16-يوليو-2020

استغلت السلطات التباعد الاجتماعي لقمع الحراك الشعبي في الجزائر (Getty)

ألترا صوت – فريق التحرير

بدأت السلطات الجزائرية بممارسة ضغوط على نشطاء وقادة الحراك السياسي في البلاد الذين يطالبون بإصلاحات منذ ما يزيد عن عام ونصف، مستغلة بذلك التدابير الاحترازية للتباعد الاجتماعي التي فرضتها في إطار مكافحتها لجائحة فيروس كورونا الجديد، وذلك مع بروز تقارير غربية وحقوقية عديدة تتحدث عن استهداف رموز الحراك الشعبي بسبب التعبير عن آرائهم، وتنظيمهم للاحتجاجات الشعبية خلال الأشهر الماضية.

بدأت السلطات الجزائرية بممارسة ضغوط على نشطاء وقادة الحراك السياسي في البلاد الذين يطالبون بإصلاحات منذ ما يزيد عن عام ونصف، مستغلة بذلك التدابير الاحترازية للتباعد الاجتماعي

وقال المراسل الدولي لصحيفة الإندبندنت  البريطانية بورزو دراغي في تقرير نشر حديثًا إن السلطات الجزائرية بدأت بممارسة ضغوط على قادة الحراك في جميع أنحاء البلاد، مستغلة بذلك التدابير الاحترازية التي فرضتها بسبب الفيروس التاجي، في محاولة منها لإعادة فرض سيطرتها على البلاد، وإنهاء حركة الاحتجاج الكبيرة في عموم المدن الجزائرية، بعدما أطاحت في بداياتها بالرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة الذي استمر في منصبه لـ20 عامًا.

اقرأ/ي أيضًا: الغاز الصخري في الحراك الجزائري.. توجهات بيئية طبقية عابرة للجغرافيا

وبدأ الجزائريون حراكًا شعبيًا بخروج الآلاف للتظاهر رفضًا لترشح بوتفليقة لولاية خامسة في شباط/فبراير من العام 2019، وعلى الرغم من إعلان بوتفليقة عدم رغبته بالترشح لولاية جديدة، فإن الحراك الشعبي واصل احتجاجاته للمطالبة بنظام حكم ديمقراطي متعدد سياسيًا، وقاد حملةً لمعارضة الانتخابات الرئاسية التي أوصلت رئيس الوزراء في النظام الجزائري السابق عبد المجيد تبون إلى سدة الحكم في كانون الأول/ديسمبر الماضي، بنسبة مقاطعة وصلت لـ60 بالمائة ترفض ترشح أحد رموز النظام السابق لمنصب رئاسة البلاد.

ويشير دراغي إلى أن هدف السلطات الجزائرية من ملاحقة وتقييد تحركات قادة الحراك الشعبي، يأتي بسبب شعور القوة القديمة لجنرالات الجيش من تهديد الحراك لإدارتها للبلاد الغنية بالموارد النفطية، مما دفع بها لوضع معظم قادة الاحتجاجات قيد الاحتجاز أو مراقبة تحركاتهم خوفًا من تنظيمهم احتجاجات جديدة، قبل أن تقوم السلطات الجزائرية بتقييد تحركاتهم عبر قوانين صارمة مستغلةً الجائحة العالمية لصالحها.

يضيف المراسل الدولي للصحيفة البريطانية بأن الناشط فاروق القادري واحد من أولئك النشطاء الذين عملت السلطات الجزائرية على تقييد حريتهم، والتي بدأتها باتخاذ إجراءات عقابية على خلفية مشاركته في الحراك الشعبي، من خلال طرده من وظيفته، وممارسة ضغوط على أصحاب المحال في مدينته لعدم توظيفه، كما أنها عملت على احتجازه لأكثر من أربعة أشهر، قبل أن تقوم بإطلاق سراحه بسبب الجائحة.

واعتقل القادري لمدة أربعة أشهر في السجون الجزائرية قبل أن تقوم السلطات المحلية بإطلاق سراحه في شباط/فبراير الماضي، وجاء اعتقاله على خلفية الانتقادات التي وجهها للسلطات الجزائرية عبر القنوات التلفزيونية، وحسابه الرسمي على منصة فيسبوك للتواصل الاجتماعي، وفرضت عليه منذ إطلاق سراحه القدوم أسبوعيًا لأحد مراكز الأمن للاستجواب، كما أنها عملت على تخصيص ضابطين لمراقبة تحراكاته خارج منزله بعد كل صلاة جمعة، حيثُ يقومون بمراقبته من الساعة الثانية ظهرًا حتى المساء بالتزامن مع توقيت الاحتجاجات.

ينقل كاتب التقرير على لسان ناشر ومحرر مجلة شمال إفريقيا أريزكي داوود قوله إن فيروس كورونا كان بمثابة "شريان حياة للنظام"، ويوضح داوود متسائلًا "كيف ستمنع ملايين الناس من الخروج إلى الشوارع؟"، قبل أن يضيف مجيبًا على السؤال بنفسه: "إحدى الطرق هي القوة، لكن ذلك يمكن أن يأتي بنتائج عكسية؛ ثم لديك هذا الشيء القادم من السماء. يا لها من طريقة رائعة لإخبار الناس، عليكم العودة إلى المنزل".

ويوضح دراغي أن الكثير من الجزائريين أدركوا أن السلطة الحقيقية بقيت في يد قائد أركان الجيش الجزائري أحمد قايد صالح بعد رحيل النظام السابق، غير أنه بعد أقل من أسبوع على تأدية تبون لليمين الدستورية أعلن عن وفاة صالح في كانون الأول/ديسمبر الماضي، مما أعاد الحياة للحركة الاحتجاجية مع بدايات العام الحالي، التي استمرت في زخمها حتى لحظة الإعلان عن الجائحة العالمية في آذار/مارس الماضي، مما دفع بالمحتجين لإيقاف الحراك الشعبي بالنظر لأهمية "حياة الناس أكثر من السياسة".

يتابع دراغي مضيفًا في تقريره أن الأجهزة الأمنية الجزائرية، وبالأخص أكثر أفرعها شهرةً بالإشارة لدائرة الاستعلام والأمن المعروفة اختصارًا بالفرنسية DRS كانت لها الدور الأبرز في ملاحقة النشطاء خلال فترة التدابير الاحترازية، وينقل على لسان داوود وصفه للدائرة الأمنية بأنها "دولة داخل دولة"، لافتًا لعدم وجود مؤسسة جزائرية لم تخترقها الدائرة "سواء كانت المطارات أو إدارات الدولة أو المؤسسات العامة أو الخاصة"، ويضيف مشيرًا إلى أن عناصرها تمت "تغذيتهم بشكل جيد للغاية" في إشارة لولائهم المطلق للدائرة.

ولفت دراغي في تقريره إلى اعتقال السلطات الجزائراية لـ31 ناشطًا على الأقل في حزيران/يونيو الماضي، بسبب نشرهم لمقالات ومحتوى مناهض للسلطات الجزائرية عبر منصات التواصل الاجتماعي، فيما قالت منظمة مراسلون بلا حدود في بيان لها "إن جائحة كورونا كانت بمثابة مكسب مفاجئ للحكومة الجزائرية لأنها قوضت حركة الاحتجاج" عبر استغلالها من قبل السلطات "لتضييق الخناق بشدة على تداول الأخبار والمعلومات".

 غير أن العديد من النشطاء يتوقعون عودة الزخم للحراك الشعبي مع انحسار الجائحة العالمية، وكانت الجزائر قد سجلت في عموم البلاد ما يزيد عن 14 ألف إصابة، وما لا يقل عن ألف حالة وفاة.

اقرأ/ي أيضًا: فقراء في الجنوب الجزائري الغني بالنفط!

وكان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان قد أكد في تقرير سابق على أن التصعيد الأمني الذي حدث مؤخرًا في الجزائر، يستهدف على ما يبدو استغلال أزمة الجائحة العالمية للانتقام من رموز الحراك الشعبي، وعقابهم لمجرد ممارستهم حقهم في التعبير والتجمع السلمي.

التصعيد الأمني الذي حدث مؤخرًا في الجزائر، يستهدف على ما يبدو استغلال أزمة الجائحة العالمية للانتقام من رموز الحراك الشعبي

وطالبت المتحدثة باسم المرصد الحقوقي ندى نبيل السلطات الجزائرية باتخاذ خطوات فعلية تثبت انسلاخها عن الممارسات الأمنية القبيحة للنظام السابق، وسط تخوفات من أن يمثل الرئيس الحالي الواجهة المدنية للنظام السابق، من خلال قمع الحريات، وعدم اعترافه بحق المواطنين في المشاركة الفعلية في مؤسسات الحكم في البلاد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 الحراك الجزائري حصاد تراكمي.. لا شيء من العدم!