ألترا صوت – فريق التحرير

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


حسام جزماتي كاتب وباحث من سوريا. يهتم بتوثيق التاريخ السوري، ويكتب في شؤون الثورة السورية. مقيم في تركيا.


  • ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟

كنت في التاسعة من العمر عندما أوكل إليّ الأهل مهمة انتظار السيارة التي تعود بأخي الصغير من الروضة. كانت تلك مهمة ثقيلة بالنسبة لطفل سيقضي وقتًا لا بأس به وهو ينتظر الموعد غير المنتظم بدقة للسيارة، حوالي الساعة الثالثة من قيظ الصيف، على زاوية المبنى. لتزجية الوقت أعطتني عمتي، التي لم تكن تكبرني كثيرًا، عددًا من سلسلة "المغامرون الخمسة" اسمه "لغز عصابة يوم الخميس". كانت تلك سلسلة مغامرات بوليسية رائجة لليافعين، وكان ذلك أول كتاب أقرأه في حياتي. أذكر أنني استغرقت في قراءته حوالي الشهر، وأن تجليده فرط بين يديّ بسبب طول المدة. ورغم أنه شدّني كثيرًا إلا أنني لم أقرأه إلا في أوقات الانتظار الممل ذاك. لم يكتمل فهمي للغز واستمتاعي به إلا عندما أنهيته وأعدت قراءته فورًا. هنا انفتح لي باب هائل من المتعة بسبب المشاركة المتخيلة في المغامرة مع تختخ ونوسة ولوزة ومحب وعاطف، وهم أبطال هذه السلسلة التي التهمتها بشكل كامل إثر ذلك، بشراء الأعداد أو استئجارها من مكتبات عديدة كانت تتيح ذلك. حتى الآن أعيد قراءة ذلك اللغز مرة كل عدة سنوات باحثًا عن انطباعاتي الأولى، وأحزن حين صار ينتهي بسرعة رغم محاولتي إبطاء القراءة. كنت، والكثيرين غيري وقتها، أبحث عن التماهي مع هؤلاء الأبطال الأذكياء والبارعين والمستقلين الذين يعيشون حياة وادعة في ضاحية المعادي القاهرية الراقية. حتى الآن أميل إلى أنهم كانوا هناك في ذلك الزمان، وأن فضل محمود سالم، كاتب تلك السلسلة، هو فقط في نقل قصصهم بطريقة أخّاذة. يصعب عليّ أن أرى أنهم جزء من خيال مؤلف. هذا مهين!

  • ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟

أعتقد أنه يمكن الوصول إلى حقائق عن الإنسان والمجتمع والحياة على يد روائي مبدع وذكي أفضل من أي كتاب نظري. تعلمت من الروائيين أكثر من أي مؤلفين آخرين. وهنا أتذكر دوستويفسكي بالطبع، هرمان هيسه، نجيب محفوظ، إبراهيم أصلان، هاني الراهب، ماريو بارغاس يوسا، ميشا سليموفيتش، ريجيس دوبريه، ومن الجيل الأحدث علي بدر.

  • من هو كاتبك المُفضّل ولماذا أصبح كذلك؟

نيتشه. أنا أؤمن بأهمية المكتبات العامة وقد قضيت أكثر ساعات يومي في "مكتبة الأسد" لسنوات. وهناك كانت الترجمات المعقولة لكتب نيتشه قد وصلت من تونس، وكانت قراءتها أشد تجاربي الثقافية عنفًا، شيئًا أشبه بالتفكير بمطرقة كما يقول هو. لم أكن أستطيع تناول أكثر من جرعة محدودة لا تتجاوز عدة صفحات أترك بعدها الطاولة إلى شرفة الاستراحة المطلة على ساحة الأمويين صامتًا في دهشة. هكذا قرأت معظم كتبه وأنا أتنقل محمومًا بين القاعة والشرفة. أعتقد أنه أفضل عقل أتاح لي الورق فرصة الاحتكاك به.

  • هل تكتب ملاحظات أو ملخّصات لما تقرأه عادة؟

لا في الغالب. إلا إن كان الكتاب يحتاج إلى الكثير من التركيز، أو يقدَّم عبارات ملهِمة أود استعادتها لوقت طويل، أو معلومة سأحتاجها قريبًا في بحث أريد كتابته.

  • هل تغيّرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكترونيّ؟

جدًا. تغيرت نحو الأفضل بسبب العدد الهائل من الكتب الذي صار بالإمكان الحصول عليه، بينما كان الموضوع في السابق يقتصر على الشراء، مما يخضع لعوامل الرقابة والعثور على الكتاب والإمكانات المادية، أو الاستعارة من الأصدقاء وربما الوقوع تحت مزاج صاحب الكتاب. أنا أشعر بامتنان عظيم لمن اخترع برنامج Adobe Acrobat Reader الذي يمكّن من قراءة الكتب بصيغة PDF، وكذلك بالصداقة السرية مع آلاف المتطوعين الذين يرفعون الكتب العربية على الشبكة، وبالرضا عن إمكانية الحصول على بعض الكتب بصيغة إلكترونية، وهو ما صارت بعض دور النشر العربية تتيحه وآمل أن يتوسع.

  • حدّثنا عن مكتبتك؟

مثل كثير من السوريين في السنوات الأخيرة خرجت من البلاد بحقيبة ملابس. ومنذ أن أقمت في تركيا عام 2013 افتقدت الكتب. في البداية كان توفير الكتب العربية المستحقة للقراءة صعبًا، فهممت، أكثر من مرة، بشراء كتب تركية كي تحتل جزءًا ضروريًا من المنزل، رغم أنني غير قادر على قراءتها، لكنني شعرت أن وجود هذا الكائن "الكتاب" حاسم وأنيس بالنسبة لي، حتى بصفته الشكلية المحض. بعد ذلك بدأت أحصل على بعض الكتب العربية فجمعت مكتبة صغيرة في المنزل، هي أقل أهمية بكثير من المكتبة الإلكترونية لكنها ركن مكين في أثاثي النفسي.

  • ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحاليّ؟

"شيفرة البدانة"، وهو كتاب جاد في تخفيف الوزن أرسله لي صديق حريص على تخليصي من الآثار الجانبية السيئة لقضاء أكثر الوقت بالقراءة والمتابعة خلف اللابتوب، خاصة مع الحجر إثر كورونا، وتغير الأعمال إلى نمط الأونلاين، وتحول اللقاءات إلى الزوم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة لطفي الشّابي

مكتبة عبّاس سليمان