مجموعة من الشبّان الصغار، أعمارُهم تركض نحو الخامسة عشرة، ركبوا اليوم في الباص الذي يحملني كلّ يومٍ وحيدًا.

كانوا مرحين بعكس الباص الذي يحملُ عادةً

عمّالًا نائمين إلى أعمالهم.

كانوا يتحدثون ويضحكون مع وجود سمّاعة واحدة في أذن كلّ شاب وفتاة، كي تسمعَ شيئًا ما، بينما الأذنُ الأخرى تبقى حرّة كي تسمعَ الآخرين.

انتبهتُ إلى واحدٍ منهم لم يكن يتحدّث.

أو بالأحرى لم يكن أحدٌ من أصدقائه وصديقاته يتحدّث معه.

 

كان جميلًا بعينين واسعتين، لا يحجبُ أخضرهما زجاجُ النظّارة الطبيّة.

كانت أصابعُ يده تتحرّك على فخذه

كانت تخرمش فخذه

وكأنّها تدفعهُ لقول شيء ما.

كان بلا سمّاعات ويسمعُ الآخرينَ بدل سماع الموسيقا.

ربّما لم يكن لديه "موبايل" أيضًا.

كان الشاب ينظر إلى هذا ويبتسم

وينظرُ إلى تلك ويبتسم

وكانت شفتاه تقولان شيئًا صامتًا. صامتًا جدًا.

حاولَ مرارًا أن يُلفتَ انتباهَ أحدهم دون جدوى

فصار ينظر مثلي من الشبّاك.

 

الوحدة تجعلُ الخامسة عشرة تسكنُ مرتاحة في الستين.

التفتَ نحوي ونظرَ إليّ

كانت الدموعُ القليلة تلمعُ في عينيّ عندما فكّرتُ بأعوامه القليلة وهي تتجاوز الستين وحيدة.

حدّق بي أكثر

ثمّ أبعدَ النظارة عن عينيه ومسحَ دموعه.

أظنّ أنّه ظنّني مرآة في باص

ليس أكثر!!

 

اقرأ/ي أيضًا:

ثلاثة مقاطع لابتذال الانتحار

بيروت.. علمينا كيف نكرهك!