28-مايو-2023
غرافيتي في سلوان

غرافيتي في سلوان

قبل عدة أيام نشر الفنان الفلسطيني محمد عساف تعليقًا على حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي استنكر فيه قيام المنصتين الموسيقيتين "سبوتيفاي" و"آبل ميوزيك" بحذف أغنية "أنا دمي فلسطيني"، وتوجيه تهم عداء السامية إليه.

الخبر السابق لم يعد يُشكّل لنا نحن الفلسطينيون مفاجئة، فلم نعد نتعجّب من سياسة التمييز التي تتبّعها المنصات العالمية ومواقع التواصل الاجتماعي منذ فترات طويلة، ضدّ كلّ محتوى تُذكَر فيه لفظة فلسطين أو يحضر فيه ما يُدلّل عليها ويشير إليها من قريب أو من بعيد.

التمييز ضدّ المحتوى الفلسطيني والإصرار على محاربته يتّضح بشكل فاضح في سياسات إدارات مواقع التواصل، التي تفتح أبوابها أمام المستوطنين الإسرائيليين وكبار ساسة تل أبيب، لكتابة ما يشاؤون على صفحاتها

التمييز ضدّ المحتوى الفلسطيني والإصرار على محاربته يتّضح بشكل فاضح في سياسات إدارات مواقع التواصل، التي تفتح أبوابها أمام المستوطنين الإسرائيليين وكبار ساسة تل أبيب، لكتابة ما يشاؤون على صفحاتها، رغم احتواء تدويناتهم ومنشوراتهم على "عبارات عنصرية"، لكنّها تُقيّد أو تحذف حساب كلّ من يتجرأ على كتابة منشور أو نشر صورة لإِدانة وفضح جرائم الاحتلال.

وأنا أفكّر في هذا التمييز ضدّ المحتوى الفلسطيني، خطرت على بالي تلكَ الوسائل والآليات اللغوية التي ابتدعها الفلسطينيون من أجل محاولة التحايل على خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي، كاستخدام نظام تباعد معين في الحروف والكلمات التي تعتبرها إدارات تلكَ المواقع لفظات محرمة وتقوم بتقييد أو حذف حساب من يستخدمها.

ذكّرتني هذه الوسائل والآليات بمقال قرأته في أحد أعداد مجلة الدراسات الفلسطينية بعنوان "هذه ليست بطيخة!" وهي مقالة تَحكي عن حادثة تمّ فيها محاربة فلسطين ومحتواها عبر منع التضامن معها، تروي المقالة بأنّ مجموعة من طلاب هولندا من أكاديمية روتردام للفنون -إبان الهبة الفلسطينية عام 2021- قرروا رفع لافتة مزينة بالعلم الفلسطيني ومكتوب عليها عبارات تدعو إلى حرية فلسطين ووقف سياسات التطهير العرقي، والتضامن مع الشيخ الجراح، وبعد أن قام حرس الجامعة والشرطة بإزالة تلك اللافتة، قام الطلاب بالالتفاف على قرار المنع، حيثُ رفعوا لافتة بديلة مرسوم عليها بطيخة ومكتوب تحتها عبارة: "هذه ليست بطيخة"، في إشارة إلى العلم الفلسطيني بألوانه الأربعة: الأخضر والأحمر والأسود والأبيض.

تُورد المقالة بأنّ حضور البطيخة باعتبارها رمزًا للعلم الفلسطيني وألوانه الأربعة، هو أمر بدأ منذ احتلال الضفة الغربية وغزة عام 1967، وذلك عندما تمّ منع رفع العلم الفلسطيني بأوامر عسكرية، وأصبح مجرّد حيازته أو رفعه تهمة تعاقب عليها قوانين الاحتلال.

ومن الحكايات التي ترويها المقالة عن البطيخة كرمز مكروه من قبل الاحتلال، بأنّه في سبعينيات القرن الماضي اجتمع ضابط إسرائيلي مع مجموعة من الفنانين الفلسطينيين الذين كانوا يعتزمون تشكيل رابطة للفنانين، وقام الضابط بتوجيه ملاحظات إلى الفنانين حول الممنوع والمسموح في رسوماتهم، وكان من بين قائمة الممنوعات العلم الفلسطيني وألوانه، وعندما حاول أحد الفنانين الالتفاف على قائمة الممنوعات بسؤال الضابط عن جواز رسم وردة بألوان علم، ردّ الضابط: "ممنوع طبعًا. ممنوع حتى رسم بطيخة!".

كان بإمكاني أن أجعل عنوان مقالتي هذه "في الدفاع عن المحتوى الفلسطيني"، لولا أنني قرّرت أن أجعل من البطيخ رمزًا ليس فقط للعلَم الفلسطيني، بل للمحتوى الفلسطيني ككلّ، قد تسألون: وعلى من تتحايلين؟ فأجيبكم: ربّما أتحايل على أزمنةٍ كاملة صارَت فيها فلسطينيتي جنسيتي وتهمتي الوحيدة كذلك!