30-سبتمبر-2015

للإعلام دور كبير في التخلص من الشعور بالمظلومية (محمد هويس/أ.ف.ب/Getty)

"سيحرمون كل من يذهب إلى صلاة الجمعة من الحصول على الإقامة"، قال أحد اللاجئين السوريين الجدد إلى ألمانيا، وهو ينتظر الباص، الذي سيقله إلى أحد الجوامع الثلاثة في مدينة غوتنغن، ليؤكد لاجئ آخر صحة الشائعة المنتشرة في "الكامب". ليست هذه الشائعة الوحيدة، حول الاضطهاد الهوياتي، فمنهم من يقول إن المسيحي السوري يحصل على الإقامة بشكل أسرع من المسلم، وعندما تسأل مسيحيًا عن الموضوع، تجده ينتقد تعامل السلطات الألمانية مع المسيحيين، فهم أقلية مضطهدة في بلادهم، كما يقول رامي، ومع ذلك يعاملون على وجه المساواة مع المسلمين  في "البلاد المسيحية" التي لجؤوا إليها على حد تعبيره.

كثيرون من أفراد المجتمع السوري يشعرون بالظلم والاضطهاد، إن كان هذا الشعور ناتجًا عن الانتماء إلى مجموعة تعرضت للظلم من قبل مكونات أخرى عبر التاريخ، أو نتيجة الصراع الذي تشهده سوريا حاليًا، ومنهم من يظل يحمل هذا الشعور حتى لو تغيرت الظروف.

العلويون أيضًا يتعرضون للاضطهاد من النظام لكن الجزء الأكبر منهم لا يعرف ذلك

وغالباً ما يدفع الشعور بالظلم الأشخاص إلى تأييد طرف لا يتفقون معه، فقط لأنه يجاري رغبتهم في الانتقام. سامي هو أحد الشبان الفارين من جبهة النصرة في إدلب، ومع ذلك يمتدح هذا التنظيم المتطرف، ويدافع عنه خلال نقاشاته مع زملائه حيث يعمل في غازي عنتاب التركية، على الرغم من أنه لا يستطيع العيش في مناطق سيطرة النصرة والفصائل المتحالفة معها، ويبرر تصرفه هذا بأنها كانت أنجح من كل الفصائل الأخرى في محاربة النظام السوري.  يرى أن النظام علوي وهو يضطهد السنة لأسباب طائفية، ويرى أن العنف الذي تمارسه التنظيمات السنية المتطرفة، يندرج ضمن الدفاع عن النفس.

وعن ذلك يقول عزام أمين الأستاذ والباحث في علم الاجتماع، إن "كل الجماعات السورية لديها مظلومية، السنة والعلويين والدروز والمسيحيين والعرب والأكراد والاسماعيليين"، لكنه يؤكد على وجود فرق بين الظلم والإحساس بالظلم. برأيه، يمكن "أن تظلم إنسان وهو لا يشعر بالظلم، وسيقبل الأمر ومثال على ذلك الموالين للنظام السوري، فهم مستعبدون من قبله، و مظلومون ومقهورون، ولكنهم لا يشعرون بذلك".

ويقول لوين وهو أحد علماء النفس الاجتماعيين المعروفين: "ليست الحالة السلبية من لها تأثر على الشخص وإنما الاحساس بها، وطريقة هذا الإحساس هما من يكون لهما الأثر على الشخص، فإذا كان الشخص يرى أن هذه الحالة شرعية و طبيعية، فلن تؤثر على الشخص ولن تدفعه للاعتراض، أما إذا كان إدراك الحالة أنها غير شرعية وغير طبيعية، فإنها ستدفع الشخص لعدم قبولها وستؤثر على سلوكه".

كيف تحول السفاح إلى مخلّص؟

إن إحساس الأفراد بأن جماعتهم التي ينتمون إليها أقلية، يدفعهم إلى شعور تضامني قوي، يوّحدهم كجماعة في مواجهة الأكثرية ويظهر هذا الشعور خاصةً في زمن الاضطرابات والأزمات حين يشعر هؤلاء الأفراد أن الجماعة التي ينتمون إليها مُهددة، بحسب ما يؤكد أمين.

ويضيف أن أبناء الطائفة العلوية، كثيرًا ما برروا مواقفهم المؤيدة للنظام، بالحديث عن الماضي حيث كانوا من وجهة نظرهم، مضطهدين أو مهمّشين من قبل الأكثرية السُنية، وغالبًا ما يتم استحضار الماضي المكبوت في اللاشعور الجمعي وإعادة بنائه بطريقة انتقائية تتناسب مع الموقف السلبي من الثورة في الأوساط الاجتماعية الضيقة، عن طريق الحوارات والنقاشات وتناقل الأخبار والشائعات والأساطير التي تحتفل بها السرديات الأقلويّة. ولكن في الفترة الأخير بدأ هذا الاجترار النفسي للماضي، بالظهور إلى العلن عن طريق صفحات التواصل الاجتماعي المؤيدة للنظام.

زاد تدخل حزب الله اللبناني في الحرب السورية من حدة العوامل الطائفية

ويشير عزام أمين إلى أن بشار الأسد أصبح "مُخلّصًا إلهيًا"، بالنسبة إلى الطائفة العلوية. وهذا ما يمكن أن يفسر لنا مثلًا السجود لصورته كقديس يُحيي ويميت، أو ما يراه البعض استماتة الكثيرين منهم وحتى المعدمين في الدفاع عنه وتقديم أولادهم بسخاء قربانًا له ولبقائه.

أما بما يخص أبناء الطائفة السنية التي تمثل "الأكثرية" في سوريا، فنجد بحسب أمين، أن وتيرة العنف المفرط الذي استخدمه نظام الأسد ضد المناطق الحاضنة للثورة، أدت إلى تصاعد خطاب سُني طائفي مضاد يعتمد في جوهره على ما يمكن أن نسميه "مظلومية سنية". لكن ينبغي دائمًا الحديث عن شعب سوري واحد. وللمناسبة، هذه المظلومية، كما يعتقد عزام أمين، ليست وليدة الثورة السورية، فقد كان يتم الحديث عنها في الأوساط السُنية، ولو بشكل ضيّق وسري نوعًا ما، منذ أن بدأ نظام الأسد الأب في عام 1970 مشروعه في "عَلوَنة" الدولة والسيطرة على المفاصل الأساسية فيها.

إقرأ/ي أيضًا:
المناطق المحررة.. أرض سورية محروقة
سنة طويلة في "سوريا الأسد"

في الأشهر الأولى للثورة، تأثُّرت بعض الأوساط الشبابية المعارضة بأفكار الشيخ السلفي عدنان العرعور وخطاباته الانفعالية المليئة بالإيحاءات الطائفية، وساعد ذلك في خروج هذه المظلومية إلى العلن وفي تبلور الخطاب الطائفي السني، ومع ذلك بقي هذا الخطاب خجولاً ومحصورًا في أوساط شعبية معينة، ولم يكن له صدىً في الشارع الثائر حينذاك. لكن الأمر الذي زاد من حدة اتساعه وأعطاه مبررًا قويًا، هو دخول التنظيمات الدينية الشيعية مثل حزب الله اللبناني ومقاتلين شيعة من العراق على خط المواجهة بشكل علني تحت مُسمى لواء"أبو الفضل العباس" وبإدارة إيرانية لحسم المعركة لصالح النظام السوري.

ويؤكد أمين أن أصحاب هذه المظلومية، يقعون ضحية آلية نفسية معروفة باسم "التحيّز التوكيدي"، والتي تتمثل في رؤية وتفضيل الأدلة التي تؤكد صحة اعتقاد أصحابها وعدم القدرة على إدراك المعلومات التي لا تتوافق معها، فمثلًا لا يرون أو لا يريدون أن يروا عشرات الآلاف من المعارضين وآلاف المعتقلين وعشرات الشهداء تحت التعذيب من أبناء الأقليات.

أما عن الإجراءات التي يمكن اتباعها لاحقًا للتخلص من الشعور بالمظلومية، والذي يؤثر بطبيعة الحال على مشاركة الفرد في العملية السياسية في سوريا مستقبلاً أو على الاندماج في المجتمعات الأخرى التي هاجر إليها السوريون، يأتي الاتصال المباشر بين الجماعات، فبحسب نظرية جوردون ويلارد، وهو عالم نفس أمريكي، يساهم التواصل والاحتكاك الفعّال بين مختلف الجماعات العرقية والقومية والدينية، في تخفيف حدة القوالب النمطية والاعتقادات الخاطئة ويساعد على تغييرها، ويزيد التقارب والتفاعل من المشاعر الايجابية، ويقللان بوضوح من مقدار الكراهية والنفور والتمييز بينها، بشرط أن يحققا ثلاثة شروط ضرورية هي:

 1- أن يكون الاتصال وثيقًا، وليس شكليًا أو يقتصر على التواجد في حيز مكاني واحد، بل يجب أن يدخل فيه أفراد الجماعات المختلفة في تفاعل اجتماعي وثيق.

 2- أن يتصف هذا الاتصال بالتعاون المتبادل، أي العمل معًا من أجل تحقيق أهداف مشتركة، بحيث تكمل جهودهم بعضهم البعض في المساهمة لتحقيق هذه الأهداف.

 3- يجب أن يكون الاتصال بين أشخاص ذوي مكانة اجتماعية متساوية، وإلا فقد تنشأ مشاعر سلبية إذا ما كانت المكانة التقليدية بين الأشخاص غير متوازنة.

من جهته، يشير الدكتور أمين إلى دور البرامج التربوية، فللتعليم دور أساسي في غرس روح التسامح وحب الاختلاف والاطلاع، ونقض الأفكار الطائفية والصور النمطية ونبذ العنف والتعريف بمكونات الهوية السورية العرقية والطائفية والثقافية المتعددة بطريقة موضوعية، بعيدة عن التقييم وهو ما كان محرم في زمن مدارس البعث، على حد تعبيره.

و لكي تنجح البرامج التربوية في مواجهة الطائفية والشعور بالمظلومية، يجب أن تأخذ بعين الاعتبار ثلاث متغيرات، هي، المناهج الدراسية وأساليب التدريس التقليدية وما يحيط بها من متغيرات، وأخيرًا البنية النفسية والمعرفية للكادر التعليمي، خصوصًا المدرسين.

وللإعلام دور كبير أيضًا، في التخلص من الشعور بالمظلومية، عن طريق الدعاية المنظمة، عبر وسائل التخاطب الجماهيري، حيث طور علماء النفس العديد من استراتيجيات التواصل والإقناع.

من زاوية فردية

أما على المستوى الفردي، بما يخص الشعور بالمظلومية، تفيد المعالجة النفسية رماح كلول، بأن الشعور بالظلم هو مجرد شعور، ويختلف من شخص لآخر، على الرغم من أنهما قد يكونا تعرضا لنفس الموقف في نفس الوقت، والسلبيات في هذا الشعور أنه قد يولد رغبة في الانتقام، ورد الظلم بطريقة عنيفة وظالمة، وظلم الذات في نفس الوقت.

وللتخلص من هذا الشعور، لا بد من النظر إلى مجريات الأحداث، بشكل إيجابي والعمل على بذل الجهد في توظيف هذا الشعور، ليكون مانع للظلم لاحقاً وليس للاستمرار فيه. والسعي للهدف المرغوب فيه بشكل جاد، والنظر للعقبات التي تقف في وجه تحقيق هذا الهدف على أنها صعوبات فقط، وأن تحقيقه ليس مستحيلًا.

ويتم التخفيف من هذا الشعور بشكل تدريجي وذلك من خلال القيام بجهد داخلي نفسي، لمنع تغلغل هذا الشعور لأعماق الذات، وجعل هذه الشعور حافزًا لتحقيق الذات. وفي حال عدم القدرة على التخلص من الشعور بالظلم، على أقل تقدير لا بد من التحكم بالرغبة في الاتنقام وعدم السماح لهذه الرغبة بالاستحواذ على الأفكار والتوجهات والأهداف.

وبحسب الأخصائية كلول، فإن المظلوم لا يطلب المساعدة من أصدقائه أو الأخصائيين النفسيين، للتخلص من شعور الظلم، بالعكس فهو قد يلجأ إلى شخص يساعده على تحقيق الانتقام، وهنا توجد مشكلة بأن الشخص يجب أن يطلب المساعدة للتخلص أو التخفيف من هذا الشعور.

إقرأ/ي أيضًا:
طلبة الرقة في مواجهة "داعش"
جامعة اللاذقية.. سادية دكتاتور برتبة أستاذ