26-يناير-2024
مقطع من قصيدة أرض بدماءٍ كثيرة (الترا صوت)

مقطع من قصيدة أرض بدماءٍ كثيرة (الترا صوت)

محمد بنيس شاعر مغربي من مواليد مدينة فاس عام 1948. يُعد واحدًا من أهم الشعراء المغاربة والعرب، ومن أبرز الشخصيات الثقافية بالمغرب، حيث ساهم في تأسيس العديد من المشاريع الثقافية المهمة، من بينها مجلة "الثقافة الجديدة" التي تأسست عام 1974 واستمرت في الصدور حتى عام 1984، و"دار توبقال للنشر"، و"بيت الشعر المغربي".

أصدر بنيس العديد من الكتب بين الشعر والنثر والدراسات الأكاديمية والأدبية والترجمة، ويُعتبر صاحب تجربة شعرية فريدة ومميزة قال الشاعر الفرنسي برنار نويل في وصفها: "أنشأ محمد بنيس عملًا لا يدين به إلا للبحث الصبور عن أصالته الخاصة ليصبح نموذجًا داخل اللغة العربية. وقد أصبح الآن يحمل مستقبلًا هو ما يجعل منه عملًا تأسيسيًا".

يتناول الشاعر المغربي في قصائده مواضيع وقضايا مختلفة، أهمها القضية الفلسطينية الحاضرة في معظم أعماله الشعرية، ومنها ديوان "يقظة الصمت" الصادر عام 2020، والذي يضم قصيدة مطوّلة بعنوان "أرض بدماءٍ كثيرة" كتبها بعد قمع الاحتلال الإسرائيلي لمسيرات العودة التي انطلقت في قطاع غزة عام 2018، واستُشهد خلالها أكثر من 200 متظاهرًا فلسطينيًا.

لا تصوّر هذه القصيدة المأساة الفلسطينية فقط، بل تعبّر عن موقف بنيس من قضية الفلسطينيين ومعاناتهم، إذ يرى أن "القصيدة موقف". وفيما يلي مختارات منها.


قتلٌ. لا أعْرفُ كيْفَ أُسمّيكَ
ولا أعرفُ أحيانًا كيْفَ أنادي في الآلامِ عليكْ.

فتّشْتُ كثيرًا
عنْ كلماتٍ كانتْ أُمْنيَتي أن أختارَ اسْمًا منها
أزرقَ مُنْفـردًا
يمتدُّ طويلًا من أيامِ القتْلِ
إلى جُثتِ القتْلَى.

قتلٌ يتواصلُ في غزةَ مُتّشحًا برمادٍ
لا تبلُغهُ الكلماتُ
هنالكَ
يفْترسُ الطغْيانُ ضحَاياهُ.

لعلّكَ تُبصرُهمْ
يمْشونَ معَ الشمْسِ ضَحايا الأرْضِ يضمُّونَ
الأرضَ
إلى أنْفـاسٍ
لا يَشربُها غيرُ العُشّاقْ.

مَنْ مِنّا
يرْفعُ أعلامَ التّيَهانِ ويتْبعُـهمْ
في وقْتِ طلُوعِ الشمْسِ علَى أسْوارِ القُدْسِ
قريبًا
من أرْضٍ تتعذّبُ.

قتلٌ يتجمّعُ في يوْمٍ
لا بدْءَ لهُ
وعذابٌ بعْدَ عذابْ.
*

قتْلَى
هلْ تقْدرُ أن تجْلسَ قُربَ القتْلَى
وترَى دمَهمْ مسفُوحًا
أيّامًا
فيها الأجْدادُ أمامَ الأحفادْ؟

غزةُ
يومٌ في يوْمٍ 
أزمنةٌ
تتدحْرجُ
فوْق دمَاءِ الأرضِ.

حدَادٌ 
تُعلنه الكلماتُ علَى 
الكلماتْ.

ريحٌ سُفْلَى تهْجمُ
ريحٌ أوْ عاصفةٌ
في الأسْفلِ
آباءٌ
يضَعُونَ لكلّ قتيلٍ تاجًا من غصْن الزّيْتونْ.
*

ألأرْضُ هنا تتذكّرُ قتْلاهَا
وتسيرُ بهمْ
من حُلم الأرْضِ 
إلى 
أرْضِ الحُلمِ
مُزيّنةً 
برمُوزِ العْودةِ
صرْختُهم أبْعدُ من ليْل الموْتِ
طيورٌ تحْملُهمْ.

فانْزعْ عنهُمْ يا صمْتُ بُرودةَ وحْدتهمْ
واتْرُكْ في أقْصَى الدمْعةِ
ورْدتَهم تنْمو
وزّعْ نجَماتِ البحْرِ عليْهمْ
واسْهرْ قُربَ الأمْواجِ
لكيْ
لا يسْرقهَا أحدٌ
بجَناحيْكَ احْضُنْهم في أُفُقٍ
يتجدّدُ
واجْعلْ منْ صرْختهُمْ
ظلاًّ يمْشي 
ويوسّعُ شوقَ الأرْضِ إلى أبناءِ الأرْضْ.