27-أغسطس-2022
اشتباكات عنيفة في العاصمة الليبية طرابلس (Getty)

اشتباكات عنيفة في العاصمة الليبية طرابلس (Getty)

قطع رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي زيارته لتونس، التي يشارك فيها رفقة وزير الخارجية نجلاء المنقوش في الدورة الثامنة لندوة طوكيو الدولية للتنمية في أفريقيا، عائدًا إلى العاصمة طرابلس، على إثر الاشتباكات العنيفة التي تشهدها بين القوات الموالية لحكومة الوحدة الوطنية المعترف بها أمميًا، وأخرى موالية للحكومة التي عينها مجلس النواب. هذا وتحدثت وسائل إعلام ليبية عن أن كتائب موالية لباشاغا تتوجه من مصراته بأعداد كبيرة نحو العاصمة طرابلس، فيما أعلنت قوات القائد العسكري أسامة الجويلي الموالي لباشاغا عن بدء عملياتها العسكرية جنوب العاصمة.

اشتباكات عنيفة شهدتها العاصمة الليبية بين القوات الموالية لحكومة الوحدة الوطنية المعترف بها أمميًا، وأخرى موالية للحكومة التي عينها مجلس النواب

الاشتباكات العنيفة التي تشهدها بين القوات الموالية لحكومة الوحدة الوطنية، وأخرى موالية للحكومة التي عينها مجلس النواب.

وقد أسفرت الاشتباكات التي اندلعت فجر السبت في العاصمة الليبية طرابلس عن مقتل وإصابة العشرات، حيث شهد حي باب بن غشير وشارع الجمهورية مواجهات مسلحة بين قوات جهاز دعم الاستقرار، وقوات الكتيبة 777 بقيادة هيثم التاجوري، على خلفية سيطرة جهاز دعم الاستقرار على مقر تابع للكتيبة 92 المحسوبة على التاجوري، كما خلفت الاشتباكات أضرارًا مادية كبيرة لحقت بممتلكات المدنيين، وتحدثت مصادر ليبية عن تقدم لقوات جهاز دعم الاستقرار للسيطرة على آخر المقرات التابعة للتاجوري في مقر الإذاعة سابقًا بشارع الجمهورية.  

على الصعيد الإنساني، أكد الناطق باسم مركز طب الطوارئ في طرابلس أن المناطق التي تشهد الاشتباكات هي مناطق مكتظة بالسكان، متوقعًا وجود عشرات الإصابات في مناطق الاشتباكات، وناشد الناطق باسم مركز طب الطوارئ  بهدنة لمدة ساعة وفتح ممرات آمنة لتمكينهم من إسعاف الجرحى. من جهته قال عميد بلدية طرابلس أن الوضع مأساوي في مناطق عدة بطرابلس، كما حملت بلدية طرابلس المركز مجلسي النواب والدولة والحكومتين مسؤولية تردي الأوضاع في العاصمة، مطالبة المجتمع الدولي بحماية المدنيين في ليبيا.

هذا وانتشرت مقاطع فيديو تظهر حجم الاشتباكات في شارعي بن غشير والزاوية، كما أظهرت مقاطع فيديو انتشرت على منصات وسائل التواصل الاجتماعي سيطرة جهاز دعم الاستقرار على مقر الكتيبة 77 بمنطقة باب بن غشير، فيما عرضت مقاطع أخرى تظهر سيطرة الكتيبة 77 على مقر لجهاز دعم الاستقرار في شارع الجمهورية.

وفيما تحدثت مصادر ليبية عن  تحشيدات للقوات الموالية لحكومة باشاغا في معسكرات الـ 27 كم وبوابة الجبس غرب وجنوب العاصمة طرابلس، انتشرت مقاطع أخرى تظهر قيام قوات موالية  لحكومة الوحدة الوطنية بإقامة سواتر ترابية في بوابة كعام التي تبعد 150 كم شرق طرابلس، لمنع أي تقدم للقوات الموالية للحكومة التي كلفها مجلس النواب.

هذا وأصدرت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة بيانًا تحت عنوان "بيان إدانة للعدوان واستنكار للغدر"، أدانت في ما تشهده العاصمة طرابلس من اشتباكات عنيفة في أحياء مكتظة بالسكان، الذي اعتبرت أنه يعيد للأذهان مشهد الحروب السابقة. وأوضح البيان أن "الاشتباكات نجمت عن قيام مجموعة عسكرية بالرماية العشوائية على رتل مارّ بمنطقة شارع الزاوية، في الوقت الذي تتحشد فيه مجموعات مسلحة في بوابة الـ27 غرب طرابلس وبوابة الجبس جنوب طرابلس، تنفيذًا لما أعلنه المدعو فتحي باشاغا من تهديدات باستخدام القوة للعدوان على المدنية"، واستهجن بيان حكومة الوحدة الوطنية ما حدث من "غدر وخيانة، بعد مفاوضات لتجنيب العاصمة الدماء، بمبادرة ذاتية تلزم جميع الأطراف الذهاب للانتخابات في نهاية العام كحل للأزمة السياسية، إلا أن الطرف الممثل للمدعو فتحي باشاغا قد تهرّب في آخر لحظة، بعد أن كانت هناك مؤشرات إيجابية نحو الحل السلمي بدلًا من العنف والفوضى". وأشار البيان أن "هذا التفاوض الذي أبدت فيه الحكومة مرونة عالية، مدت أيديها فيه للسلم، وكان بمشاركة أطراف عسكرية وسياسية ممثلة للطرف الآخر الذي أبدت بعض العناصر استجابة وطنية للسلام، وكان من المفترض أن يعقد جلسته الثالثة يوم الجمعة في مدينة مصراته لمناقشة تفاصيل الاتفاق، إلا أنها قد أُلغيت وبشكل مفاجئ في آخر لحظة، بالتزامن مع التصعيدات العسكرية التي شهدتها طرابلس ومحيطها".

ونددت حكومة الوحدة الوطنية ما أسمته "العدوان والخيانة"، مشددة على "وقوفها مع الشعب الليبي عامة، وسكان طرابلس على وجه الخصوص للخروج من هذه الأزمة نحو الاستقرار والأمان، وإن الحكومة لن تتراجع عن تحمّلها مسؤولياتها تجاه وطنها وشعبها، وحفظ أمنه واستقراره وقطع يد كل من أثار الفوضى والفتنة داخل المدينة".

بالمقابل أصدر المكتب الإعلامي للحكومة التي عينها مجلس النواب ردًا على بيان حكومة الوحدة الوطنية نفى فيه "ما جاء في بيان حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية بخصوص رفض الحكومة الليبية أي مفاوضات معها"، وأكد المكتب الإعلامي أن "رئيس الحكومة الليبية السيد فتحي باشاغا طوال الأشهر الستة الماضية بعد منح الثقة لحكومته، رحّب بكل المبادرات المحلية والدولية لحل أزمة انتقال السلطة سلميًا، دون أي استجابة من الحكومة منتهية الولاية". وثمن البيان "كل الجهود المبذولة من جميع الأطراف المحلية والدول الصديقة والمهتمة بالشأن الليبي، والتي اتضح لها جليًا في كل محاولاتها تعنت وتشبّث هذه الحكومة ورئُيسها بالسلطة، وأصبح واضحًا لكل الليبيين أن هذه الحكومة مغتصبة للشرعية وترفض كل المبادرات، بما فيها خطاب رئيس الحكومة الليبية الذي لم تمر عليه ثلاثة أيام، وناشدنا فيه رئيس الوزراء السابق عبد الحميد الدبيبة أن يجنح للسلم".

هذا وعلقت وزيرة الخارجية بحكومة الوحدة الوطنية نجلاء المنقوش على الاشتباكات الدائرة في العاصمة طرابلس بتغريدات عبر حسابها بتويتر وكتبت إن "ترهيب العائلات والمدنيين وسط منازلهم أمر مرفوض شكلًا ومضمونًا"، وأشارت إلى "المحاولات المتكررة للجهات المتناحرة لهدم الخطوات المتقدمة، التي نقوم بها للوصول إلى الاستقرار والسلام التي نعمل عليها ليلًا ونهارًا ببلادنا ليبيا. كلها أدوات هدامة لإعادة بناء ليبيا". وأضافت المنقوش "في إطار عملي وسفري وجولاتي لتوحيد الموقف، ولنكون جسرًا للسلام والمفاوضات والحوار، وعدم السماح بإعادة إذكاء الانقسامات في ليبيا نرى جهودًا عكسية لتدميرها"، ولفتت المنقوش أن "التمثيل الدبلوماسي لليبيا هدفه أولًا وأخيرًا رفع صوت السلام، والحوار ونبذ لغة العنف والهدم والعدوان".

من جانبها عبرت بعثة الأمم المتحدة للدعم إلى ليببا عن "قلها للغاية إزاء الاشتباكات والقصف العشوائي في الأحياء المأهولة بالسكان في طرابلس"، ودعت البعثة الأممية المتحدة إلى "الوقف الفوري للأعمال العدائية"، وحثت "الجميع على الالتزام بالقانون الدولي"، مذكرة الأطراف المتصارعة بضرورة "الامتناع عن استخدام خطاب الكراهية، والتحريض على العنف". كما أعلنت السفارة الأمريكية في طرابلس وقوفها إلى جانب الشعب الليبي في الدعوة إلى الحوار السلمي. بدورها دعت سفارة بريطانيا في طرابلس إلى "وقف العنف بطرابلس"، وأدانت "أي محاولة للاستيلاء على السلطة أو التمسك بها بالقوة"، مشددة على أن "حماية المدنيين أمر بالغ الأهمية في ليبيا".

يشار إلى أنه سبق اندلاع الاشتباكات في طرابلس رسائل تهديد متبادلة من الطرفيين، حيث رد رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة على طلب رئيس الحكومة المعين من قبل مجلس النواب فتحي باشاغا بتسليمه السلطة طواعية والجنوح للسلم، عبر منشور على حسابه في فيسبوك كتب فيه "‏إلى وزير الداخلية الأسبق، وفّر عليك إرسال الرسائل المتكررة والتهديدات بإشعال الحرب واستهداف المدنيين". وأضاف الدبيبة "لو كان لديك حرص على حياة الليبيين، فركز جهدك لدخول الانتخابات، ودع عنك أوهام الانقلابات العسكرية فقد ولى زمانها"، وأرفق رئيس حكومة الوحدة الوطنية ملاحظة قال فيها "لم أرد برسالة، لأني مشغول بخدمة الليبيين".

وكان باشاغا قد أصدر في وقت سابق بيانًا أسماه "بلاغ لإبراء الذمة" قال فيه إن "حكومة الدبيبة انتهت دستوريًا وقانونيًا، وأنه يناشد فيه روح المواطن الصالح، الحريص على تجنب البلاد الشقاق والاقتتال، أن يجنح للسلم، ويقوم بتسليم السلطة سلميًا ليتحقق السلام والرفاة". وأضاف هذا "بلاغ إبراء للذمة، وإقامة للحجة، ودعوة وطنية صادقة، احترامًا لمصلحة الوطن، وتجسيدًا لمعاني الشرعية والديمقراطية، وترسيخًا لأسس الدولة المدنية التي ضحى لأجل قيامها رجال يستحقون الوفاء لهم".

تأتي هذه التطورات في خضم معلومات متواترة عن حشود عسكرية يقوم بها  الطرفان، وسط مخاوف من انزلاق الأوضاع الى مواجهة عسكرية شاملة. وفي كلمة له مساء الجمعة خلال لقائه مع عدد من أعيان المنطقة الغربية بمدينة مصراته، قال باشاغا إن "7 ملايين ينتظرون دخول الحكومة إلى طرابلس لاستلام مقراتها ومن بينهم أهالي العاصمة"، مضيفًا أن من "يدعم حكومة الدبيبة أقلية تدافع عن مصالحها الشخصية"، متهمًا رئيس حكومة الوحدة الوطنية بـ"عرقلة إجراء الانتخابات"، مؤكدًا شرعية حكومته التي "حصلت على ثقة مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة" رغم أنها غير مدعومة أمميًا، وهدد باشاغا من يواجهه بالموت قائلًا "من سيواجه قواتنا سيجد نفسه في موقف صعب، وسيموت ميتة المجرم، وسيخلف العار لأهله".

هذا ونقلت وسائل إعلام ليبية عن أن حكومة باشاغا رفعت جاهزية قواتها في معسكراتها بمدينة مصراته، كما طالبت بالقوات الموالية لها في أطراف طرابلس الغربية والجنوبية الغربية بقيادة اللواء أسامة الجويلي برفع جاهزيتها أيضًا. بالمقابل كشفت المصادر ذاتها عن إعادة الدبيبة تشكيل "القوة المشتركة مصراته" تحت اسم "لواء ليبيا" بالاشتراك مع "قوة حماية الدستور والانتخابات" تضم أنصاره من المجاميع المسلحة في طرابلس، وكلفها بتأمين المقار الحكومية، وخصوصًا مقر رئاسة الوزراء وسط طرابلس، تحسبًا لأي هجوم مسلح من قبل انصار باشاغا على العاصمة طرابلس.

هذا وشارك الدبيبة بصفته وزيرًا  للدفاع الاثنين الماضي في اجتماع عسكري موسع برئاسة رئيس المجلس الرئاسي، القائد الأعلى للجيش محمد المنفي، بحضور رؤساء الأركان التابعين لحكومة الدبيبة، وأعضاء اللجنة العسكرية 5+5. كما عقد رئيس الأركان العامة الليبية، محمد الحداد اجتماعًا عسكريًا مع قيادات عسكرية في غرب البلاد، أكدوا خلاله استعداد قواتهم لصد أي هجوم يستهدف العاصمة طرابلس. 

وفي سياق متصل، قال المتحدث باسم قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر التي تسيطر على شرق ليبيا أحمد المسماري  في تصريح تلفزيوني أن "الجيش لا يدعم أي طرف، ولا علاقة له بالصراع على السلطة في طرابلس"، لكنه أوضح "إذا طالبنا الشعب الليبي بالتدخل في طرابلس فسنكون في الموعد"، معتبرًا أن "طبول الحرب تدق في طرابلس"، لافتًا إلى "إنشاء الميليشيات غرفة عمليات عسكرية شاملة هناك برئاسة محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي". وأوضح المسماري "نحن لا نؤيد فريقًا ضد آخر، ونرجو ألا تحل الأمور بالحرب، وأن يتم تسليم السلطة للحكومة المنتخبة من البرلمان بشكل سلمي للوصول إلى الانتخابات".

تأتي هذه التطورات في خضم معلومات متواترة عن حشود عسكرية يقوم بها  الطرفان، وسط مخاوف من انزلاق الأوضاع الى مواجهة عسكرية شاملة

ويسود انقسام كبير في ليبيا مع وجود حكومتين متنافستين، وحشود عسكرية في طرابلس وضواحيها، ومخاوف من اندلاع المعارك داخلها إذ حاول رئيس الحكومة التي عينها مجلس النواب دخولها، وقد عبرت الخارجية الأمريكية عن قلقها مطالبة "الجميع بإلقاء السلاح فورًا، والتفكير في تنظيم العملية الانتخابية للوصول إلى حكومة موحدة". وكانت العاصمة طرابلس قد شهدت اشتباكات مسلحة  في أيار/ مايو الماضي، بعد دخول باشاغا للعاصمة إلا أنه أجبر بعد ساعات على الانسحاب منها.