30-مايو-2019

نموذج للأرض المسطحة (مواقع التواصل الاجتماعي)

هل راودتك من قبل فكرة أن كوكب الأرض الذي نعيش عليه قد لا يكون كرويّ الشكل؟ وأنه كما يدور القمر حول الأرض، كذلك تفعلُ الشمس؟ هل فكرت في أن الجاذبية ربما تكون فكرة خاطئة، وأن الأجسام تسقط لأنها تسقط فقط؟ وماذا عن الرحلات الفضائية؟ هل فكرت في أنه ربما يكون هناك من رشى كل هؤلاء ليدعوا ما شاهدوه في الفضاء؟ وأن هذه الصور ليست إلا فبركات منظمة؟

تقول نظرية الأرض المسطحة إن كوكب الأرض عبارة عن قرص مسطح يحيط به جدار جليدي، والشمس تدور حوله

لا نعدك هنا بتحفيز إعادة التفكير في المسلمات ومحاكمة علم متراكم على مدار سنين طويلة، لكن ما نستطيع أن نعدك به، هو إلقاء الضوء على ما يُدعى بـ"مجتمع الأرض المسطحة" الذي ينمو ويكبر عدد أفراده بشكلٍ سريع.

اقرأ/ي أيضًا: 10 أدلة على أن الأرض ليست كروية.. لا تصدقها

حسنًا، قد تكون ممن لم يسمعوا بعد بوجود هذا المجتمع، إلاّ أن ذلك لا ينفي أن هناك اليوم من يحاكم فيثاغورس وكوبرنيكوس، ويعيد تقييم الأفكار التي زلزلت المجتمع العلمي وعقيدة الكنيسة منذ قرون مضت، وبدلًا عنها يدافع عن فكرة بطليموس التي سبقت تلك الأفكار بحوالي خمسة قرون على الأقل، والتي تقول بمركزية الأرض لا الشمس.

أيهما المركز؟ من الثابت ومن المتحرك؟ وما الدلائل على ذلك؟ وهكذا ينشغل أهل مجتمع الأرض المسطحة بتأويلاتهم ومقولاتهم، محاولين تغيير ما تم إثباته منذ قرون وأكدته سلسلة من التطور العلمي.

من أين جاءت الفكرة؟

لنبدأ من الاسم: "مجتمع"، كلمة توحي بأن هناك مجموعة من الناس يعيشون سويةً في شكل منظم. وهذا ما يطمح إليه كل من يعتقد بأن الأرض مسطحة الشكل، ضاربين بعرض الحائط كل ما جاء به العلم منذ وقت مضى، يحاولون تبيان ما شوهته العلوم "التآمرية" والعلماء "المتآمرين".

تعود فرضية الأرض المسطحة للكاتب الإنجليزي صمويل روبوثام (1816-1884) مستندةً على التأمل والاستنتاج فقط. وإلى اليوم لم يقدم مجتمع الأرض المسطحة صورًا لشكل الأرض من الفضاء، إلاّ أنهم اكتفوا بتكذيب الصور التي تلتقطها وكالة ناسا وغيرها من وكالات الفضاء. 

الفرضية تقول إن "الأرض عبارة عن قرص مسطح، مركزه في القطب الشمالي، ويحيط به جدار من الجليد. والشمس والقمر يقعان على ارتفاع 4800 كم فوق الأرض، والفضاء يقع على ارتفاع 5000 كم فوق الأرض".

قد يبدو هذا الكلام للبعض مجرد هذيان، لكن الموضوع أكبر من ذلك، هناك عشرات الآلاف أو أكثر يصدقون بلا جدال أن الأرض لم تكن يومًا إلا مسطحة. وبثت شبكة نتفليكس فيلمًا وثائقيًا بعنوان ما "وراء الانحناء" يرصد ازدياد أعداد المؤمنين بهذه النظرية.

يرصد الفيلم أهم الشخصيات التي تحمل على عاتقها نشر فرضية الأرض المسطحة؛ أشخاص جادون يقضون جُلّ وقتهم في الدفاع عنها. ومن أبرز هذه الشخصيات، عميد مجتمع الأرض المسطحة اليوم، أو من يمكن وصفه بالإمام الذي يترأس أتباعه الذين لا يترددون في اعتماد كل ما يقول دفاعًا عن أفكارهم، إنه مارك سارنجت، المعروف بتبنيه ونشره لهذه الفرضية عبر عدة فيديوهات على صفحته بيوتيوب.

 وسارنجت شخص يأخذ نظرية الأرض المسطحة والتبشير بها على محمل الجد، بلا تهاون في العمل بكل جهده لإثبات صحتها، و"كشف مؤامرات الكرويين"، ليس فقط عبر فيديوهات يوتيوب، وإنما بالسعي على البرامج للقاءات والحوارات، وفي الأحاديث المباشرة مع مريديه. وهو أيضًا المنظم الرئيسي لمؤتمر الأرض المسطحة الذي يعتقد سنويًا.

وتنطلق فرضية الأرض المسطحة من أمرين أساسيين: الأول نظرية المؤامرة، التي يرجعون إليها كل دليل على كروية الأرض، والثاني بعض نصوص الكتب الدينية، التي يعتبرها المؤمنون بهذه النظرية واضحة في التأكيد على مركزية الأرض، وأنها مسطحة.

لذا، فالمؤمنون بأن الأرض مسطحة، متدينون بطبيعة الحال، لكن زيادة على ذلك فإنهم يرون -باختلاف أديانهم- أنهم منقذون لما جاء به الدين من تحريف المؤامرات العلموية!

وكما ذكرنا، فنظرية الأرض المسطحة قديمة، لكن زخم المسطحين ازداد في الآونة الأخيرة، اعتمادًا على الإنترنت وخصوصًا مواقع التواصل الاجتماعي التي اعتمدوها منصات للتبشير بنظريتهم. استطاع هؤلاء أن يفرضوا أنفسهم، ويوسعوا قاعدتهم، بمجموعة من التفسيرات غير المتماسكة، والتي يمكن رؤية الاختلافات بل التناقضات فيما بينها. وحتى ذلك لديهم تفسير له، وهو: أن العلم البشري قاصر.

دور السوشيال ميديا

تعتبر صفحة "الأرض المسطحة - Flat Earth" العربية، واحدة من أهم المنابر التي تجمع حولها مريدي الأرض المسطحة من العرب، عبر منشوراتها التي تتطرق بالنقد قبل النفي لكل ما جاء به العلم، إلى جانب رحلات وكالات الفضاء، وخصوصًا ناسا، التي يصفونها دومًا بالتلفيق والفبركة من أجل إيهام الناس بكرويّة الأرض.

يتجاوز عدد متابعي الصفحة على فيسبوك 16 ألفًا، وهو رقم ربما لا يكون مقلقًا. لكنها ليست التجمع الوحيد على فيسبوك للعرب المؤمنين بنظرية الأرض المسطحة، فمثلًا هناك مجموعة باسم "الأرض المسطحة وخفايا النظام العالمي الجديد" تضم أكثر من 62 ألف عضو، وإن عدد منهم لا يؤمن بالأرض المسطحة، وإنما يسلي نفسه بمنشورات المؤمنين بالأرض المسطحة.

ومع السوشيال ميديا لا يمكن الجزم بأن كل من يقول أو يشارك شيئًا يدعم نظرية الأرض المسطحة؛ أنه يؤمن بهذه النظرية، فالبعض يستخدمونها حيلة لمزيد من التفاعل والمتابعة، فبطبيعة الحال رؤية أحدهم يشكك في كروية الأرض هو أمر مثير للاهتمام بالنسبة للكثيرين. لذا نجد أن بعض الوجوه المعروفة، مثل الإعلامي فيصل القاسم، يشارك على صفحته الرسمية بفيسبوك مقالًا عن "الأرض المسحطة وحقيقة المؤامرة.. حقبة تاريخية حول القارة الوهمية الجنوبية".

ولا تنتهي حجج مجتمع الأرض المسطحة، ولا يتوقف نشاطهم عند حد. من المقالات والمحاضرات إلى إصدار الكتب، وتصوير الفيديوهات التي عادة ما تتضمن عناوينها عبارات مثل "دحض" و"كشف" و"مؤامرة"... إلخ. وفي مفارقة مثيرة، تدعوا أغلب منشورات مجتمع الأرض المسطحة، إلى "إعمال العقل" والتحرر من مؤامرات وكالات الفضاء، وتستند جميعها إلى تفسيرات لنصوص دينية، يعتبرون أنها تحسم قضية شكل الأرض لصالح التسطيح.

وفي مقال منشور العام الفائت عن مسألة الأقمار الصناعية والجاذبية، يقول مدون لم يذكر اسمه، من مجتمع الأرض المسطحة: "يظن بعض المؤمنين بكروية الأرض، أن وجود الأقمار الصناعية دليل قوي على كروية الأرض، وعلى وجود الجاذبية الأرضية، وإثبات حقيقة الرحلات الفضائية"، الأمر الذي يعتقد المدون أن فيه تناقضًا: "لا يمكن أن تؤمن بالأقمار الصناعية وأن الأرض لها جاذبية في نفس الوقت فهذا يناقض ذاك، فلو آمنت بجاذبية الأرض فعليك لزامًا أن تكذِّب الأقمار الصناعية ولو آمنت بوجود القمر الصناعي فعليك لزامًا أن تؤمن بأن الأرض مسطحة وأنه لا يوجد شيء اسمه جاذبية". 

 

اللافت في نظرية الأرض المسطحة أنها استطاعت أن توحد بين الأديان، فما بين مسلمين ومسيحيين، كل استطاع أن يجد نصوصًا دينية ليفسرها تفسيرًا يعزز فرضيته. وهناك دائمًا مؤامرة تحاك ضد الدين، والقوى الخفية حاضرة دائمًا! 

ازداد زخم المؤمنين بالأرض المسطحة مع السوشيال ميديا التي استخدموها منبرًا للتبشير بأفكارهم حول القوى الخفية التي تخدع البشرية! 

لذا لن يبدو غريبًا الحضور القوي للماسونية وأجهزة المخابرات السرية في سرديات أنصار الأرض المسطحة. ولن يبدو غريبًا الانطلاق من فرضيتهم الشاملة للحديث عن كل مشاكل العالم، فوفقًا لهم من استطاع أن يقنع مليارات البشر بأن الأرض كروية، يمكنه أن يفعل أي شيء آخر شرير!

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل زار الفضائيون السودان؟

رسالة "فريلون" نبي الفضائيين لسكان كوكب الأرض