في بيتي مقبرة

مقبرة في أصيص

صنعناها لندفن أسماك الزينة

التي ستموت تباعًا 

بعد أيام.

ذلك لا يعني شيئًا

ستتحلل الأسماك 

في تربة قريبة 

ولن تصير وقودًا 

أو أحافير 

وهذا أمر مطمئن

إننا مصابون بالهلع

حيال نفاد الذكريات 

لذا نذهب إلى السوق 

نبتاع التحف 

ونصنع المقابر 

في أصص الزهور 

ذلك أننا نخشى 

أن تمر الأيام

ثم لا نجد ما نتذكره

بعد أعوام

من الصمت والضجر.

*

أعرف كيف أستيقظ كل يوم 

كيف أستمع لأغنية حزينة

كيف أوضب المنزل؛

وأنتظرك طوال الوقت 

دون أن تجيء

أعرف أيضًا 

كيف أمرّر أصابعي 

على باطن كفي

لأهدأ

وأتلذذ

بينما الأصوات تعلو

بلا هوادة

في رأسي

كثيرًا من الوقت 

أو كثيرًا من الشرح

يلزمني إحداهما 

لأخبرك أنه

صار بوسعك 

أن تغيب

لم أعد أخشى الوحدة 

ذلك أنني أعرف الآن

أكثر من أي وقت مضى

أكثر من أي أحد كان 

كيف أجلب لنفسي المسرة 

وكيف أجلب العناء.

*

لم يعد الأمر كما بالسابق

أيا كل الحزانى في حياتي

كل السعداء

والمخذولين 

أريد وجهك 

لأبكي

أريده أيضًا 

لأضحك

وإنه لشيء مؤسف 

ألا أستطيع فعل ذلك 

وحدي.

*

دفعت أثمانًا باهظة 

لأكون حرة 

وإنني أسير الآن خفيفة 

بلا أي حمولة 

نحو كل هذه الوحدة.

*

أيتها الأرض 

التي منحتنا كل شيء

التعب والشقاء

كما

القيمة والجدوى 

ماذا حدث؟

أكنا ندفن

أم

نزرع

لينمو كل هذا الموت!

*

الماء في كل مكان 

في المحيطات

وفي القهوة

وفي جسدك! 

كما ترى 

كل شيء مُعد 

للغرق

*

يبدأ الجرح بالشغف 

ثم يعيش بأقل المقومات 

وُجِدنا بوقت معدٍ للتأثر 

بجراح مهيئة وأخرى مفاجئة 

جَرَحنا الحب كما الكراهية 

اللقاء كما الفراق 

الدمعة كما البسمة 

العناق كما التلويح 

ما من شيء آخر معدٌ لتغيير ذلك 

في هذا الليل الموحش 

أجلس قبالة حياتنا الغريبة 

التي فقدناها 

أصمد كالآخرين 

نحن تربة الله الجافة 

نشرب كل شيء  

ونتغذى على الإهمال.

*

لم أعرف في حياتي

أمرًا أكثر صعوبة 

من الشجاعة 

أكان ذلك مؤسفًا 

أم لم يكن 

فإنني مازلت أحلم به 

وإن كان شيئًا عصيبًا

وإن كان بعيدًا 

أو مترامي الأطراف 

ذلك أن الحقيقة يمكن خداعها 

بالتصفيق والحوافز 

وأن المطلق الذي تحدثنا عنه

طوال الوقت 

لم يكن أبدًا من

صنيعة الله.

*

نصير بلا قيمة

كلما ابتعد "المسبار" أكثر 

شاهدت عشرات الأفلام 

عن كونٍ 

لا ينتهي بسهولة.

 

نقطة

كل هذه

الحياة

والمشاعر

والموت 

نقطة واحدة لا غير

في هذا الفضاء المهول 

أمام ولادات النجوم 

واضمحلال الكواكب 

ألا يبدو ذلك عزاءً!

لطالما أردناها،

لطالما أنهكتنا الحيل 

التي ابتكرناها لنكون سويا 

جنبًا الى جنب

بكل ما تحمله النقطة 

من تلاصق والتحام.

 

بإمكاني الآن

أن أكون الصفر 

بلا خجل أو مواراة 

شريطة أن يمد الكون

أصابعه كلها 

لنبدأ العد.

*

سِر

سِر أيّها القلب التعس

نحو شقائك

كسرب نمل 

مزهوًا

بحفنة سُكر.

*

هكذا بدأ الحب 

غريبًا

وبعيدًا

لكننا لحقنا به 

حتى تهشمت أقدامنا 

والتاعت قلوبنا

أما هذا الفرح

الذي غمرنا بلحظات خاطفة

وإن كان كل ذلك ثمنه

ها نحن ذا

عشناه

وسددناه.

*

أحمل عائلتي في محفظتي 

أخبئها في كلمات السر 

ولأنني أنسى كثيرًا 

أسجل مروري 

كل دقيقتين!

لقد نسيت البارحة 

أي عام أنجبتك يا صغيري 

شردت قليلًا في الأفق 

إنه في عروقي منذ الأزل

أعرف هذا الصغير جيدًا

أعرف عينيه

وخطواته

ذاكرتي ضعيفة 

ولا شيء بحوزتي يبرر كل هذا الحنين

إنني أنسى يا صغيري 

ولا أعلم لم! 

رغم أنني تعلمت بحبوب زيت السمك

كيف أبتلع الدواء

لكنني مع ذلك 

لم أحفظ يومًا 

شيئًا ما 

كرقم هاتف أمي

حيث كان كلمة سرٍ

لكل أسراري.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مرحبًا أنا سيغيل

حكايا "الجرية": مدرسة أمّ جلال