أجذف بسبابة بغية العثور على جرف أمين في أعماق نهرٍ كنت في ما مضى أعبره بقفزة، هذا هو حال من يستهين بالماء ويظنه هشًا وبلا عظام، مخطئٌ تمامًا فقوة الماء تكمن في عظامه، وعظامه تكمن في جوهره، وجوهر الماء فم يتحصن بعظام الغرقى، وبجروح التائهين الذين يجذفون بسباباتهم بغية العثور على جرف أمين، كل تائه في نهر هو قوة من حيث لا يدري تتبجح بها الأنهار أمام بعضها البعض.

*

 

لستُ تائهًا بالمعنى الذي تفسره الأنهار، ولست بغريقٍ، أنا كوة في صرح قديم، تطل على شخص وحيد يتمشى في طريق وعرة على مقربة من جرف، يتمشى وأسمعه يقول: لن أغادر هذه الأرض حتى تتورم الطريق، وحتى أدون بقدميَّ سيرة أسلافي، حتى أرتشف من فتنة البقاء صبغة الماء، حتى أكون نهرًا يتبجح بعظام الغرقى وبالتائهين أمام اللحظات الأخيرة في حنجرةٍ يابسة..

*

 

أنا حنجرة يابسة لا تقنع بالماء البارد في الصيف، ولا بالحار في الشتاء، أنتظر ماءً يشبهني، ماء كان في يوم ما حنجرة يابسة لا تقنع بالماء البارد في الصيف ولا بالحار في الشتاء..

*

 

قد تكون حياتي مجرد ذكرى، أو مجرد كلمة عادية تخرج من فمٍ عادي، هذا لا يهمني أبدًا، المهم بالنسبة لي هو أنني موجود، حتى وإن كنت منسيًا، فالنسيان وجود هو الآخر، وكثيرًا ما أحتفي بالنسيان، حين أمرُّ قربَ جرفِ نهرٍ أمين فأقول: النحلة كائن حقير، النبالة للعنكبوت!

*

 

خذيني أيتها الأنهار، خذيني أيتها العاصفة، أريد أن أدمِّر الصرحَ الذي كنت كوةً في أحد جدرانه، وأريد أن أنفخ الغبار عن وجهي: لأتضح.

اغسليني، ساعديني، مدي يد العون لسبابة ترتجف من كثرة التجذيف، كوني أيتها الأنهار خمرةً في حنجرة هذا الولد التائه، فهو يريد أن يكون منسيًا لا أكثر، وعندما يموت، كوني له قبرًا..