19-نوفمبر-2018

الكاتب كه يلان محمد

ألترا صوت – فريق التحرير

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


كه يلان محمد كاتب من العراق. متخرج من كلية اللغات قسم اللغة العربية في جامعة السليمانية. ينشر المقالات الأدبية والسياسية في عدة منابر.


  • ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟

السؤالُ عن الدافع وراء الاهتمام بالكتبِ والتواصل مع هذا العالم اللامتناهي، يفرضُ عليَّ العودةَ إلى البيئة التي نشأتُ فيها، إذا كان العاملُ الجيني يورثك الشكلَ والصفات البيولوجية، أو أحيانًا المشاكل الصحية فإنَّ البيئةَ قد تكونُ عاملًا رئيسيًا في تحديدِ مسار حياتك المُستقبلية، ونسق تفكيرك. كانَ الكِتابُ مكونًا أساسيًا في فضاء بيتنا وأنزل والدي كُتبه منزلةً مُقدسةً وأتذكرُ عندما كان يقتني كتاباً جديداً يحتفلُ بذلك، وأرى أمارات السرور والبهجةِ على محياه. وأكثر ما لفتَ نظري لاحقًا في مسيرة والدي مع الكُتب هو تنوع قراءاته وبحثه عن العناوين الحديثة ومُلازمته لكتابٍ قد أعجبهُ لمدةٍ، على الرغم من انهماكه في قراءة الكُتب والدراسات الدينية وتشوقه لمُتابعة التُراث الصوفي غير أنَّ ذلك لم يمنعهُ من القراءة في مجالات أخرى. تضمُ مكتبتهُ عناوين مُختلفة منها التفاسير ومُقارنة الأديان، كما خصص رفوفًا للمؤلفات الصوفية إلى جانب الكُتب الفلسفية ما كتبهُ على حاشية كتاب "فلسفتنا" لمحمد باقر الصدر كان بمثابة كتابٍ آخر. كذلك الأمر بالنسبة لمؤلفات أخرى منها "أين هو الفكر الإسلامي؟" لمحمد أركون، "نقد العقل العربي" لمحمد عابد الجابري، و"فلسفة التأويل" لنصر حامد أبو زيد. واستمرَ تواصلهُ مع الكتبِ واستمرت اكتشافاته حتى حينَ اشتدت الأزمةُ الاقتصادية في مُنتصفِ تسعينيات القرن الفائت، فاضطر لاستعارة بعض الكتب النادرة على سبيل المثال "النزعات المادية في الفلسفة العربية والإسلامية" مقابل مبلغ مالي بدلًا من شرائها.

بالطبع، التفاعل مع هذه الأجواء كان قائمًا وأنا في مرحلة عمرية مُبكرة، ورؤية محتويات المكتبةِ التي تُشَكِلُ رأسمالًا معرفيًا مهمًا للفرد، ومن ثُمَّ وجود شخصٍ يُجيبُ على تساؤلاتي بشأنِ من أرى مؤلفاتهم مثل فخرالدين الرازي والزمخشري والعقاد ونصر حامد أبو زيد وابن عربي والمُحاسبي... كل ذلك جذبني نحو عالمٍ ما انفك يتسعُ إذ يوصلك كتاب إلى كتاب آخر، ويفتحُ مؤلفُ باب غيره من المُفكرين والمُشتغلين في الحقل المعرفي. إذًا هذه الرحلة لا تنتهي، ولا يمكنكَ الانهمام على القراءة وأن تزعمَ في الوقت نفسه بأنَّك قد تصل إلى الحَلقة الأخيرة، لأنَّ فن القراءة يتطلبُ منكَ امتلاك القدرة على التنقيب في تربة أنت حديث العهد بتضاريسها.

  • ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟

جوابي لهذا السؤال لن يكون مُنفصلًا عما ذكرتهُ آنفًا. فوالدي اختصر طريقي حين نبهني إلى قراءة سلامة موسى، وبالتحديد كتابه "هؤلاء علموني" الذي يتناول تجارب نخبة من الفلاسفة والمؤلفين الغربيين، فلهذا المُؤلَّف تأثير عميق على اختياراتي في القراءة. منهُ عرفتُ برنادشو ونيتشه وغاندي، واستمرت متابعتي لصاحب "عقلي وعقلك"، فقرأتُ له "الأدب للشعب"، وكتاب "الثورات"، و"حرية الفكر وأبطالها في التاريخ"، و"تريبة سلامة موسى"، و"فن الحب والحياة". وأعتقد بأنَّ هذا المفكر لم يُنْصَفْ مع أنَّه كان صاحبَ مشروع تنويري وراهن على الشباب للنهوض بواقع مُتخلف فكريًا وإجتماعيًا وسياسيًا. توالت أسماء أخرى؛ شدّني أسلوب رجاء النقاش وتعبيراته السلسة وغزارة المعلومات التي كان يُقَدِمها في مقالاته وكتبه، كما تأثرتُ أيضًا بما قرأتهُ لعلي الوردي، لا سيما "خوارق اللاشعور وأسرار الشخصية الناجحة"، وما يذكره من مفارقات غربية في الحياة. وتعريته للذات البشرية. هكذا وصلتُ إلى مرحلةٍ وجدتُ أفق القراءة صار أرحب، ولم أعدْ ملزمًا بقراءة ما يختاره غيري. كان أبي معجبًا جدًا بعباس محمود العقاد إلى حد أنه اعتبر مؤلف العبقريات شيخه. لكن ما أن لاحظ تأثري بطه حسين، وتفاعلي مع مسرحيات توفيق الحكيم، وشغفي بنجيب محفوظ، حتى بدأ بقراءة بعض أعمال هؤلاء منها "أهل الكهف" و"دعاء الكروان" و"السراب" و"الحرافيش" و"أولاد حارتنا". وأخذ يثق باختياراتي، لذلك قرأ لأمين معلوف أيضًا، فراقت له إنسانية صاحب "ليون الأفريقي". وهذا يعني أنَّه لم يكنْ مُنغلقًا على اتجاهات محددة، ومنهُ تعلمتُ ضرورة تعددية مصادر المعرفة.

  • من هو كاتبك المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟

من بين الذين قرأتُ لهم، أعتبر نجيب محفوظ مثالًا أعلى، فكان عندي ندًّا للفيلسوف الألماني كانط من حيث انضباطه وتثمينه للوقت وشخصيته المتوازنة غير الاستعراضية، ناهيك عن غلة إبداعه الوفيرة. ويأتي أمين معلوف في مُقدمة الكتاب الذي لا أنقطعُ عن متابعتهم أيضًا. يمثلُ صاحب "صخرة طانيوس" نموذجًا بارزًا لعقلية منفتحة غير متوجسة من الآخر مُتفهمة لحالة التنوع البشري، لذا لا تجد له مقابلًا سوى في صفوف المتصوفين الكبار. في السنوات الأخيرة أتابع ما صدر للكاتب السويسري آلان دوبوتون الذي ترجمت مُؤَلفاته الثلاثة إلى اللغة العربية، فالاتجاه الذي سلكهُ في تناول مشكلات وجودية على ضوء مفاهيم فلسفية ضرورة مُلحة وتسد فراغًا معرفيًا، خصوصًا لدى الجيل الشاب. وما نشر مؤخرًا للكاتب العراقي علي حسين بعنوان "دعونا نتفلسف" يقدم عصارة أطروحات الفلاسفة ويغذي رغبة القُراء لمتابعة الفلسفة، كذلك ماعمله المفكر المغربي سعيد ناشد في "التداوي بالفلسفة"، إذ يُعضدُ المحاولات الرامية لبلورة المنطق العقلاني. وفي هذا السياق يجبُ أن أضيف الفيلسوف الفرنسي سارتر، دعك مما قدمه على الصعيدين الأدبي والفلسفي فهو قد زاحم بشخصيته ومواقفه الجريئة شخصية سياسية بقامة شارل ديغول. عندما يصل المُثقفُ إلى هذه المرتبة يستحيل ظهور الزعامات الطاغية.

  • هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادة؟

طبعًا لا أقرأُ دون وجود قلم رصاص، هذا جزء من طقوس القراءة لأنَّ المُتلقي لا يكتفي بقراءة النص، بل يستنطقه ويحفرُ بحثًا عن مضمراته ويتساءلُ عما يتابعهُ. أما بالنسبة لتلخيص أدونُ ما أراه فكرة محورية على حافة الصفحة، فعملية القراءة دون هذا التفاعل لا تُثمرُ فكرًا جديدًا.

  • هل تغيّرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟

تؤثر الوسائل الحديثة على كل نواحي الحياة، واهتماماتنا بما فيها القراءة عندما لا أحصلُ على  نسخة ورقية للكتاب ألجأُ إلى خدمة البحث في النت وأنزل العنوان الذي أريدهُ إذا كان متوفرًا. هنا لا بُدَّ أن أشير إلى موقف بعض دور النشر منها مسكيلياني التي لايبخلُ صاحبها الأستاذ شوقي العنيزي بإرسال العناوين الجديدة والمهمة. قرأتُ بعض الروايات إلكترونيا وعندما حصلتُ نسختها الورقية أعدت القراءة من جديد.

  • حدّثنا عن مكتبتك؟

مكتبتي امتداد لما بناه والدي، أنا بدوري أضفت عنواين كثيرة، ومعظم الكتب التي اقتنيتها أدبية ونقدية، فضلًا عن مذكرات الشخصيات السياسية منها "البحث عن الذات" للرئيس المصري السابق أنور السادات، كما تضمُ مكتبتي مؤلفات الكاتب والمفكر محمد حسنين هيكل، وأكثر ما أعجبني مما أنجزه هو "زيارة جديدة في التاريخ"، وآخر ما نشره في الأهرام وطبع في كتيب بعنوان "استئذان في الانصراف" و"خريف الغضب". إنَّ القارئ لا يشعرُ بأنَّهُ يمتلكُ كتبًا كافية على حد تعبير ألبرتو مانغويل. لذلك فبدلًا من أن تحدد مساحة مكتبتك قد تصل إلى مرحلة ترسمُ لك الكُتبُ المساحة.

  • ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟

انهيتُ توًّا من قراءة كتاب "الثقافة" لتيري إيغلتن، وقّعتْ ترجمته الكاتبة والرواية القديرة لطيفة الدليمي. وسأبدأُ بقراءة آخر ما صدر للروائي العراقي نزار عبد الستار "ترتر".

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة صالح لبريني

مكتبة صلاح بوسريف