13-مارس-2023
The Wonder

من الفيلم

تدور أحداث فيلم "The Wonder" في إيرلندا عام 1862 في إحدى القرى الصغيرة حيث يبدأ الحجاج المؤمنون بالتوافد لمشاهدة الفتاة التي قيل إنها نجت دون طعام لأشهر، تاركين تبرعاتهم المالية في صندوق لمساعدتها. يتتبع الفيلم قصة هذه الفتاة، آنا أودونيل، 11 عامًا، والتي رفضت تناول الطعام والشراب لفترات طويلة، ومع ذلك بقيت على قيد الحياة وبصحة سليمة لمدة أربعة أشهر، مما أثار استغراب سكان القرية وحكامها. تثير القصة كذلك شهية الصحف للكتابة عن الفتاة على اعتبارها معجزة.

يقوم كبار المدينة، الكاهن ورئيس البلدية والشرطة، بتكليف الممرضة البريطانية ليب رايت لفحص الفتاة ومراقبتها لمدة أسبوعين عن كثب لاستخلاص صحة ادعاءات الفتاة وكشف المستور من القصة. فهل تؤوي القرية قديسة "تعيش على المن من السماء" أم أن هناك دوافع أخرى خلف هذه القصة؟

تدور أحداث فيلم "The Wonder" في إيرلندا عام 1862 في إحدى القرى الصغيرة حيث يبدأ الحجاج المؤمنون بالتوافد لمشاهدة الفتاة التي قيل إنها نجت دون طعام لأشهر، تاركين تبرعاتهم المالية في صندوق لمساعدتها

مدة الفيلم 108 دقائق وصدر عام 2022. فيلم دراما نفسي مقتبس من رواية للكاتبة الإيرلندية إيما دونوغ، وسيناريو مشترك بين سيباستيان ليليو وأليس بيرتش، ومن إخراج التشيلي سيباستيان ليليو. ومن تمثيل فلورنس باغ وطوم بيرك وكيلا لورد كاسيدي.

المنهج العلمي في مواجهة الخرافة

يصور الفيلم القوة التي يتحلى بها الإيمان، فمن رحلة الممرضة ليب رايت، في الكشف عن السبب الحقيقي وراء بقاء الفتاة آنا أودونيل بصحة سليمة، فمنذ البداية يتكشف لنا التفكير النقدي الذي تحمله رايت، حيث إنها تشك في رواية عائلة الفتاة وفي رواية الفتاة نفسها. أودونيل ممرضة، تؤمن بالعلم على اعتباره علمًا من العلوم، أي أن لكل مرض علة ولكل نتيجة سبب، وكذلك هناك مسار يحتم وضع الفرضيات وفحصها من أجل الوصول إلى الفرضية الأصح. أودونيل صاحبة منهج تفكير علمي.

في المقابل، هناك من يؤمن برواية الفتاة ويعتبرها معجزة، تمامًا كما يفعل الكاهن وكبار القوم ممن لديهم مصلحة في ذلك، ربما لأن حصول المعجزة في القرية سيكون له منفعة على القرية وسكانها، أو لمصلحة الكنيسة الكاثوليكية في بحثها عن معجزة.

وجود قديسة في القرية سيجعل منها وجهة لكثيرين لزيارتها ووضع نذورهم وتبرعاتهم. فيما نجد الصحافي يسعى وراء قصة لنشرها، ومنذ البداية يشكك برواية الفتاة ويقترب أكثر من منهجية الممرضة في تحليلها للمسألة علميًا. وهكذا كل طرف من الأطراف، يتعامل مع المسألة من وجهة نظره ومبادئه، أو بحسب مصلحته ومقدار المنفعة التي سيجنيها من اتخاذ موقف ما من القضية.

يفتتح ليليو فيلمه بغرابة، حيث نشاهد صالة استديو كبيرة وتمر الكاميرا ببط لنجد في زاوية الصالة ديكور على شاكلة سفينة وحيث تبدأ أحداث الفيلم. يترافق المشهد الافتتاحي مع تعليق صوتي "مرحبا. هذه البداية. بداية فيلم عنوانه "المعجزة". الناس الذين توشكون على رؤيتهم في الفيلم، الشخصيات، هؤلاء يؤمنون بقصصهم بإخلاص تام، ولذا فإنكم مدعوون للإيمان بهذه القصة أيضًا". بذلك، منذ بداية الفيلم، يحدد ليليو طبيعة أحداث الفيلم بكونها واقعية هادمًا الجدار الرابع الفاصل بين العمل الفني والمتلقي، مدخلًا المتلقي إلى قلب الحدث، لكأنه يقول للمتلقي: السيناريو المطروح حقيقي وواقعي ويحدث في كل مكان وزمان ويجب التنبه من سطوة الخرافة. ولكأن ليليو يقول أيضًا: كل الغرابة التي يمكن أن تحدث إنما هي مفتعلة ومصطنعة وليست بفعل قوى غرائبية خارقة للطبيعة أو إلهية، ويدعونا للإيمان بهذه القصة.

عبر تلك الحبكة، يصور لنا سيباستيان ليليو خطورة الخرافة في كل مكان وزمان، الصراع بين العقلانية واللاعقلانية، وكذلك التعارض التام بين العلم والخرافة، وبين منهجة كل منهما. العلم والخرافة لا يمكن أن يلتقيا لا في المسار ولا في الهدف، لا في الرحلة ولا في نقطة الوصول. هناك أهداف متعارضة لكل نهج من النهجين، ولذلك كان كبار القوم دومًا ما يشددون على الممرضة بقولهم "فقط راقبي ولا تتدخلي". غير أن شخصية ليب رايت، والقسم المهني، والعلم الذي تتحلى به، مضاف إليه تجربتها الماضية المأساوية مع الموت والفقدان والهجران، كلها صفات جعلت من المستحيل على رايت أن تترك الفتاة تتضور جوعًا وتفقد حياتها.

ما الذي تتناوله الممرضة كل ليلة؟

الممرضة ليب رايت، التي أدت دورها بإتقان الممثلة فلورنس باغ، عانت من صدمة كبيرة في الماضي حيث فقدت طفلتها الرضيعة وهجرها زوجها بعد ذلك. كان عليها أن تجد وسيلة ما للتكيف مع الوضع، فلجأت إلى المخدر الذي ينسيها الواقع المأساوي الذي عاشته في الماضي. كذلك تقوم رايت بوخز إصبعها بواسطة دبوس، ونرى الدم يسيل من إصبعها، ولربما كانت هذه محاولة للتأكد من كونها لا زالت على قيد الحياة، أو طريقة لأذية نفسها عبر تسميم دمها بهدف التخلص من حياتها! كل من الفتاة والممرضة تتشاركان بماض أليم، وفي حين تلجأ الفتاة للدين كمخدر، نجد أن الممرضة تلجأ إلى الأفيون الفعلي كمخدر!

قديسة أم مريضة؟

تقدم الممرضة ليب رايت تقريرها إلى لجنة القرية وهم من كبار القوم، وتشير إلى أن والدة الفتاة تقوم بتقبيلها يوميًا وإطعامها من فمها. وبذلك تفضح ليب رايت زيف ادعاءات الفتاة وعائلتها حول تلقيها "المن من السماء"، غير أننا بصدد ادعاءات مزيفة من قبل الأهل، لكنها ادعاءات صحيحة من وجهة نظر الفتاة مما يشير إلى الاضطراب النفسي الذي تعاني منه الفتاة، والوهم الذي يسيطر عليها وعلى تفكيرها بفعل عقدة ذنب شديدة.

في فيلم "The Wonder"، يجعل وجود قديسة في القرية منها وجهة لكثيرين لزيارتها ووضع نذورهم وتبرعاتهم

 

ولذلك، تتمسك الفتاة آنا بمعتقداتها مشيرة إلى أن "موتي سيجعل روحًا أخرى تنجو من الجحيم"، وهذه الروح تعود لأخيها الأكبر الذي تحبه. تظن الفتاة أنها يجب أن تضحي بنفسها لتنقذ أخيها من الجحيم. لكن ما الذي اقترفه أخيها لينال العقاب في الجحيم؟ نكتشف أن أخيها اعتدى عليها جنسيًا وهي تبلغ تسع سنوات. نتيجة لهذا الاعتداء عاقبته الألهة على فعلته بالمرض والموت.

الصدمة التي تلقتها الفتاة إثر وفاة أخيها الأكبر منها انعكست عليها بنوع من الاضطراب النفسي الذي يستلزم علاجًا، لكن عائلة الفتاة تلقفت الصدمة من منظور ديني معتبرين أن المسألة إنما هي مسألة قداسة ورسالة ألوهية من السماء، وذلك وفقًا لما هو سائد من تفكير ديني يعج بالكثير من الخرافات في حينها.

تبعًا لذلك، تلقي والدة آنا باللوم عليها لما حصل من سفاح القربى وتعتقد أن ابنها مات بسبب المرض كعقاب على علاقتهما الخاطئة، وتعتقد الوالدة أنه يجب التضحية بالفتاة لإنقاذ روح ابنها الراحل. تبدو المسألة كالتالي: القضية برمتها عبارة عن انتقام لاواعي من الأم تجاه ابنتها جراء فقدان ابنها، وأيضًا بفعل تفضيلها لابنها الذكر على آنا ابنتها الأنثى. هذا التفكير الرجعي الخرافي مستمد من معتقدات العائلة المتعلق بالتضحية والفداء ودفع الكفارة. الفتاة ستضحي بحياتها لأجل أخيها وسيذهبان سويًا إلى الجنة!

تلجأ الممرضة إلى وسيلة التخدير بغية فك شخصية آنا الحاضرة وإعادتها إلى المرحلة التي كانت عليها قبل أن يتم الاعتداء الجنسي عليها، وذلك عبر الإيحاء لها أن آنا الحاضرة يمكنها أن تموت، ومن ثم هناك إمكانية لأن تخلق من جديد بشخصية جديدة وإسم جديد، وبذلك تتجنب الممرضة موت آنا الفعلي. هذا الإيحاء يعيد إلى آنا حياتها عبر فصل الأفكار المحقونة داخل لاوعيها عن شخصيتها الجديدة.

القصة مستوحاة من "الفتاة الصائمة" وهي عبارة عن سلسلة من الأحداث التي انتشرت في الغرب وتعود هذه الأحداث الحقيقية إلى العام 1500 ميلادية حيث شهدت مناطق واسعة في الغرب تجويع الفتيات لأنفسهن كنوع من أنواع التكفير عن الذنب، وكما تنسب هذه العادة من الصوم المفرط لعدد من القديسين في العصور الوسطى.