1

‏ما الذي يجعل شابًا في الثلاثين

يتفرغ من أعماله

ليفسر ضجر سمكة في حوض ماء واسع !

أذكر في صغري

عندما كنت أنام في مطبخ المنزل

على أريكة منزوية

- لأن البيت يشبه حوض ماء ضيق -

لم يكن يزعجني الأمر

كان خيالي رحبًا

كنتُ أرسم على كراسة الرسم

غرفًا واسعة لأنام بها

اليوم ..

وبعد عشرين سنة

أصبح لدي غرفًا كثيرة وواسعة

لكن أصبح كُل ما يزعجني

حقًا

أني فقدت موهبتي في الرسم.

 

2

 

‏كما تمشين في الحديقة الآن

حاملة بيدكِ هاتفكِ وباقة من الزهور

أمشي أنا في الخراب

أحملُ أفكارًا تعيسة

وذكريات متخمة بالفشل

أفتشُ في دُرجِ الخزانة السُفلي

عن أدوية مسكنة

لأوجاعٍ كثيرة

أصابتني

بعد رحيلكِ

 

3

 

‏سيأتي وقت أكثر لطافة

هذا النهار لا يمر بسهولة

إنه يقف على العتبة

رغم أني أغلقت الباب

إنني أتفق مع الخسارات دائمًا

الخسارات تجعلني أكثر حذرًا

الخسارات أيضًا واقفة على العتبة

الحذر في الداخل منعني من فتح الباب

الباب متعب

يريد أن يستريح

العتبة مرهقة أيضًا

وأنا

فقدت الشعور بكل ذلك

 

4

 

‏كم مرة

علينا أن نرسم خطًا ونتبعه

أن نواصل السير

خلف الخرافة

أن نقول كلامًا منمقًا جدًا

لنوهّم أنفسنا

بجدّية السراب

أن نزور قبورنا

قبل الموت

وندفع أثمان أسئلة

مقابل أجوبة باهظة

كم مرة علينا

أن ننجو من الغرق

وأن نصدّق المشي على الماء

حتى لا يتبع البحارة آثار أقدامنا

 

5

 

‏سأنام مبكرًا هذه الليلة

لأصبحَ على وحدة مطلقة

لن أجد أحدًا في الصباح

سأخرج لأتمشى في الشارع العام

لن يكون هناك مركبات

ولا مارة

ولا طلبة مدارس

ستكون المحلات مفتوحة

سأشتري الكعك

والحلوى

وأعود إلى البيت

لن يكون الذهاب إلى العمل أمرًا ذا جدوى

سيكون نهارًا جيدًا

هادئًا

وأكثر ديمومة

 

6

 

‏مزاجي ليس هادئًا دائمًا كما تظن

إنني أصحو أحيانًا

مرهقًا

كما لو أنني كنت أعمل طوال الليل في محجر

أتشاجر مع منبه الساعة

أو مع غطاء السرير

وأحيانًا

أقضي بقية النهار

سارحًا

أفكر في حلول مجدية لنهاية العالم

 

7

 

‏كالعادة

كَكُل ليلة

أذهب لأنام دفاعًا عن النفس

لكني أصاب بنوبة أرق جديدة

وأخوض التجربة ذاتها

أجثو على ركبتي

منتظرًا دوري في النُعاس

أكتشف فجأة ..

أنني لم أرتد بيجامة

ولستُ مهيئًا لفهم الأمر بعد

كل شيء مُعتم

أكاد لا أرى شيئًا

لكني أسمع

صوتًا يهزأ

يُكرر ..

"كم أنت وحيد أيها الأحمق" !

 

8

 

‏امنحني نافذة

تبقى مُشعةً

حتى ولو غادرَ الخارجُ ظِلهُ ..

امنحني القليل من المتعة

في مواجةٍ حاسمة

تُغيّرُ شكلَ الهواء

ليصبحَ صدري بالونةً

وربما غواصةً

تكسرُ جرأة البحر

 

9

 

‏في الآونة الأخيرة

لم أعد مباليًا بشيء

أترك الأشياء كما هي

لا أرد على الرسائل

لا أقبل طلبات الصداقة

ولا أرد على المكالمات الفائتة

صندوق الرسائل ممتلئ

بكلام كثير

بلا جدوى

هناك دعوات زفاف

لأصدقاء لم أرهم منذ أيام الإعدادية

حتى أنني منذ فترة

أسمع جرس الباب يرن ولا يهمني الأمر

 

10

 

‏اليوم سمعتُكِ

في الراديو

كان صوتكِ جميلًا

وعذبًا

كان كقارب نجاة

يصلح لإنقاذ هذا العالم

سامحيني

لم أفهم عمّا كنتِ تقولين

لأني كُنتُ أفكرُ

في أشياء كثيرة

من بينها

أنكِ تصلحين أن تكوني

مذيعة في الراديو

لتقديم الفقرة الصباحية

 

11

 

‏في نهاية اليوم

تبقى بمفردك

جالسًا على الأريكة

يتركك القتلة

والأوغاد

والمزيّفون

تبقى بعيدًا

عن كل ما أخافك

عن كل ما هددك

لتسخر من كل ذلك

دفعة واحدة

لأن صمتكَ كان ثقيلًا على آذانهم

ولأن خوفك لم يكن مُبررًا

 

12

 

‏ضجر

ويوم مُمِل

خمسة دقائق إضافية

أستطيع فيها أن أقلم أظافري

وأفتح النافذة التي لا تطل على شيء

أن أرتدي قميصًا موردًا

وبنطالًا أزرق

أختار حذاءً أكثر خفة

وأبتسم لقطتي التي تنظر إليّ بقلق

أترك الأشياء كما هي

وأجلس بانتظار أحدهم

علّه يطرق الباب

و يصطحبني معه

قبل انتهاء المُهلة

 

اقرأ/ي أيضًا:

نسخةٌ مصغّرةٌ منكِ في جيبي

الوصول عبر الموت والأسئلة