08-ديسمبر-2015

لوبان خلال مؤتمر صحفي قبل بدء الجولة الثانية (Getty)

لنفترض أن زعيمة اليمين الفرنسي ماري لوبان فازت بالرئاسة. ماذا سيتغير؟ هل حقًا سيستعيد الفرنسيون حقوقهم الاقتصادية التي يُتهم دومًا "الغرباء" المهاجرون بسرقتها من دربهم؟ لا بد من التوقف مليًا، أمام خطاب لوبان "العنصري" و"الواقعي" إذا ما تم مقارنته بـ"حكايا الشارع" والرأي العام الفرنسي الغافل حقًا عن وقائع أخرى. فالخطاب الذي توجهه المرأة البيضاء إلى شعب محكوم بساعات عمل طويلة والرازح أحيانًا تحت عبء اقتصادي غير معلن بعد، يحاكي بشكل مسطح أزمة الشعب، والتي بمجملها تحمل علامات استفهام كبيرة حول معدلات النمو الاقتصادي، وزيادة الأجور وبالطبع زيادة الضرائب. 

هل حقًا سيستعيد الفرنسيون حقوقهم الاقتصادية التي يُتهم دومًا  "الغرباء" المهاجرون بسرقتها من دربهم؟

فليس مسلمو فرنسا أو مهاجروها من أقطاب الدنيا، هم من يأخذون "حصص" الفرنسي من العيش. وهذه حقيقة على الفرنسي عاجلًا أم آجلًا التعامل معها بجدية كبيرة، نظرًا إلى ما يؤسسه "الغضب" من حالات تطرف تفجر النسيج الفرنسي نفسه من الداخل. وهو عمليًا ما ينتج خلايا الإرهاب. فالإرهاب الآتي من الضواحي ليس إلا وليد الفقر. 

ففرنسا لطالما سميت بأنها "أرض المهاجرين" terre d asile، ولذا لا يمكن حصر أحقيتها بشعب أصيل واحد. فهي تراب منوع الأعراق والثيمات والثقافات. وهذا ما يجعلها أمة "مشرقة" على ما يردد الرئيس فرنسوا هولاند. 

اعتزام اليمين غداة تقدّمه في الدورة الأولى من انتخابات المناطق، طرح نفسه في موقع قوة كبديل للسلطة الحالية، ما هو إلا "كسب جولة" بوجه اليسار، لما بعد "هجمات باريس" الدامية. ويلقي هذا التيار السياسي المتعاظم شعبيًا ثقله في اتجاه ترشيح لوبان إلى الانتخابات الرئاسية في العام 2017. ما قد يضمن استمرار نفوذه على الأرض. فصناديق الاقتراع ستوضح تمامًا أن الفرنسيين يلقون بلائمتهم على سياسات اليسار في الخارج كما في الداخل. 

مسائل كثيرة، قد يطرحها المواطن الفرنسي العادي، المشغول بيومياته، والمستبعد بعض الشيء عن التفكير بأفق حلول لأزمات الدولة والحكومة في آن. فـ"خطر" المهاجرين ليس معيارًا في توصيف تراجع معدلات النمو أو ازدياد الضرائب، وهذه هي الهموم الأولى في سلم الأولويات لدى المواطن الفرنسي. لذا الخطاب الداعي إلى التفرقة بين "المواطن الأول" والمواطن "رقم 2" هو غلو في التطرف والنزعة إلى تجديد العنف الاجتماعي. حيث إن المواطن لا يملك حقيقة أي رأي شامل لما عليه الواقع. يلعب الإعلام دورًا بارزًا في تشتيت رؤيته. فالبحث عما هو جذاب، أي ما يرفع نسب المشاهدة، يؤول حتمًا إلى استقطاب لوبان في الحوارات الإعلامية وتكريسها صورة حية و"مضحية" للشعب الفرنسي. وأكثر النساء جدلًا في السياسة الفرنسية في تعاقبها على طرح أسئلة من قبيل: ماذا لو حكمنا المسلمون؟ (والسؤال تشرعنه وسائل الإعلام خصوصًا بعد هجوم شارلي إيبدو وطبعًا هجمات باريس الأخيرة). 

ماذا لو فعلها الشعب الفرنسي وانتُخبت لوبان، هل حقًا سنرى "الحلم الفرنسي" في أوجه؟

وكانت لوبان قالت في تصريح لشبكة "بي. أف. أم تي في" وإذاعة "مونت كارلو"، إن "الشعب الفرنسي سئم، وهو يؤكد انتخابات بعد أخرى ثقته في الجبهة الوطنية". وأضافت: "أعتقد من جهتي أن الفرنسيين يرغبون في إعطاء فرصة لنا". وقال النائب عن "الجبهة"، جيلبير كولار، "أعتقد أن مارين ستصل إلى السلطة. وسيأتي يوم يكون لنا فيه امرأة رئيسة للجمهورية".

وكانت الصحافة الفرنسية استنتجت الأمر نفسه. وعنونت صحيفة "لو باريزيان": "الجبهة الوطنية على أبواب السلطة"، ورأت صحيفة "ليبراسيون" أن فوز اليمين المتطرف "يقترب". وبحسب نتائج الانتخابات سجّلت "الجبهة الوطنية" نتيجة قياسية جديدة بحصولها على 28% من الأصوات، متقدمة على حزب "الجمهوريين"، أكبر أحزاب المعارضة اليمينية، وحلفائها الوسطيين الذين سجلوا 27%. أمّا "الحزب الاشتراكي"، بزعامة هولاند، فحلّ في المرتبة الثالثة بنسبة 23,5%. 

لكن ماذا لو فعلها الشعب الفرنسي وانتُخبت لوبان، هل حقًا سنرى "الحلم الفرنسي" في أوجه؟

اقرأ/ي أيضًا:

عن الهجمات الأكثر دموية في تاريخ فرنسا

فرنسا التي تنتقم من نفسها