28-نوفمبر-2023
elon musk smashed with X

في أعقاب السابع من أكتوبر، وما انطوى عليه من تباين في المواقف ووجهات النظر جلّتها التحيّزات التي عرفتها التغطية الإعلامية على مدى الأسابيع الماضية، وقع مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي الراغبين بالتعبير عن دعمهم لحقّ الفلسطينيين أو تفنيد رواية إسرائيلية هنا أو هناك تحت سَوطٍ لم يكن غريبًا، بيدَ أنه لم يلسع بهذه القوة من قبل، وهو سوط خوارزميات ميتا (بتطبيقيها فيسبوك وإنستغرام) التي لم تميز بين حسابات شخصية بعشرات المتابعين أو الصفحات المليونية.

"كلا الرجلين، نتنياهو وماسك، دنيء وفاسد ومنافق" 

لم يكن الوضع على إكس (تويتر سابقًا) بهذا السوء في البداية، فوجد ذلك النوع من الناشرين مساحةً أكبر للتعبير عن آرائهم، كما ازدهرت هناك بعض الحسابات المُكرّسة لنشر المحتوى الداعم لفلسطين لدرجة جعلت عددًا من الصحفيين والمؤسسات البحثية تثير شكوكًا بتضخيم إيلون ماسك نفسه نطاق انتشار تلك الحسابات؛ وأبرزها حساب المدعو جاكسون هينكل.

في مقالٍ سابق حول كون الأخير الشخص الخطأ في المكان الصحيح، استهللت النص بتغريدة قالت إن "أعظم تلت رجال في ساحة المعركة حاليًا، يضربون بقوة ولا يبالوا، أبو عبيدة - إيلون ماسك - جاكسون هينكل. كل واحد بيضرب حسب مجاله، والتلاتة أعظم من بعض". ورغم أن موانع إحلال ماسك- وهينكل- في هذا المقام عديدة وليست خفية على أحد، إلا أنني لم أتوقع أن تنجلي بهذه السرعة.

فقد تفشّت منشورات الإشادة والمديح بإيلون ماسك من هذا النوع على نطاقٍ واسع خلال الشهرين الماضيين، كما شهد إكس موجة هجرة من قبل عدد كبير من المستخدمين هروبًا من إجحاف تطبيقات ميتا وخوارزمياتها. وبدا أن ماسك قد استعاد شيئًا من لقب "رسول حرية التعبير" المفضّل إليه، والذي فقده تدريجيًا بعد استيلائه على إكس. لكن، وكما تقول الأمثال الشعبية "المديح لا يطعم الخبز".

انتشار هذا النوع من المحتوى الداعم لفلسطين على المنصة لم يرق كثيرًا لجماعات الضغط التي صبّت جهودها نحو المعلنين على المنصة، شريان حياة وسائل التواصل الاجتماعي. وبما أن تهم الحض على الكراهية ومعاداة السامية جاهزة ومعلبة لتُصبغ بها أية قطعة محتوى داعم لفلسطين أو منتقد لإسرائيل، لم يحبّذ المُعلن، أيًا كان المنتج الذي يروّج له، فكرة ظهوره بجانب أي نوع من أنواع المحتوى التي تثير أي نوعٍ من المشاعر التي تشتت النزعة الاستهلاكية.

أسفر ذلك عن هبوط في إيرادات الإعلانات على إكس وصل إلى 60 بالمئة، جلّه كان نتيجة جهود رابطة مكافحة التشهير، أحد اللوبيات الإسرائيلية في الولايات المتحدة، بحسب ماسك نفسه، بجانب تقرير مؤسسة "ميديا ماترز" لمراقبة الإعلام، المؤيدة لإسرائيل، الذي انتقد بشدة سياسة المحتوى على إكس واتهمها بـ "الترويج للعنف".

وما زاد الطين بلّة منذ أيامٍ فقط هو ترويج ماسك نفسه لنظرية "الاستبدال العظيم" من خلال التأكيد على أن الشعب اليهودي والنخب الأميركية تسعى إلى استبدال السكان الأمريكيين البيض بمهاجرين غير بيض. الأمر الذي أثار حفيظة البيت الأبيض نفسه، ليُعلن كبار المعلنين على إكس، أمثال عملاقي التكنولوجيا آبل وآي بي إم، وقف حملاتهم الإعلانية على المنصة.

يوم أمس، طار إيلون ماسك إلى إسرائيل في رحلة "ريبراندينغ"، أو إعادة تأهيل لعلامته التجارية. زار الكيبوتسات التي استُهدفت في "طوفان الأقصى" صحبة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو شخصيًا، الذي تحدث معه عن أحداث السابع من أكتوبر، ومستقبل غزة "من دون حماس"، ورغبته بإعادة إعمارها، وبالطبع، الترويج لأقمار "ستارلينك" الفضائية واستعداده إتاحتها في غزة المفصولة عن الإنترنت؛ الأمر الذي أبدى استعداده له منذ حوالي الشهر ولم يطرأ تغييرًا على الأرض.

بدا في الرحلة أن وجود الكاميرات كان أهم لماسك من وجود نتنياهو نفسه. لا يملك الرجل رفاهية قطع حبل العلاقات مع المعلنين. ورغم محاولاته المتكررة في أن يكون ساخرًا معظم الأوقات، لم يكن هناك سخرية أكثر من محاولة تبييضه حقيقة أنه كان جزءًا لا يتجزأ من نشر نظريات المؤامرة المعادية للسامية بنفسه قبل أيامٍ فقط.

في "إسرائيل"، لم تكن أصداء الزيارة بالإيجابية المرجوة، بل عمّقت مأزق نتنياهو الداخلي. فقد كتبت إستير سولومون، رئيسة تحرير صحيفة هآرتس: "يجب أن يكون إيلون ماسك، المعادي الصارخ للسامية وناشرها، شخصًا غير مرغوب فيه في إسرائيل. بدلاً من ذلك، فإن نتنياهو – الذي يغوص في أعماق جديدة من التملق غير الأخلاقي – يمنحه زيارة علاقات عامة إلى الكيبوتسات التي هاجمتها حماس. كلاهما دنيء وفاسد ومنافق".

في "إسرائيل"، لم تكن أصداء الزيارة بالإيجابية المرجوة، بل عمّقت مأزق نتنياهو الداخلي

منذ عدة أيام، ادعى ماسك أن "وسائل الإعلام التقليدية" تحاول تدمير إكس بأي طريقة ممكنة لأنها اتهمته بمعاداة السامية. قبلها بأسابيع، اعترف بأن جماعات الضغط الإسرائيلية كادت أن تنجح في قتل إكس. بعد تعامله مع قضية بهذا الحجم، أدرك أن مواقفه المتذبذبة هي وحدها من سيفعل ذلك. قرر النأي بنفسه والتنحي جانبًا، لكنه حرص على فعل ذلك وسط اهتمام العالم أجمع.