تدفع أعداد الضحايا إلى مستويات غير مسبوقة.
وفي تعليقه على إحصائيات الضحايا في غزة، قال ممثل منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة في غزة والضفة الغربية، ريك بيبركورن: "نعتقد، وللأسف، إنها موثوقة، ولن أفاجأ في النهاية أن يكون هناك سوء تقدير".
في المقابل، يشكّك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الأرقام التي تعلنها وزارة الصحة بذريعة أنها تابعة لحركة "حماس"، ولهذا فهي: "ليست مصدرًا موثوقًا للبيانات".
من جهته، يشكّك "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى"، وهو معهد بحث يميني، بالطريقة التي يتم فيها تصنيف الأرقام بين الرجال والنساء والأطفال.
فيما يرى الجيش الإسرائيلي أن التقديرات الفلسطينية للحصيلة الإجمالية للضحايا صحيحة بقدر كبير. ويزعم الجيش أنه قتل ما بين 11 ألف و13 ألف من مقاتلي "حماس". كما يزعم أنه قُتل مدنيان مقابل كل مقاتل، ما يعني أن الرقم قريب من أرقام وزارة الصحة، بحسب ما تقول الصحيفة الأميركية.
أما "حماس"، فقد كشفت أن ما بين 6 آلاف إلى 8 آلاف من مقاتليها سقطوا في الحرب، فيما ترى الولايات المتحدة والمصريين أن العدد الحقيقي للمقاتلين الذين سقطوا في المواجهات هو بين التقديرات التي وضعتها "حماس" والتقديرات التي وضعها الجيش الإسرائيلي.
ووصل عدد الضحايا الفلسطينيين في آذار/مارس الماضي إلى 30 آلف شخص، لكن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي اعتبر أن: "العدد قد يكون أعلى". وقال العميد دانيال هغاري: "لا أرفض ولا أشكك برقم 30 آلف"، لكنه رفض تقديرات وزارة الصحة الفلسطينية بأن غالبية الضحايا هم من النساء والأطفال.
ويقول مسؤولون إسرائيليون إن: "أحدًا من الطرفين ليس لديه فكرة عن العدد الحقيقي للقتلى"، فيما تشير "وول ستريت جورنال" إلى أن: "مستوى الدمار الذي أحدثته إسرائيل أدى لشجب دولي، وأثار تظاهرات الجامعات الأميركية، وعقّد من فرص إعادة انتخاب بايدن في تشرين الثاني/نوفمبر القادم".
ويشير التقرير إلى أنه في الأيام الأولى للحرب، أعدت وزارة الصحة قوائمها بشأن الضحايا بناءً على بيانات توفرها المستشفيات وتشاركها إلكترونيًا، لكن حجم الدمار الذي حدث لاحقًا جعل من هذه المهمة صعبة. بالنظر إلى أن 11 مستشفى فقط بقي يعمل، ولكن بقدر قليل، من بين 36 مستشفى في القطاع كانت تعمل. وهناك 6 مستشفيات ميدانية، وعدد أقل من سيارات الإسعاف لكي تصل في الوقت المناسب إلى الضحايا. والنتيجة هي أن عددًا قليلًا من الضحايا سينقلون إلى المستشفيات، حيث يتم الإبلاغ عنهم عبر القنوات الرسمية.
وفي بداية نيسان/أبريل، بدأت وزارة الصحة العمل على نظام إبلاغ إلكتروني، واستبيانًا تستخدمه عائلات الضحايا لكي تقدم المعلومات عن أبنائها. وبعد ذلك يتم فحص المعلومات والتأكد منها بما هو معروف عن ضحايا الحرب، إلا أن الضحايا في غزة لا يتم الإبلاغ عنهم.
يقول مصطفى حمدان البالغ من العمر 38 عامًا من مدينة غزة، لـ"وول ستريت جورنال"، إن: "5 من أفراد عائلته قتلوا ولم يبلغ عن أيّ واحد منهم". وأضاف: "أعرف عن استبيان وزارة الصحة، لكن ليس لدي تغطية إنترنت حتى أضيف أفراد عائلتي".
يعمل حمدان في الدفاع المدني، وكانت مهمته منذ بداية الحرب هي انتشال المواطنين من تحت الأنقاض بعد الغارات الجوية الإسرائيلية. وفي كانون الأول/ ديسمبر الماضي، شارك في مهمة لإنقاذ ضحايا غارة جوية، وعندما وصل اكتشف أن البيت هو بيت عائلته. فقد اندلعت النيران في البيت، ولم تكن هناك مياه لإطفائها. استُشهد والده وشقيقاه وزوجة أحد أشقائه.
"لم تتوفر لا المعدات الثقيلة لتنظيف الأنقاض، ولا حتى الوقود لتشغيلها. وعادة ما يستخدم عمال الإنقاذ أيديهم، أو المعدات البسيطة مثل المعاول والمجارف لإخراج الناس، وعندما لا تكون هناك فرصة لإخراج الأحياء يتركون"، يقول حمدان للصحيفة الأميركية.
وكشف حمدان أنه وزملاؤه أخرجوا جثثًا لم يستطيعوا التعرف عليها، وقال: "قررنا دفنهم بعد أخذ صور لوجوههم من أجل التعرف عليهم بعد الحرب".
يقدر خبراء في الاستشعار عن بعد في جامعة نيويورك وجامعة في ولاية أوريغان أن نسبة 57% من مباني غزة تضرّرت أو دمرت بالكامل. وكان مستوى الدمار أكبر في شمال غزة، حيث تقول الأمم المتحدة إن: "عمليات جمع الأنقاض التي تراكمت ستمتد على سنوات، بالإضافة لتكلفة ستصل إلى عشرات الملايين من الدولارات".
تتحدث وزارة الصحة في غزة عن أن هناك 10 آلاف شخص لم تستطع التعرّف عليهم، ومن بين الذين تم التعرف عليهم 40% من الرجال، و20 % نساء و32 % أطفال، أما البقية فهم كبار في العمر رجالًا ونساءً.