27-أكتوبر-2015

زراعة الحشيشة في سهل البقاع اللبناني (رمزي حيدر/أ.ف.ب/Getty)

الهدف من هذا التحقيق ليس تسليط الضوء على المدعو "أبو سلة" الذي أصبح أشهر من نارٍ على علم، بل تسليط الضوء على محاولات الدولة لاختراقه كونه من أكبر تجار المخدرات في لبنان، وفشلها المستمر بتحقيق هذا الأمر. ثمة مقابلات مع شبابٍ زاروا منطقة "أبو سلة" وعن تجاربهم، وعن الإبداع والابتكار في التخفي والتجارة غير الشرعية.

نجح رسام الغرافيتي "بانكسي" بأن يتحول من شخص الرسام المجهول الهوية والوجه الفني الذي اشتهر بظهوره في رسوماته على جدران بريطانيا. كانت بدايته في مدينة بريستول مع الرسم الغرافيتي الشهير للموناليزا وهي تحمل قنبلة، ليتحول بعد سنوات إلى أسطورة تنتشر أعماله حول العالم وفي أكثر المناطق رمزية كجدار الفصل في الضفة الغربية. السؤال هو: هل بانكسي شخص أم عنوان فني وسياسي؟

السؤال ذاته يُطرح على "ابو سلة". فحين يُسأل مروجو المخدرات عن أبو سلة يقول بعضهم إنه يعيش في مملكته الخاصة ولا يظهر في العلن. فهل أبو سلة تاجر مخدرات أم عنوان للمروجين في منطقة الدكوانة ــ الفنار، شرق لبنان؟

أصبح موضوع تجارة المخدرات في لبنان من المواضيع التي تُطرح بشكلٍ جدّي في المجتمع اللبناني. خوف الأهالي على أبنائهم ينقسم بين الخوف من العار الذي يجلل العائلة إذا تم اعتقال أحد أفرادها لحوزته "حشيشة الكيف"، وخوف الإدمان على المخدرات والانحراف إلى الأمراض النفسية والإجرام.

"كيس الحشيش بعشرين ألف، وهيدي فوقن دفتر ورق شام هدية" هكذا يُروج "محمد" لما توفر له من ممنوعات في منطقة الدكوانة. محمد ليس تاجرًا ولا تتبناه أي مجموعة من تجار المخدرات في لبنان. هو حسبما يصف نفسه "حكيم بلا شهادة".

"علي. ز" ابن بلدة ريحا البعلبكيّة، البالغ من العمر خمسة وثلاثين سنة هو المعروف بالتاجر الملقّب بـ "أبو سلّة". إلا أنّ عدد مذكرات البحث والتحرّي المسطّرة بحقّه تفوق سنوات عمره عددًا، ما يجعله أحد أشهر المطلوبين في لبنان بجرم الاتجار بالمخدرات. وشخصٌ بشهرته يتخطى وجوده كشخص فحسب، بل أصبح هذا الأخير أسطورة.

أطلق لقب "أبو سلّة" على "علي. ز" لأنّه كان يستخدم السلّة التي يُنزلها بحبلٍ لتسليم المخدرات وتسلّم ثمنها. إلا أنّ الأساليب المعتمدة من قبل الرجل تطوّرت منذ ذلك الحين، وهو أصبح أكثر حرصًا، خصوصًا منذ بدأت القوى الأمنيّة تلاحقه وتدهم منزله في منطقة الفنار في أوائل العام 2013.

الحياة طبيعية في حيّ الزعيترية حيث الطريق الوعرة والخطرة لا تمنع محبي حشيشة الكيف من الوصول إلى مصدرها

في حيّ الزعيترية، حيث الطريق الوعرة والخطرة لا تمنع محبي حشيشة الكيف بالوصول إلى مصدرها، نهارًا نجد أن جميع السكان يتنقلون في المنطقة بشكلٍ طبيعي، لكن مع ساعات الليل الأولى تتحول المنطقة إلى مقر للحشاشين والتجار ليلتقوا ويتبادلوا ما يمتلكوه.

ما هو العامل المغري الذي يجعل من "أبو سلة" الرجل المتعدد الأسعار؟ يُعرف سوق المخدرات اللبناني بأنه الأسوأ في الشرق الأوسط من حيث التجارة والتزوير في المواد المستعملة لصناعة وبيع المخدرات. على عكس المحصول الزراعي الذي يُصنف من الأفضل، ففي مدينة امستردام الهولندية التي تُعرف بسياحة المخدرات المُشرعة كحشيشة الكيف، تأتي الـ Red Lebanese، أي الحشيشة الطبيعية اللبنانية في الدرجة الثانية بعد المحصول الوطنية من الحشيشة الهولندية.

"أبو الكل أبو سلة، لا يترك أحدًا تائهًا" يقول "كريم" وهو أحد زبائن أبو سلة الذين يزورونه يوميًا. "لم ألتق به يومًا، ولكنني أسمع عنه أنه شخص يحب مهنته التي احترفها منذ عشر سنوات حتى اليوم، وهي تجارة المخدرات، وهو لم يتعرض لأحد بالأذية قط" يُضيف.

وفي رحلته اليومية إلى منطقة الفنار يقول كريم: "يوم الاثنين يختلف عن الجمعة، فإن الاثنين هو اليوم الذي تمتلئ فيه الشوارع بسيارات فرع المعلومات اللبنانية ومخابرات الجيش في منطقة الفنار، مراقبين الزبائن والتجّار، أما الجمعة فهو عيد أبو سلة الأسبوعي والذي يستقبل فيه في النهار مئات السيارات التي تمر لتشتري المخدرات.


في التالي مقابلاتٍ مع شبان يهوون حشيشة الكيف وعن آرائهم بتشريع حشيشة الكيّف:

س: هل تعتقد أن على الدولة أن تُشرع حشيشة الكيف؟

ج 1: نعم على الدولة أن تقوم بتلك الخطوة، على الأقل في المجال الطبي، فتعرف الحشيشة بأنها من أهم مقومات معالجة مرض السرطان والصداع أيضًا.

ج 2: الدولة دائمًا تنسى أن هناك الآلاف من سكان البقاع وبعلبك والهرمل الذين تربوا وترعرعوا على زراعة الحشيشة منذ مئات الأعوام، وأيضًا تقوم الدولة بحرق محصولهم السنوي كل مرة وتتركهم بلا بدائل زراعية أو دعمٍ مادي. ما يجعل من تلك الدولة، دولة "عدم الاكتراث للمزارع".

ج 3: لم لا؟ لم علينا أن نختبئ وراء إصبعنا؟ لما يُصَدَّر تسعون بالمائة من محصول الحشيشة من منطقة "دير الأحمر" سنويًا إلى مدينة أمستردام الهولندية لتستفيد منها الدولة الهولندية طبيًا وسياحيًا وفي دولتنا المزارع يبقى شعار الطبقة الفقيرة؟

ج 4: لا أعرف من هو أبو سلة، ولم أقم بشراء الحشيشة يومًا، فأنا أدخن الحشيشة حين تتوافر مع الأصدقاء، لكن على الدولة أن تعلم إن كانت ستشرع الحشيشة فيمكنها أن تسد عجز الميزانية بأقل من خمس سنوات، فأنا متأكد بأن تسعين بالمائة من الشعب اللبناني يدخن حشيشة الكيّف. والعشرة بالمائة المتبقية يتسألون عن ماهية تلك النبتة.

ج 5: ولدت وربيت في منطقة البقاع اللبنانية وأبي أحد مزارعي الحشيشة. أنا لا أدخن الحشيشة، لأنني وبكل بساطة لا أهوى التدخين بشكلٍ عام. لكن أيضًا لا يمكنني أن أرى أبي يبكي كل سنة حين يرى دبابات الجيش اللبناني تهرس محصوله من النبتة التي تُعيل العائلة بأكملها سنويًا.
 

نعود إلى أبو سلة. يقول أحد المروجين الملقب بـ "روبين هود الفنار": "أبو سلة ليس شخصًا، بل هي مؤسسة غير شرعية قانونيًا، أي شخص اسمه أبو سلة في منطقة الفنار من مروجين وتجّار". ما يُثبت أن أبو سلة أصبح أسطورة وليس شخصًا. ويُضيف روبين أيضًا: "افتراضًا أني قمت بشراء كيس حشيشة بسعر عشرين ألف ليرة لبنانية فعليك أن تعلم بأن نصف هذا السعر يعود إلى الرشاوي التي نقوم بدفعها لرجال الأمن الذين يقتحمون المنطقة شهريًا، فمن الفاسد؟ الهارب من العدالة من أجل لقمة العيش أم من يحمل النجوم على كتفيه؟"

الدولة اللبنانية تعجز منذ عام 1990 حتى اليوم بأن تضبط جميع تجّار المخدرات اللبنانيين، وبالمقابل تمارس القانون على من لا يتوافر له لقمة العيش في حقول الزراعة. وما يزال أبو سلة وجيشه من المروجين يقومون بعملهم غير الشرعي قانونيًا والدولة تقبض الرشاوي بشكلٍ أسبوعي عبر مخابراتها وأجهزة الأمن. وما زال المحشش يحشش، والتاجر يتاجر، والمروّج يروّج، والدولة تتغاضى.

 

اقرأ/ي أيضًا:
لبنان كما لا نعرفه.. جرائم بمساحة الوطن
"إعادة تدوير" الحوار اللبناني.. الطاولة رقم 16
عشرية حزب الله الحكومي.. "دور ع الناس"!


جميع الذين شاركوا في هذا التحقيق من شخصيات أمنية ومدنية، وتجّار مخدرات ومروجين، ومن الشباب الذين يزورون منطقة الفنار، وجميع من ذُكر في هذا التحقيق هم تحت إطار السرية الصحفية، ولن تكشف أسماؤهم أو عناوينهم أو هوياتهم.