28-مايو-2016

(Getty)

ليس هناك أي غرابة في الصور التي تناقلتها وكالات الأنباء يوم أمس عن ظهور القوات الأمريكية إلى جانب وحدات الحماية الشعبية الكردية في الريف الشمالي من الرقة، رغم أنها أثارت تساؤلات كبيرة، خصيصًا أن هذا الظهور يأتي بالتزامن مع تقدم تنظيم الدولة الإسلامية في الريف الشمالي من حلب على حساب فصائل المعارضة السورية، التي يدعي التحالف الدولي أنه يساندها في حربها ضد تمدد مقاتلي التنظيم.

واشنطن اختارت حليفها في المقتلة السورية، الفصيل الذي يلبي طموحها في إدارة المناطق الآمنة، والأكثر قربًا من موسكو في الوقت نفسه: الأكراد

الجانب التركي من جهته، ندد بهذا الظهور، وللحقيقة من حق الحكومة التركية أن تستنكر مثل هذا الظهور، كون أن فكرة المنطقة الآمنة لم تلق أي بادرة إيجابية عند القيادة في واشنطن، فيما تذهب الأخيرة الآن إلى دعم وحدات الحماية، التي تسعى إلى ضم الرقة لدولتها الفيدرالية، وهنا تبرز عدة نقاط تجعل من هذا الدعم الأمريكي شرعيًا، وهذه الشرعية منسوبة للقيادة الأمريكية، حسب قراءتها المتعرجة لمسيرة الثورة السورية.

اقرأ/ي أيضًا: معركة الفلوجة..دعاية الحرب على الإرهاب

انتظرت وحدات حماية الشعب الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي، جناح حزب العمال الكردستاني في تركيا، فترة زمنية حتى ظهرت كقوة عسكرية على الأرض، فهي حتى نهايات 2011 لم تكن بتلك القوة التي هي عليها اليوم.

أي أنها أعادت قراءة المتغيرات السياسية والتطورات العسكرية التي شهدتها الثورة السورية، ثم بدأت برسم حدود دولتها الفيدرالية، بدءًا من شمال سوريا عبر ريف حلب الشمالي وصولاً إلى الرقة شمال وسط الرقة ثم الحسكة شمال شرق سوريا، ما يعني إن حصل وضمت الرقة للفيدرالية الكردية، واستمر تقدم وحدات الحماية في شمال حلب، فهذا يشير إلى أن الحدود الشمالية مع تركيا ستكون تحت سيطرة الأكراد حلفاء موسكو قبل دمشق.

كذلك يملك الأكراد دعمًا عالميًا كبيرًا، ساهم في زيادته ما تعرضت له عين العرب "كوباني" عندما دخلها تنظيم الدولة، بالتزامن مع تهجير الإيزيديين في العراق، ما جعل الكثير من مناصري الحرية والإنسانية المستشرقين يهرعون إلى مساعدتهم.

يمكن اختصار هذا الدعم الهائل، والذي ساعدت الولايات المتحدة والدول الغربية على انتشاره عبر وسائل الإعلام. حيثُ بثت إحدى المحطات التلفزيونية الألمانية تقريرًا عن أحد الرعايا الألمان الذين يقاتلون ضمن وحدات الحماية، الرجل تكلم عن أنه يقاتل لأجل العدالة الإنسانية، ضد الطغاة والتكفيريين، للحقيقة هذا المفهوم بات شائكًا وعصي على الفهم.

اقرأ/ي أيضًا: صلاح عبدالسلام..أوان الصمت المقلق

منذ بداية الثورة كانت واشنطن تبحث عن حليف غير مرتبط مع النظام، أو يملك جذورًا تاريخية في مصارعة النظام، في النهاية أكراد سوريا انتفضوا عام 2004، وهذه حقيقة تاريخية لا يمكن تجاهلها.

لكن حتى مرحلة ما قبل دعم الأكراد بهذا القدر من العلانية، كانت الحركة المرشحة لتكون البديل لقيادة المناطق الآمنة هي حركة أحرار الشام الإسلامية.

بذل الأحرار في سبيل تحقيق ذلك جهودًا كبيرة، عادوا إلى رفع الثورة، تخلوا قليلًا عن صبغتهم الإسلامية، ومالوا أكثر نحو الاعتدال، مسؤول العلاقات العامة في الحركة لبيب نحاس، صال وجال في دهاليز الصحافة العالمية، لكنهم لم يقنعوا واشنطن، وذلك يعود إلى أن الأحرار لم يظهروا أنهم منظمون على الأرض، أو داخل مقاتليهم أنفسهم، وهو ما وجدته واشنطن عاملًا إيجابيًا لدى وحدات الحماية أولًا، وتاليًا يلبي مصالحها عند تحقيق عملية الانتقال السياسي، التي تصر عليها وفق شروطها.

التحالف الدولي، أعلن عن أن مقاتلاته الحربية نفذت أكثر من مائة وخمسين طلعة جوية ضد أهداف لتنظيم الدولة في مدينة الرقة مؤخرًا، في الوقت الذي يظهر أن التنظيم لم يتأثر كثيرًا في هذه الطلعات، بالنظر إلى تقدمه في ريف حلب من الشمال، وبات إلى حدٍ كثير القرب من الحدود السورية-التركية.

إذ على ما يظهر أن واشنطن اختارت حليفها أخيرًا في المقتلة السورية، بعيدًا عن ضوضاء التصنيفات المعتدلة، لأن الظهور الأمريكي بهذا الشكل، يدل على أن القيادة الأمريكية، اختارت أخيرًا الفصيل الذي يلبي طموحها في إدارة المناطق الآمنة، وهو الفصيل عينه، الأكثر قربًا من موسكو، والألد عداءً للجارة تركيا.

اقرأ/ي أيضًا:

الدستور الليبي جاهز..ماذا بعد؟

الملا منصور..رحيل رجل طالبان الراديكالي