12-يناير-2016

مشجعات لبنانيات (جوزيف عيد/أ.ف.ب/Getty)

أعدم العاملون في كرة القدم إمكانية النهوض باللعبة للسنوات القادمة، والرياضة التي كانت الأولى شعبيًا في لبنان خسرت في الماضي رونقها وها هي اليوم تخسر نفسها في ظل الصراع السياسي-المالي الذي يتحكم بأروقتها. الجمهور فقد الثقة باللعبة التي غالبًا ما زينت الشوارع بألوان الأعلام المحلية مع نهاية الأسبوع ومحاولة الترقيع والتجميل لم تعد ممكنة في ظل القاع الذي لامسه الواقع. ببساطة، لا جماهير في ملاعب كرة القدم وحتّى جمهور النجمة الذي يُعد الأوّل في لبنان لم يعد ذاك الذي اعتادت الملاعب أعداده سابقًا، وباتت مشاهدة عشرين ألف متفرج في مدرجات المستطيل الأخضر ضربًا من الخيال حتى في أشرس المباريات.

الأندية الرياضية في لبنان هي سلاح يستخدمه متمولّون وأحزاب في العمل السياسي ويستفيدون من منابرها

الصورة السوداء بين صيدا وبرج حمود وزغرتا والبلدي والمدينة الرياضية المُقفلة لا يُمكن لأحد إظهارها ملوّنة حتى لو نُقلت على التلفاز وارتفع صوت المعلّق وأُقيم لها استديو تحليلي. الصورة السوداء باتت جليّة كلون ثياب الحكام في المباريات الذين ما إن ارتفعت حدّة المنافسة حتى غابت شخصيتهم وما إن ارتفع صوت الأندية حتى خفت صوت الصرامة في صافرتهم.

الصورة السوداء لا يحملها الحكام وحدهم، لا لشيء سوى لأننا نعيش في مهزلة يجب إيقاف كرة القدم اللبنانية حتى قطعها من جذورها. فما الذي يعنيه تراشق البيانات الإعلامية والمؤتمرات الصحفية في دوري لا يرتفع مستواه الفني فوق الصفر؟ وما الذي تعنيه المؤتمرات الصحفية في دوري يُلعب على أرضٍ تُعرّض اللاعبين لإصابة قاضية في حال قاموا بمجهود إضافي؟ وكيف يمكن لمتموّل صرف مبلغًا معينًا من المال في عالم كرة القدم أن يصرخ بأعلى صوته أنا أو لا أحد؟

الصورة السوداء تُثبت أن لا أحد يريد كرة قدمٍ في لبنان. فالدولة اللبنانية لا ترغب بضبط الملاعب ولا ترغب أصلًا في فتحها وهي حوّلتها إلى ثكنات عسكريّة لا ترغب باحتواء الرياضيين، والأندية هي سلاح يستخدمه متمولّون وأحزاب في العمل السياسي ويستفيدون من منابرها لتوجيه الاتهامات والمعارك الإعلامية وصُنع شخصية جماهيرية بعيدة كل البعد عن كرة القدم وتطفو عليها الطائفية. أمّا المسؤولون الرياضيون فيبنون لأنفسهم إمبراطوريات مشابهة لتلك التي تحطمت على رأس جوزيف بلاتر وميشيل بلاتيني.

الصورة السوداء التي أفرغت الملاعب من الجماهير والبيوت من الأمل لم تعد تكفي لتحمّل المسؤولية. وفي الوقت الذي استحى فيه الحكّام ووضعوا استقالتهم في تصرّف الاتحاد، كثيرون لم يتواضعوا بعد ويضعوا أقدامهم على الأرض ويقبلوا بالخسارة طريقًا للصعود.

الصورة السوداء تفرض نفسها والمال لا يأتي وحده بالاحتراف وإنما الاحتراف عقليّة تُساهم بإدارة المال، وعليه لا يجب أن ننتظر من كرة القدم اللبنانية أن تنهض من غيبوبتها، ولا انتظار حضور قوى أمنية لضبط الملعب ولا حتّى انتظار وجود سيارات الإسعاف لنقل اللاعب المُصاب ولا إدارات أندية مسؤولة قادرة على تقبّل الخسارة خارج الحسابات السياسية والمذهبية ولا جماهير قادرة على ضبط نفسها.

الصّورة السوداء تفرض على الكرة اللبنانية اليوم شيئًا واحدًا: ادفنوا ما تبقّى من مهزلة رياضية وعلقوا أوراق النعوة. المنتخب الذي كاد أن يتأهل إلى نهائيات كأس العالم، خرج بسبب فضيحة، والحرب مستمرة على اللعبة.

اقرأ/ي أيضًا:
الجمهور العربي.. منين أجيب ناس؟
أبطال أوروبا في بيروت.. بدأت المعركة!