10-أغسطس-2015

فرقة رقص شعبي لبناني في ميشيغن (Getty)

يؤخذ على الأمريكيين من أصول لبنانية، فشل محاولاتهم منذ سبعينيات القرن الماضي لتشكيل لوبي لبناني مؤثر في دوائر القرار في واشنطن. من الواضح أن لبنان لا يشكل محور اهتمام السياسات الخارجية الأمريكية، ولم ينظر إليه مهندسو تلك السياسات على أنه بلد قوي ومؤثر في مستقبل الشرق الأوسط، حيث عمدت الإدارات الأمريكية المتعاقبة إلى التوصل إلى تسويات مع الدول الفاعلة في المنطقة، أفضت دائماً إلى تلزيم لبنان تارة لمصر أو السعودية، ومرةً لإسرائيل وأخرى لسوريا أو إيران. إلا أن وجود أكثر من مليوني ناخب أمريكي من أصول لبنانية، أمر لا يستهان به في موازين السياسات الداخلية والخارجية الأمريكية، فيما لو أحسن تنظيم هذه القوة الناخبة.

يشكل اللبنانيون في أمريكا جالية يفوق تعداد الناخبين من أبنائها المليوني ناخب

إذًا، لا توازي قوة اللوبي اللبناني في واشنطن حجم وقوة حضور الجالية اللبنانية في الولايات المتحدة لجهة تزايد عدد الأمريكيين من أصول لبنانية، وتاريخ هجرتهم المبكر إلى القارة الجديدة وانخراطهم اللافت في مختلف مناحي الحياة الأمريكية اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا. وتعتبر جهود المنظمات والهيئات اللبنانية للتاثير في الشأن العام الأمريكي حديثة العهد. إذ يعود زمن تأسيسها إلى سبعينيات القرن الماضي، أي بعد مرور أكثر من مائة عام على وصول أول مهاجر لبناني "1852" إلى بوسطن في ولاية ماساتشوتس. هذا الأمر يبدو جليًا ومثيرًا للسخرية عند وضع حجم تأثير اللبنانيين على القرار السياسي في الولايات المتحدة، بالمقارنة مع حجم نفوذ اللوبي اليهودي في السياسية والاقتصاد والإعلام في هذا البلد، علماً أن المهاجرين اللبنانيين وصلوا قبل عشرات السنين إلى الأرض الجديدة، قبل وصول اليهود من أوروبا بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية في النصف الأول من القرن العشرين.

المفارقة أن أولى المحاولات لتشكيل نواة لوبي لبناني في واشنطن، كانت مع بداية الحرب الأهلية اللبنانية، وبرعاية اللوبي الإسرائيلي، الذي سعى إلى توسيع الشرخ بين المسيحيين اللبنانيين ومنظمة التحرير الفلسطينية والضغط على الإدارة الأمريكية من أجل تقديم الدعم للمليشيات الفاشية المتحالفة مع إسرائيل في لبنان. وبالفعل نجحت جهود اللوبي الإسرائيلي والمنظمات اليمينية اللبنانية المرتبطة بحزب الكتائب والقوات اللبنانية، بتأمين موافقة واشنطن على انتخاب بشير الجميل رئيسًا للجمهورية اللبنانية بعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982.

أما في تسعينيات القرن الماضي، سجّل أيضاً نشاط لافت لتشكيل لوبي لبناني ضاغط على القرار الأمريكي، ولكن هذه المرة جاءت الرعاية من اللوبي السعودي في واشنطن، الذي بذل جهودا كبيرة، كان من ثمارها دعم البيت الأبيض لاتفاق الطائف وتسليم رئاسة الحكومة لرفيق الحريري.

برز في العقود الماضية العديد من الأمريكيين من أصول لبنانية في المجالات الاقتصادية والثقافية والسياسية، حيث تمكن بعضهم من الوصول إلى الكونغرس الأمريكي والدوائر الحكومية الأخرى. لكن وصول هؤلاء إلى مراكز القرار في واشنطن لم  يأت في سياق حركة المنظمات والشخصيات اللبنانية الساعية إلى تشكيل لوبي لبناني، بل جاء نتيجة نجاحات فردية لتلك الشخصيات.


هجرة إلى الوطن

تشكل ديترويت بولاية ميشيغن، وتحديداً مدينة ديربورن التي يطلق عليها تسمية عاصمة الجاليات العربية في الولايات المتحدة، حالة فريدة بالنسبة لوضع الجاليات العربية ومن ضمنها اللبنانية، لناحية التركز والكثافة والحضور في الفضاءات العامة، فتنتشر في شوارعها وأحيائها الأسماء والتفاعل الاجتماعي ومظاهر الحياة العربية، وكأنك في مدينة بنت جبيل، أو في أحد أحياء الضاحية الجنوبية أو بعلبك.