04-مارس-2016

السجن يغيِّر النفوس كثيرًا(محمود خالد/أ.ف.ب)

وراء كل نزيل في سجن "باب الخلق" بالقاهرة قصة، والقصص الأكثر بريقًا من نصيب الزنزانة التي جمعت "هاكر، وعقيد أمن مركزي، ومزوِّر في الخمسينيّات من عمره، ومسجل خطر"، كلهم معًا في زنزانة واحدة، يحملون حكاياتهم في صدورهم، ويعتقدون أن الأيام القادمة ستقدم لهم تعويضًا عن ليالي الزنازين الباردة.

السجن يغيِّر النفوس كثيرًا، يغير رسامًا  إلى كراهية الفن، ويحول شخصًا من اليمين إلى أقصى اليسار

1

حبيب العادلي حاضر في قصة عقيد الأمن المركزي المتهم في قضية أموال عامة، وكان مدينًا جدًا، ولم يستطع دفع باقي الأقساط بسبب إفلاس شركته.

قال عن ثورة 25 يناير: "اعتقدنا أن هناك حربًا، لكن الأمر أتفه من ذلك. بص، إحنا لو كنا عايزين منخليش حد يقرب لأقسام الشرطة زي ما عملنا مع معسكرات الأمن المركزي كنا عملنا وحمينا الأقسام كلها، بس احنا خفنا المسألة تتطوَّر".

ويعلق على وزير الداخلية الأسبق، حبيب العادلي: "الوزارة كلها عارفة إنه حرامي ومتورط في قضايا ياما، بس هيخرج، كل الناس دي هتخرج في الآخر، دي سياسة وإحنا طرف فيها، وهنكسب في الآخر، والإخوان دول أغبياء طول عمرهم، البلد كانت في إديهم بس غباؤهم بقى هنقول ايه!".

وتحدَّث عن الرئيس الأسبق حسني مبارك، قائلًا: "أنا عارف إنه ياما سرق بس هو كان في أول 15 سنة كويس وبعدين عيلته اللي ضيعته، واحنا ضِعنا معاه، دي كانت وجهة نظر كل العاملين واللواءات بالوزارة، لكن دورنا أن نحمي المُلْك، هكذا صدَّروا لنا، وكنا نقوم بدورنا على أكمل وجه، لكن الرئيس مبارك هيخرج براءة، كلهم براءة".

2

يروي "الهاكر" أنه سطا على مليون جنيه من "الفيزات" ولكن ألقي القبض عليه بتهمة النصب الإلكتروني وسرقة ربع مليون جنيه. كان والده يرفض زيارته، وتزوره فقط والدته وحُكم عليه بـ3 سنوات، وفي الاستئناف تمّ تأييد الحكم.

3

شخصية غامضة داخل سجن "باب الخلق": "دخل صابون ميري كتعيين للحجز، وكان رديئًا للغاية، فقرر الشيخ (أ) نقشه على شكل قطع شطرنج، وكنا نلعب به جميعًا لنسلِّي وقتنا".

السؤال الآن: وما الغريب في ذلك؟.. يمكن أن يحمل وصف الشخصية جانبًا من الإجابة: "كان قصير القامة جدًا وسمين الجسد وعمل سباكًا في ليبيا وكان يعطي نفسه قدسية من نوع ما لأنه شيخ بالرغم من أنه لم يدرس الدين أبدًا. ورغم أنه لم يدخل تعليمًا جامعيًا، ولا درس أي دراسة أكاديمية، يكفِّر ويدخل من يشاء الإسلام، بل يلقي به في الجنة، ويلقي بمن يغضبه في النار، لمجرّد أنه عضو في جماعة الإخوان.. لكنه يلعب معنا شطرنج ولا يعتبر أن (كش ملك) كفرًا". 

اقرأ/ي أيضًا: السجون المصرية.. زيارات العبث بالحقوق

4

غرفة "الإيراد" معدة لمن يريد أن يموت مع سحب "طبلية" من تحت قدميْ سجين بالبدلة الحمراء، فأمامها مباشرة غرفة الإعدام. ولأن من يقع من الإخوان أو الثوار أو مهربي الأنفاق لابد أن يقضي أيامًا سوداء قبل أن يجد طريقه القانوني السليم بالنيابة ثم المحكمة ثم السجن، يأخذ حصته من الرعب والموت في "الإيراد".

في مصر، لابد أن يقضي المتهم أيامًا قبل أن يجد طريقه القانوني عبر النيابة ثم المحكمة ثم السجن إذ يأخذ حصته من الرعب والموت 

دخلها 3 من بورسعيد، سقطوا خلال تهريب بضاعة من الميناء عن طريق دفع الرشاوي ثم يذهبون بها إلى سيناء، يعبرون الأنفاق، والقصة الكاملة لهم تحمل خفايا وأسرار "امبراطورية التهريب".

السؤال كان حاضرًا: "كيف تعبرون كل هذه المسافة؟ ومن يسهل لكم التهريب؟"، أما جوابهم فكان: "قبل سقوط نظام مبارك كانت الدولة تسهِّل لنا العبور، وكانوا سايبنا بس بعد الثورة الوضع بقى صعب جدًا من حيث التأمين والتفتيش، التهريب يشمل سلع عادية لا سلاح ولا غيره، بس بيدفعوا هناك كتير قوي مقابل مرور السلع المطلوبة، واللي سهّل لنا المرور في الأنفاق عرب، وفلسطينيين، وأفارقة، وجنسيات مختلفة".

اقرأ/ي أيضًا:سجون مصر.. إهمال وتكديس وتقتيل

5

ماذا لو دخل رسام السجن؟.. تجربة ليست جديدة مرَّ بها محسن شعلان، الذي كان متهمًا بسرقة "زهرة الخشخاش"، وحين خرج قال عن عمل فان جوخ: "دي لوحة زبالة"، السجن يغيِّر النفوس كثيرًا، من الشراهة في عبادة اللوحات والألوان إلى كراهية الفن، ومن اليمين إلى أقصى اليسار، وقد يتحوَّل الرسام إلى شخص أكثر إبداعًا فيرسم كاريكاتيرا ساخرًا للمأمور والمساجين على جدران الزنازين.

وهو ما جرى في سجن "باب الخلق". علاء النهري، مسجون "أموال عامة"، كان "رسامًا بارعًا وابن ناس كبير قوي وعنده أراضي ياما سياحية، وأبيض الشعر، ويبدو عليه إنه ابن عز، لكن الزمن جار عليه، وتمّ الحجز على كل أملاكه لسبب ما، وبقي له في السجن أكثر من 15 سنة، وكان موهوبًا في الرسم لدرجة إن في يوم من الأيام رئيس المباحث أهانه فرسم رسمة للسجن، ورسم المساجين مربوطين في الأعمدة، ورسم رئيس المباحث - كما هو بالضبط – يضرب أحدهم". ما الذي جرى لـ"النهري"؟.. عاقبوه بالتأديب فاعتزل الرسم والألوان، وحين طلب منه رسم بورتريه لأحد المساجين السياسيين، ردّ: "مش هارسم تاني".

اقرأ/ي أيضًا:

كيف تتعامل مع ظروف الاعتقال؟

معتقلو مصر.. بركان على وشك الانفجار