25-أكتوبر-2017

لم يكن إفراغ مقعد ألمانيا بالبرلمان التونسي أمرًا بريئًا (صورة أرشيفية/ أود أندرسن/أ.ف.ب)

في التحوير الوزاري الأخير، بات عضو مجلس نواب الشعب حاتم الفرجاني كاتبًا للدولة في وزارة الخارجية، ليصبح المقعد الوحيد الممثّل لدائرة ألمانيا الانتخابية في حالة شغور، ولتنتظم انتخابات جزئية لانتخاب نائب جديد من قبل قرابة 100 ألف تونسي مقيم في ألمانيا. وبذلك بدل أن يكون تاريخ 17 ديسمبر/كانون الأول القادم موعدًا لتنظيم أول انتخابات بلدية بعد الثّورة، وهي التي تم تأجيلها، بات موعد تنظيم انتخابات تشريعية جزئية، حيث بدل التأسيس لنظام حكم محلّي، جاءت ملهاة مستقصدة لذرّ الرماد على الأعين.

ليست الانتخابات الجزئية في ألمانيا في حقيقتها رهانًا انتخابيًا، بل لعبة رماها أحدهم من وراء الستار في اختبار صغير للطبقة السياسية

حيث لم يكن إفراغ مقعد ألمانيا بالبرلمان التونسي، بتعيين صاحبه في التشكيل الوزاري بريئاً، خاصة وأن حزب نداء تونس، الحزب الرئيسي في الائتلاف الحكومي، أشار منذ البداية لإمكانية ترشيح المدير التنفيذي للحزب حافظ قائد السبسي نجل رئيس الجمهورية، لسد الفراغ البرلماني.

اقرأ/ي أيضًا: صراع مُبكر داخل "نداء تونس" على انتخابات 2019.. الشاهد في مواجهة السبسي

بذلك، بدت الانتخابات بصورة التوريث من باب إقحام السبسي الابن للبرلمان، ولكن بالنهاية وبعد جدل واسع رافق الموضوع في الإعلام ومواقع التواصل، قدم الحزب مرشحًا آخر، وذلك بدل مغامرة غير محسوبة العواقب. حيث لا يتعلّق الأمر فقط بإمكانية خسارة المقعد خاصة وأن السبسي الأب انهزم أمام الرئيس السابق المنصف المرزوقي في الانتخابات الرئاسية في شتاء 2014 في هذه الدائرة الصغيرة، بل بحالة التحشيد التي أحدثها مجرّد الحديث عن إمكانية ترشيح السبسي الإبن والاصطفاف الخفيّ حول مسألة التوريث. وهي مسألة محرجة للسلطة في تونس دائمًا، وظلت الخشية أن يقبر السبسي الإبن مشواره السياسي بيده في حالة هزيمته.

وليست الانتخابات الجزئية في ألمانيا في حقيقتها رهانًا انتخابيًا بين الأحزاب الحاكمة منها والمعارضة، بل لعبة رماها أحدهم من وراء الستار في اختبار صغير للطبقة السياسية، وهو ليس اختبار موازين قوى في دائرة صغيرة بل اختبار لقياس خريطة التحالفات، ولذلك فهي لا ترتقي حتى لمرتبة معركة جانبية بين الائتلاف الحاكم متعدّد الأحزاب والمعارضة المشتّتة.

وفي هذا الإطار، يبدو أن حركة النهضة خيّرت ألا تقدم مرشحًا رغم أنها الأوفر حظًا للفوز بالمقعد الذي فازت به في انتخابات 2011 وخسرته بفارق بسيط في انتخابات 2014. وهو قرار متناسق مع سياستها العامّة في ظل تحالفها مع حركة نداء تونس، بالمراهنة على المقاعد لا التنافس عليها، لأن حركة النهضة تعلم أن الخسارة السياسية في صورة الفوز بالمقعد هي أكبر من الخسارة الانتخابية في صورة عدم الترشح من أصله. إذ تمثل هذه الانتخابات اختبارًا تقييميًا للتحالف بين شيخي تونس، السبسي والغنوشي، وهو تحالف منتهاه اليوم دعم النهضة لمرشح نداء تونس.

اقرأ/ي أيضًا: 4 نقاط تشابه بين عهدي بورقيبة والسبسي.. فهل يكرر التاريخ نفسه؟

خيّرت النهضة ألا تقدم مرشحًا للانتخابات التشريعية الجزئية في دائرة ألمانيا رغم أنها من الأوفر حظًا وذلك دعمًا لمرشح نداء تونس

في الأثناء، لا تزال المعارضة مشتّتة، وسط فشل مبادرات تقديم مرشح موحد يجمع العائلة الديمقراطية الاجتماعية، فيما تبين ميزة هذا التنافس الانتخابي بوجود مرشحين من الشباب المدونين ومنهم سليم عمامو وياسين العياري، لتؤكد الانتخابات من جديد أن تعدد المرشحين الذي بلغ عددهم 27 مرشحًا، يعكس غياب الترشيحات الراشدة والجديّة. حيث لا تزال تتسابق أحزاب المعارضة خاصة المحسوبة منها على الديمقراطيين الاجتماعيين على الاستحواذ على صفة التمثيل، ويبدو أنها لم تتعظ بعد من نكسة انتخابات 2014 حينما أدى تشتتها لهزيمة قاسية.

ويمثل مؤخرًا انصهار حزب التحالف الديمقراطي في التيار الديمقراطي خطوة إيجابية في مسار التكتل والتوحيد، ولكن كان من المنتظر أن تكوّن الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية جبهة انتخابية بمرشح وحيد، وهي دعوة قدمها حزب التكتل الديمقراطي غير أنها لم تلق أذاناً صاغية.

وعمومًا تظل الحركية في الطبقة السياسية على ضوء التنافس الانتخابي على المقعد اليتيم في ألمانيا على هامش حراك أعمق لم تتضح أغواره بعد، يتجاوز الأحزاب السياسية جميعها، وينعكس في التراجع المستمرّ في نوايا التصويت العامّة لتبلغ حاجز 70 بالمئة مؤخرًا، وذلك في حالة عزوف تضعف شرعية الطبقة السياسية حكومة ومعارضة، وتهدّد مسار الانتقال الديمقراطي المحاصر بطبعه من قوى الرّدة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عرقلة الهيئات القضائية والدستورية في تونس.. هل يسعى السبسي للانفراد بالسلطة؟

الأقدم عربيًا.. علم تونس يحتفل بـ190 سنة من الصمود