11-نوفمبر-2020

تعقيدات جديدة في لبنان بالتزامن مع نتائج الانتخابات الأمريكية (رويترز)

تعامل ترامب مع الأمر ببساطة: الدول تشبه الشركات. الأوتوقراطيون أشبه بمدراء لهذه الشركات. لا حاجة للاتفاق مع أحد غيرهم. في لبنان، لم يجد شخصًا مثل هذا ليتفق معه. بعقليته الفاسدة، وجد هنا شركة فاسدة، تديرها مجموعة فاسدة. كما بات معروفًا، ترامب رجل صفقات، وحدود الصفقة في لبنان كانت معقدة، وغير مربحة لمقاول مثل ترامب، لم يتعامل مع السياسة اللبنانية كما تعامل الأمريكيون تاريخيًا. ربما يجب التذكير بأن هذه السياسة كانت انتقائية دائمًا، ومنحازة إلى مصالح الاحتلال الإسرائيلي. بالنسبة للبنان، بالغ ترامب في التخلي عن "السياسة" من أساسها. كان مقاولًا.

تعامل ترامب مع الأمر ببساطة: الدول تشبه الشركات. الأوتوقراطيون أشبه بمدراء لهذه الشركات. لا حاجة للاتفاق مع أحد غيرهم. لكن في لبنان، لم يجد شخصًا مثل هذا ليتفق معه

هناك سيرة للعلاقات لا يمكن اختزالها بسهولة. لكن لوقتٍ طويل، وفي جزء من هذه العلاقات، كان رئيس الجمهورية في لبنان، حصيلة اتفاق بين الرئس السوري حافظ الأسد - من موقعه كحاكم وليس كرئيس تقليدي في سوريا - وبين الأمريكيين، الذين "زكوا" دخول جيش الأسد إلى لبنان، بعد إسهامه المباشر كجيش عربي بتغطية القوات الأمريكية في حرب الخليج الأولى. ملامح هذا التعاون بدأت عندما وافق الأمريكيون على أمين الجمّيل في منتصف الحرب اللبنانية الأهلية، عام 1982. ومنذ انتخاب الرئيس الأول في لبنان بعد اتفاق الطائف، وحتى ما بعد التمديد للرئيس السابق ميشال سليمان، كان الأمريكيون "يوافقون" على الرؤساء، الذين كان "يزكّيهم" لهذا الموقع النظام في سوريا.

اقرأ/ي أيضًا: الفساد يلاحق المواطنين إلى قبورهم في لبنان

 نتحدث عن الياس الهرواي، اميل لحود، ولاحقًا ميشال سليمان. عندما جاء ترامب بشخصيته الفريدة وجد شخصًا فريدًا في لبنان، يعتبر حليفًا لحزب الله، إلى درجة أن الحزب نفسه، هو الذي أوصله إلى الرئاسة. كان "اختفاء السياسة" من ضمن التحولات الواضحة في السياسة الأمريكية ما بعد ترامب، أي أنه وخلال طوال مدة ولايته، لم يقم بأي عمل "سياسي" جدي في لبنان، مع الأخذ بالاعتبار قلة أهمية لبنان، بالمقارنة مع ملفات أكثر سخونة في المنطقة.

من ناحية المبدأ، سيكون من الصعب جدًا تصوّر حدوث تغيير جذري في مقاربة الأمريكيين لمسائل "الشرق الأوسط"، باستثناء صفقات ترامب مع الخاسرين من المطبّعين العرب، أو التحولات التي قد تطرأ على العلاقة مع إيران. لكن في لبنان، يمكن الحديث عن أربع نقاط أساسية، عن لبنان في مرحلة "ما بعد ترامب".

  • العقوبات

قبل أيام، أعلن الأمريكيون عن عقوبات جديدة بحق صهر الرئيس ميشال عون، وحليف حزب الله، أي رئيس التيار الوطني الحرّ، جبران باسيل. المفارقة التي صارت معروفة حتى للمتابعين العرب وليس اللبنانيين حصرًا، هي أن باسيل يشبه في خلفيته الثقافية مجموعة سياسيين في العالم تأثروا بدونالد ترامب. ستجد لديه ما تجده عند جيل كبير من المحسوبين على اليمين، الذين يسجّلون مواقف تجد قمة أصدائها عند ترامب نفسه: الموقف السلبي من المهاجرين واللاجئين، الانحياز لمصالح فئات اجتماعية صاحبة امتيازات تاريخية، العداء للتاريخ نفسه والارتكاز إلى تاريخ متخيّل على أساس الحاضر، وغيرها من المسائل.

 في حياة أخرى، وظروف أخرى، ربما كان من الممكن أن يكون تيار باسيل حليفًا مناسبًا لترامب، ويكون الأخير ملهمًا جديًا له. لكن هذا ليس مهمًا بالضرورة، وفي مسألة العقوبات تحديدًا، فإن هذه العقوبات من المرجح أن تستمر، خاصةً بعد تجربة المفاوضات لترسيم الحدود مع الاحتلال الاسرائيلي، التي بات واضحًا أن القبول اللبناني بها كان في سياق مبادرة إيجابية، كرد فعل على إدراج وزير المالية الأسبق، وهو المساعد السياسي لرئيس البرلمان اللبناني، نبيه بري، على لائحة العقوبات. باستثناء حدوث تحول راديكالي – غير متوقع - في العلاقة مع التيار المتشدد الذي يحكم إيران، لا شيء يدل على أن الأمريكيين سيتراجعون عن العقوبات، فهم لم يحبوا حزب الله في حياته، ولن يحبّونه فجأة.

  • مفاوضات ترسيم الحدود

لم تقم القيامة في لبنان عندما قرر دونالد ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس. لم تمتلئ الشوارع بالتظاهرات، ولم تسجّل حالة اعتراضية جدّية. في لبنان، ثمة من يسيطر على هذا الخطاب، ويديره وفق حسابات خاصة، وغالبًا على أساس شكلاني. بعد ذلك بقليل، انتفض اللبنانيون من أجل ما بدا أنه أولويتهم: الأزمة الاقتصادية، وهناك من يطلق على الأزمة في الإعلام تمييعًا لقب "الأزمة المعيشية". ليست هذه دعوة للتقليل من مخاطر الذهاب إلى مفاوضات مع الاحتلال انطلاقًا من خلفية ضعيفة، إنما دعوة لقراءة الأسباب التي دفعت النخبة الحاكمة للذهاب، مع علمها أن أحدًا لن يكون قادرًا على الرفض، بعدما نجحت في قمع الحالة الاعتراضية ضدّ تجربتها كنخبة والمتمثلة بانتفاضة 17 تشرين الأول وتردداتها.

استمرت هذه المجموعة بالتصرف كما يتصرف بشار الأسد كرئيس لسوريا، وكما لو أن الأحوال طبيعية وأنها باقية إلى الأبد. هذه المفاوضات، قابلة للتقدم والتراجع، من الجهة اللبنانية، وفق حسابات النخبة الحاكمة (التي تؤمن بوجود غاز في البحر وتروّج لنظرية طريفة عن سد ديون البلاد من خلال بيعه)، ووفق علاقات وحسابات هذه النخبة مع الولايات المتحدة، وليس انطلاقًا من مصلحة وطنية.

  • الحكومة والحريري

فوز جو بايدن بالانتخابات، لا يعني أن اللبنانيين معجبون بعودة سعد الحريري وبمن يسمّى من وزراء، وأن القمع لم يبلغ أعلى مستوياته في لبنان، عبر إعادة إنتاج المجموعة الحاكمة لنفسها مجددًا، ولأدوات خلافاتها ومصالحها أيضًا. لكن ما هو متوقع، أن الموقف الأمريكي من هذه النخبة، لن يكون مختلفًا عن السابق، وستمثّل مصالحه في لبنان مجموعة سياسية محددة، حتى وإن كانت هذه المجموعة هي من ضمن النواة الصلبة للنخبة التقليدية الحاكمة في لبنان. ويعني هذا أن خسائر اللبنانيين ستستمر، وذاهبة إلى تفاقم، سواء سار الحريري بمشاريعه الاقتصادية المتوقعة، أم أُنتجت أي تسويات بديلة، لن تختلف في النهاية عن سابقتها. وفي حال إتمام العودة إلى الاتفاق النووي، فإن إيران لن تضطر إلى تقديم تنازلات كبيرة، وبالتالي لن يشعر حزب الله في لبنان أنه تحت أي ضغط، ومن نافل القول إن ارتياح النظام الإيراني اقتصاديًا، لن يعني ارتياح لبنان بالضرورة، بل سيعني قدرته على زيادة دعمه لحزب الله. وبالتالي، لن يجد الحزب نفسه معنيًا بالاستجابة للحديث عن إصلاحات أو تبني خطة إصلاحية، طالما أنه سيكون قادرًا على حماية الجماعة الأهلية الملتفة حوله.

  • الرئيس المقبل للجمهورية

قبل العقوبات عليه، كان جبران باسيل مرشحًا حقيقيًا لرئاسة الجمهورية بالنسبة لـ"الماينستريم" المتابع للسياسة في لبنان. لا يعني هذا أنه كان الأوفر حظًا، لكنه كان مرشحًا يملك حظوظًا، رغم الموقف الاعتراضى ضدّه المسجّل في الانتفاضة. حتى أن البطريرك بشارة الراعي، الذي حرص على الدفاع عن موقع رئيس الجمهورية بوصفه موقعًا للموارنة، لم يدافع عنه بعد العقوبات. المقربون من البطريرك دافعوا عن الموقف بالقول إنهم كانوا أنفسهم مهددون بعقوبات أمريكية، وإن الأمريكيين جادون جدًا في مسألة العقوبات.

 يقول المقربون ومحبو باسيل إننا ذاهبون إلى مرحلة "ما بعد ترامب"، وإن باسيل لا يمكنه التخلي عن خياراته التي سببت له العقوبات، أي علاقته بحزب الله، لأن ذلك سيعني أنه تراجع "تحت الضغط"

 في مرحلة بايدن، يفترض عودة السياسة، أي قبول الأمريكيين بشيء يشبه النقاش. يقول المقربون ومحبو باسيل إننا ذاهبون إلى مرحلة "ما بعد ترامب"، وإن باسيل لا يمكنه التخلي عن خياراته التي سببت له العقوبات، أي علاقته بحزب الله، لأن ذلك سيعني أنه تراجع "تحت الضغط". ولكن، حسب ما تشير إليه المعلومات المتوافرة، فإن الأمريكيين ليسوا في وارد التودد لباسيل، وأنهم ينوون استعادة دور "سياسي" في لبنان، تنازلوا عنه في زمن ترامب. وهذا الدور، يقوم على دعم سياسيين آخرين، لرئاسة الجمهورية بعد عون، ولم يعد خافيًا على أحد أن لديهم مرّشحون مفضّلون مع ترامب أو بدونه، وأن اسم باسيل التصق بحزب الله إلى درجة تصعب اعتباره تسوويًا بأي شكل من الأشكال. هذا يعني أنه إذا أراد أن يصير رئيسًا للجمهورية فقد يتوجب عليه أن يشقّ طريقًا مختلفًا.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

قادة وسياسيون حول العالم يهنئون بايدن وهاريس بالفوز في الانتخابات

رئيس وزراء الدنمارك السابق لترامب: إليك الطريقة المشرّفة للاعتراف بالهزيمة