03-يونيو-2024
كيليان مبابي

بعد يوم واحد من تتويج ريال مدريد الخامس عشر بدوري أبطال أوروبا، أكمل كيليان مبابي إجراءات انتقاله إلى النادي الملكي، بعد سنوات طويلة من الدراما المحيطة بهذا الانتقال، ليعلن ريال مدريد رسميًا مساء الإثنين عن ضم النجم الفرنسي لخمسة مواسم قادمة.

"تيك-تاك" ريال مدريد وكيليان مبابي

حكاية رحيل كيليان مبابي عن باريس سان جيرمان كانت تروى في كلّ شتاء وصيف، ومثّلت وجبة دسمة لوسائل الإعلام، ومنهم من سلّم بتحقيق مبابي لأحلام ريال مدريد بالتعاقد معه منذ سنوات، واشتهرت وسائل إعلام إسبانية باستخدامها لعبارة "تيك-تاك"، مشيرة إلى حركات ثواني الساعة، وأن انتقال مبابي للريال قريب جدًا، وفي كلّ مرة كان أبواب سوق الانتقالات تُقفل، ومبابي لا يغيّر وجهته.

لم يسبق لريال مدريد بكبريائه أن كشف صراحة قلبه للجميع، وأعلن عشقه للاعب بعينه مثلما فعل مع كيليان مبابي، لكن سبق للكثير من اللاعبين أن أعلنوا غرامهم بالريال، وغالبًا كان هذا الحب من طرف واحد

 لكنّ كيليان مبابي أنهى أخيرًا حكاية الشتاء والصيف، حينما أعلن رحيله عن باريس سان جيرمان في شهر أيار/مايو الماضي، وقتها أدرك الجميع أن وجهته ستكون نحو النادي الملكي، إلا إن حصلت مفاجأة مدوية، لكنّ ذلك قد يحدث مع أي فريق في العالم إلا ريال مدريد، لأنه ارتداء قميصه يمثل حلمًا لكل طفل، فما بالك بلاعب ككيليان مبابي، والذي كان يملأ غرفته بشعارات ريال مدريد وصور كريستيانو رونالدو، وينام مرتديًا قميص ريال مدريد، لذلك أكدت تقارير صحفية إسبانية، كذلك الصحفي الشهير فابريزيو رومانو، أن مبابي وقع عقده مع الريال، وأن التقديم والإعلان الرسمي سيكون قريبًا لوسائل الإعلام.

لمَ كل هذا الاهتمام بكيليان مبابي؟

في موسم 2016-2017، ظهر جيل كروي رائع في نادي موناكو الفرنسي، حوى العديد من نجوم المستقبل، أمثال البرتغالي بيرناردو سيلفا وفابينيو وبينجامين ميندي، لكنّ لاعبًا شابًا اسمه كيليان مبابي أبهر الجميع، وقاد فريقه في هذا الموسم إلى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا، وتوّج معه ببطولة الدوري الفرنسي.

لاعبٌ متكامل

موهبة كيليان مبابي كانت واضحة، وبيّن للجميع قدراته البدنية العالية، إضافة إلى مهاراته الفنّية، وحسّه التهديفي القوي، هو لاعب أوروبي من أصول أفريقية، لكن مزج بين ثلاثة أبعاد كروية يكفي واحدًا منها كي يصبح من الأفضل في العالم، فله قدرات بدنية عالية أسوة باللاعبين الأفارقة، وعنده حس تكتيكي عال ببنية جسدية قوية، وهو ما يلائم كرة القدم الأوروبية، وله مهارات اللاعب القادم من أميركا اللاتينية، وكأنه تدرّج في شواطئ كوباكابانا، أو في أزقة بوينس آيرس.

كيليان مبابي

أهمية التوقيت

كان التوقيت الذي ظهرت به موهبة مبابي هامًا للغاية، فأتى بزمن يمثل الفترات الأخيرة من "ثنائية القطب" في عالم كرة القدم، فترة سيطر فيها ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو على اللعبة، واحتكرا الأمجاد والألقاب الفردية وغالبًا الجماعية، وانتظر الجميع لاعبًا قادرًا على حمل هذا الإرث العظيم، وهي تركة يصعب على كاهل أي لاعب حملها.

كذلك أتى كيليان مبابي في فترة تندر بها المواهب الكروية، وتعتمد فيه كرة القدم الحديثة على اللعب البدني والخططي فقط، وتدخلت علوم جديدة فيها كعلوم الإحصاءات وغيرها، وصارت الفرق تلعب دون مهاجمين أصلًا، وأتى كيليان مبابي كلاعب يملك كل المؤهلات المناسبة للكرة الحديثة، مع الموهبة والمهارات التي أصبحت نادرة.

رمزٌ وطني

ملكت فرنسا في تاريخها العديد من اللاعبين النجوم، وهناك اسمان مقدّسان للكرة الفرنسية، لا يسمح لأحد بالمساس بهما، ونتحدث عن ميشيل بلاتيني وزين الدين زيدان، إلى أن أتى كيليان مبابي ودخل في قائمة العظماء هذه، ومع مرور الوقت، يجد البعض أنه في طريقه للإطاحة بهما، فلم يسبق أن وضعت فرنسا اهتمامًا إعلاميًا بلاعب فرنسي كما تفعل مع كيليان مبابي.

مبابي

فمع تألق مبابي مع موناكو، استقدمه باريس سان جيرمان بالتزامن مع مشروعه الكروي، ليصبح كيليان مبابي واجهة لهذا المشروع، فهو الرقم واحد في فريق أصبح يحوي نجومًا كبار أمثال نيمار وميسي، وأهم لاعب في جيل منتخب فرنسا الواعد، والذي فاز بكأس العالم 2018 بعد تألّق كبير من مبابي نفسه.

لم يسبق للاعب فرنسي أن حظي بمعاملة كهذه، وربما لا نجد لاعبًا عومل بالمثل تاريخيًا إلا بيليه، حينما اعتبرته البرازيل رمزًا وطنيًا وثروة قومية، ومنعته من الاحتراف في أوروبا، لكن الوضع أصبح مختلفًا في العصر الحالي، فتوسّط الرئيس الفرنسي وتدخله أكثر من مرة، لن يؤثر على قرار اللاعب في البقاء أو الرحيل، والأحلام بإمكانها أن تتحقق.

كان التوقيت الذي ظهرت به موهبة مبابي هامًا للغاية، فأتى بزمن يمثل الفترات الأخيرة من "ثنائية القطب" في عالم كرة القدم، فترة سيطر فيها ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو على اللعبة، واحتكرا الأمجاد والألقاب الفردية وغالبًا الجماعية

تصوروا أن كلّ هذا الاهتمام وهذه العقود الباذخة التي دفعت من أجل كسب ود هذا اللاعب، حدثت وهو في بداية مشواره الكروي، كلّ هذا التألّق في الملاعب، وحصده لكلّ شيء تقريبًا من الألقاب مع الأندية ومنتخب بلاده، ظهر في الربع الأول من مسيرته الكروية، ولو حدث هذا الأمر مع أي لاعب آخر، ستجده يتراخى ويشعر بالاكتفاء من الألقاب، وتتغير عقليته الكروية تمامًا، لكن ذلك لم يؤثر على كيليان مبابي.

ألقاب كيليان مبابي

فاز كيليان مبابي بكل ما هو ممكن من الألقاب تقريبًا، وحدها كأس دوري أبطال أوروبا ما زالت بعيدة عنه، كذلك الحال بالنسبة لبطولة كأس أمم أوروبا، لكنّ درّة تاج ألقاب كيليان مبابي كان بتتويجه مع فرنسا في كأس العالم 2018، وقيادته فرنسا للفوز بدوري أمم أوروبا 2021، ناهيك عن البطولات المحلية في فرنسا التي فاز بجميعها، ونحكي عن 7 بطولات للدوري الفرنسي و4 بطولات كأس فرنسا، وبطولتان لكأس الرابطة الفرنسية، وثلاثة ألقاب سوبر فرنسي، فعل كل ذلك ولم يتخطّ عمره الـ25 عامًا بعد.

كيليان مبابي وريال مدريد.. قصة حب بنهاية سعيدة

"مبابي ينتقل إلى ريال مدريد" جملة كان يحلم بها كلٌ من رئيس نادي ريال مدريد فلورينينو بيريز وكيليان مبابي، لم يسبق لريال مدريد بكبريائه أن كشف صراحة قلبه للجميع، وأعلن عشقه للاعب بعينه مثلما فعل مع كيليان مبابي، لكن سبق للكثير من اللاعبين أن أعلنوا غرامهم بالريال، وغالبًا كان هذا الحب من طرف واحد.

كيليان مبابي

ولأن الحب غير المكتمل هو الأكثر رومانسية، حوت قصة الحب بين ريال مدريد وكيليان مبابي الكثير من الأحداث الدرامية، تمسّكت فرنسا متمثلة بباريس سان جيرمان والقيادة السياسية بثروتها الوطنية، ووصلت الأمور إلى حدّ تعرّض العاشق ريال مدريد للكثير من الإهانات غير المسبوقة في تاريخه بسوق الانتقالات، ووُضع اللاعب في ظروف معقدة للغاية، تمثّلت بضغوطات هائلة من أجل حسم وجهته، لكنه نجح في الوقت نفسه بالتعامل مع الأزمات باحترافية كبيرة، وفصل أرضية الملعب عن طاولات المفاوضات بشكل تام، محافظًا على بريقه الكروي بأفضل طريقة ممكنة، إلى أن أتى الوقت وأتمّ قصّة حبّه بنهاية سعيدة، مُرضيًا كلّ الأطراف.

حقبة جديدة في تاريخ كرة القدم

يعيش ريال مدريد في أفضل فتراته، وكلّل ذلك بالتتويج ببطولته الـ15 في دوري أبطال أوروبا. يملك جيلًا كرويًا متكاملًا، ضامنًا به مستقبله في جميع الخطوط، بلاعبين هم الأفضل في العالم بمراكزهم، أمثال كامافينغا وتشواميني وفالفيردي وبيلينغهام وفينيسيوس وأردا غولر وغيرهم، هؤلاء حققوا كلّ ما هو ممكن من الألقاب، ليأتي كيليان مبابي كحبة الكرز في كعكة أنشيلوتي، ليؤكد أن حقبة جديدة في عالم كرة القدم ستكون هي القادمة، والتي ستشهد أهلية احتكار ريال مدريد للألقاب، هذا النادي الذي فعل ذلك عمليًا دون أهليّته المتوقّعة بذلك، فقد حقق في آخر 10 سنوات دوري أبطال أوروبا في 6 مناسبات، فما بالك لو مالت كلّ المؤشرات نحوه !

كيليان مبابي والتحدي الأكبر

أي لاعب يأتي لريال مدريد في الفترة الحالية، سيكون مؤهلًا بشكل كبير للتتويج بدوري أبطال أوروبا، ثمة لاعبون كثر أتاهم هذا الشرف بعد ارتداءهم لقميص ريال مدريد، وآخر الأمثلة كان التركي آردا غولر، والذي حقق البطولة رغم عدم خوضه لأي مباراة في دوري الأبطال.

فما بالك لو كان اللاعب بحجم كيليان مبابي، وأتى لفريق اقترب من الكمال الكروي بعد مجيئه، فستكون كل الانتصارات والألقاب التي ينالها دون التتويج بدوري الأبطال بمثابة فشل ذريع، ومع ذلك يملك كيليان مبابي العقلية الكروية القادرة على تجاوز هذا الضغط الهائل الذي قد يتعرّض له، وهو مدرك جيّدًا لحجم المسؤوليات الكبير الملقى على عاتقه، سيما وأن هذا اللقاء أتى بعد قصّة حبّ طويلة، تلذّذ بآلامها كلّ المتابعين.