04-أبريل-2019

يرى جزائريون أن بوتفليقة يلعب على العواطف برسالة الاعتذار (أ.ف.ب)

الترا صوت - فريق التحرير

تاريخيًّا يُعدّ عبد العزيز بوتفليقة ثاني رئيس جمهوريّة يُغادر الرّئاسة بالاستقالة، بعد الرّئيس اليمين زروال عام 1998. وإن كان سياق الأحداث يجعلها إقالة لا استقالة، بفعل الضّغوط التّي مارسها الحراك الشّعبي، الذي انطلق يوم 22 شباط/فبراير الفائت، معززًا بقيادة أركان الجيش التّي دعت إلى إعلان شغور منصب الرّئيس فورًا.

لمّا تأكد بوتفليقة من حتمية الرحيل، انتقل من العناد إلى مرحلة الاستعطاف بالرسالة التي طالب فيها الجزائريين بأن "يسامحوه"

استبق بوتفليقة الأحداث وأعلن استقالته يوم الثّلاثاء الماضي، الثاني من نيسان/أبريل 2019، حتّى يبدو أنّه خرج بمحض إرادته من جهة، ومن جهة أخرى حتّى يفرض رئيس مجلس الأمّة وحكومة نور الدّين بدوي للإشراف على المرحلة الانتقاليّة، التي تدوم 90 يومًا، بحكم المادّتين 102 و104 من الدّستور الجزائريّ، وإن غلّف الاستقالة بـ"خوفي من حدوث انزلاقات لا تُحمد عقباها".

اقرأ/ي أيضًا: عبد العزيز بوتفليقة.. ختام "قسري" لسيرة رمادية

اللّعب على العواطف

سارع التّلفزيون الرّسميّ وبعض القنوات الخاصّة المقرّبة من المحيط الرّئاسي السّابق، مثل قناة "النّهار" التّي أعلن مديرها أنيس رحماني دعمه للرّئيس بوتفليقة، منذ نيّته إعلان ترشّحه؛ إلى بثّ أشرطة وثائقيّة تقدّم الرّئيس "المستقيل" على أنّه بطل قوميّ، غير أنّ محيطه فاسد واستغلّ مرضه، منذ عام 2013، لتمرير مشاريع وتكريس خيارات ووجوه فاسدة، في محاولة لتجنيبه الخروج غير المشرّف، في نظر الجزائريّين.

بالموازاة أرسل عبد العزيز بوتفليقة، أمس الأربعاء، للشّعب الجزائري، رسالة قال فيها إنّه "خدمه بمحبّة وإخلاص على مدار 20 سنة"، وإنّه "مثل كلّ البشر يُخطئ"، مترجيًا: "فسامحوني على ما قد يكون بدر منّي من تقصير"، متمنيًا للرئيس القادم "التّوفيق في خدمة الشّعب الجزائريّ العظيم".

يقول الإعلامي تقيّ زيّان لـ"الترا صوت"، إن بوتفليقة "لعب إلى آخر لحظة على الظّهور في صورة الرئيس القوي، الذّي تهمّه مصلحة البلاد، فلم يتفاعل مع الحراك الشّعبي إلا بما كان يُؤجج أكثر إصراره على إزاحته، فلمّا تأكّد من حتميّة الرّحيل، انتقل إلى مرحلة الاستعطاف، حتّى لا يخرج في صورة المكروه والفاسد والمرفوض شعبيًّا".

ويُضيف تقيّ زيّان: "يبدو أنّ شقيقه السّعيد بوتفليقة تبرّع في النهاية، بسمعته لصالح أخيه، فأوعز للمنابر الإعلاميّة المقرّبة منه بأن تنال منه ومن الذّين تعاملوا معه، حتّى يظهر أنّه المسؤول عمّا وصلت إلى البلاد. وأنّ الرّئيس كان ضحيّة لمحيطه"، متسائلًا: "لنفرض أنّ الرّئيس لم يكن مسؤولًا عن الخراب، الذّي تسبّب فيه محيطه، أفلم يكن مسؤولًا عن اختيار هذا المحيط؟".

في سياق ما اعتبره كثيرون لعبًا على العواطف، انتشرت دعوة البعض إلى تمكين بوتفليقة من تحقيق أمنيته بتدشين المسجد الأعظم، الذّي يُعدّ ثالث أكبر مسجد في العالم. وانطلق مشروع إنجازه من طرف شركة صينيّة عام 2012، من غير أن يكتمل لحد الآن.

وردًّا على هذا المسعى، يقول النّاشط الجامعيّ رضا بوزيدي لـ"الترا صوت" إنّ مشروع المسجد الأعظم نفسه "يحتاج إلى تحقيقات في نزاهته الماليّة، إذ هل يُعقل أن تمرّ سبع سنوات من غير أن يكتمل؟ وهل يُعقل أن تتمّ مضاعفة المبلغ المخصّص لإنجازه أكثر من مرّة؟ وهل من المنطقيّ أن يُنجز بوتفليقة جامعًا كبيرًا في ظلّ وجود 25 ألف مسجد، في مقابل غياب مستشفيات بالمعايير الدّوليّة، حتّى أنّه هو نفسه عالج في المستشفيات الفرنسيّة والسّويسرية؟".

وأشار بوزيدي إلى أنه "حين نسمح له بتدشين الجامع الأعظم فهذا يعني أنّنا سامحناه من جهة، ووافقنا على الفساد، الذّي شاب المشروع من جهة ثانيّة. الجامع بني بأموال الشّعب وسيُدشّنه الشّعب".

الشّعب لا يريد النّسيان

ما أن بُثّت رسالة بوتفليقة الذّي دعا كثيرون إلى إطلاق صفة "المخلوع" عليه، في إشارة إلى دور الحراك الشعبي السّلمي في خروجه من السّلطة، بعد 20 عامًا، حتّى تفاعل معها قطاع واسع من روّاد موقع التّواصل الاجتماعيّ فيسبوك بالسّخرية والرّفض والتّذكير بالمجازر والخرابات الماديّة والمعنويّة، التّي حدثت في عهده.

وكتب النّاشط علي مغازي: "بالنّسبة لي رسالة المخلوع بوتفليقة لا قيمة لها. هذا الرّجل كان يكره الجزائر، ويعيش بشعور من الغيظ تنامى في نفسه، بعدما لم يحصل على السّلطة إثر وفاة بومدين، إذ ظلّ يعتقد أنّ السّلطة سُرقت منه. وحين غادر البلاد تصرّف كمنفيٍّ مظلوم خذلَه الجميع ولم يُنصفْه التّاريخ، حتّى واتتْه الفرصة سنة 1999، ساعتها تحوّل شعوره بالغيظ إلى حقد كبير، فقرّر الانتقام من الشّعب ومؤسّساته".

ويسأل المسرحيّ زرزور طبّال: "المصالحة الوطنيّة مشروع الرّئيس المستقيل، بعد سنين الجمر. اليوم يطلب الرّئيس المصالحة مع فخامة الشّعب. هل من مصالح؟"

فيما اشترط النّاشط عبد اللّطيف بلقايم العفو على الرّئيس بإرجاعه ما نُهب من أموال الشّعب في عهداته الأربع، والتّعويض المعنوي عن ضياع عشرين سنة من شبابه. يقول: "جئت سرّاقًا في عام 1999 وخرجت زعيمًا للسّرّاقين في عام 2019. لن أسامح".

وخاطب النّائب في البرلمان، نزيه برّمضان، الرّئيس بوتفليقة بالقول: "كنّا سنسامحك لو تركت حكومة كفاءات يثق فيها الجزائريّون في قادم الأيّام الصّعبة، ولو عيّنت شخصيات وطنيّة وتركت أحدهم على رأس مجلس الأمّة ممّن يثق فيهم الشّعب الحزائريّ، ولو لم تخطّط لهذا اليوم تخطيطًا دستوريًّا كي لا تخرج رئاسة المرحلة من منطق جهويّ ضيّق ومقيت، ولو أنهيت مهامّ شقيقك، وقطعت الطّريق أمام زمرة الفساد، التّي التفّت حولك وبك قبل أن ترحل".

ويختم نزيه برّمضان، الذّي كان من وجوه الحزب الحاكم السبّاقة إلى الانضمام إلى صفوف الحراك: "مادمت لم تفعل، لا يمكن أن تستعطف الجزائريّين برسالة ولو كانت جياشة".

تفاعل قطاع واسع من الجزائريين على السوشيال ميديا بالسخرية من رسالة اعتذار بوتفليقة، مذكرين بالخرابات المادية والمعنية التي حدثت في عهده

بقي أمام الجزائريّين، كما يرى مراقبون، أن يخرجوا غدًا الجمعة، لرفض الأمر الواقع، الذّي وضعهم فيه الرّئيس بوتفليقة باستقالته، ويُطالبوا بمرحلة انتقاليّة تشرف عليها وجوه يرضونها، وإلّا كانوا ملزمين بالتعامل مع الوجوه الموروثة من المرحلة السّابقة، بما يجعل الانتخابات القادمة في مهبّ التّزوير.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل سيستولي قايد صالح على ثمرة الحراك الشعبي الجزائري؟

هل سينتهي الصراع على الفضاء العمومي في الجزائر؟