05-سبتمبر-2017

الصورة الترويجية لفيلم The Boss Baby

منذ نشأتها، احتوت العديد من أفلام الرسوم المتحركة على الرسائل الضمنية المدمجة بشكل خفي. ربما كانت رسائل سياسية دعائية مبطنة أو نقدًا اجتماعيًا لاذعًا لسلوكيات شائعة لكنها استمرت حتي يومنا هذا مستغلة الجاذبية الكبيرة للرسوم المتحركة التي تجذب جمهورًا محددًا يختلف -جزئيًا- عن جمهور الأفلام الروائية الدرامية المعتادة.

يبدأ فيلم The Boss Baby باستعراض حياة طفل بريء ذو  خيال واسع لكن حياته تنقلب رأسًا على عقب حينما يحظى بشقيق صغير

ورغم حرص صانعي تلك الأفلام على مراعاة أن جزءًا ليس بالقليل من جمهور هذه الأفلام يتكون من الأطفال وأولياء أمورهم، إلا أن هذا لم يمنعهم من توجيه رسائل مهمة بين السطور لمسائل قد لا ينتبه لها هذا الجزء من الجمهور الذي يبحث عن تسلية بريئة في فيلم ليس صادمًا. وللوهلة الأولي ربما يبدو فيلم The Boss Baby من تلك النوعية ولكن بنظرة أكثر تفحصًا سنجده يحوي رفضًا حادًا لتأثير نمط الحياة الذي يفرضه النظام الرأسمالي على المجتمعات الحديثة.

يبدأ فيلم The Boss Baby باستعراض لحياة الطفل تيم كما يرويها بنفسه، فهو طفل بريء ذو خيال واسع يحظى بحب والديه واهتمامهم المركّز والمنصب عليه وحده وتبدو حياته مثالية تمامًا. لكنه لن يهنأ بالعيش هكذا لفترة طويلة فكل هذا الكم من الهناء والسعادة سينقلب رأسًا على عقب حينما يحظى بشقيق صغير وكما هي العادة في أي أسرة حين يأتي شقيق أصغر يحظى بأكبر قدر من الاهتمام في البداية مما يشعر الأشقاء الأكبر سنًا بالغيرة.

اقرأ/ي أيضًا: مهرجان فينيسيا السينمائي.. من يفوز بالأسد الذهبي هذا العام؟

كل هذه الأحداث تبدو عادية ومتوقعة إلا أن مجرى الأحداث يتخذ منحنى أكثر خيالًا في فيلم The Boss Baby، فالطفل الوافد الجديد على العائلة ليس طفلًا عاديًا يكتفي بمص أصابعه والبكاء والصراخ ليل نهار مطالبًا بطعامه أو بتغيير حفاضته، بل هيئته وتصرفاته تجعلانه أقرب لمدير شركة كبرى، فهو يتحدث بطلاقة مستخدمًا العديد من المصطلحات التي تنتمي إلى عالم الشركات ويعامل الأطفال الرضع الآخرين كالموظفين، عنده وفوق كل هذا يرتدي بذلة رسمية بربطة عنق وكل هذه الأمور والتصرفات تصيب تيم بالجنون فلا أحد يرى كل هذا غيره وتزداد دهشته حينما يعلم بأن الطفل يريد الدخول في حرب فعلية ضد الشركة التي يعمل بها والديه.

رغم كون قصة فيلم فيلم The Boss Baby تدور في قالب فانتازي خيالي، إلا أنها لا تخلو من العديد من الإسقاطات حول دور الشركات الكبرى في فرض أنماط حياة صعبة وقاسية على حياة من يعملون بها بل وحتى من يتعاملون معها كزبائن ويصدقون دعايتها. فتشجيع الناس على العمل الشاق الكادح يأتي على حساب قضاء الوقت مع أفراد العائلة والعمل مهم ﻷنه ما يأتي بالنقود والنقود هي أهم شيء أو على الأقل هذا ما تبثه تلك الشركات الكبرى في نفوس الناس.

ولكن هل يأتي العمل الشاق الذي يجلب المزيد من النقود إلي المنزل على أنقاض المنزل ذاته؟ هذا هو أحد الأسئلة التي يطرحها فيلم The Boss Baby بذكاء وفي قالب مبسط ومرح. كما أن شخصية الطفل المدير (وهو اسم الفيلم) وهيئته ومصطلحاته "الشركاتية" لا تخلو من سخرية مبطنة من سلوكيات المديرين الكبار لتلك الشركات الكبرى، وكيف يتعاملون باستخفاف قد يصل إلي حد الاحتقار مع كل من حولهم، وكيف أن الموظف المثالي بالنسبة لهم هو الموظف المدرب على السمع والطاعة لا على المناقشة وطرح وإبداء الآراء المختلفة. بل ذهب البعض إلى أبعد من ذلك فاعتبروا شخصية الطفل سخرية مبطنة من الملياردير الرئيس دونالد ترامب.

وبالنظر إلى الصورة الأكبر في فيلم The Boss Baby إذ يلقي الضوء على نمط حياة مثل هذا، حينما يصبح الترقي في السلم الوظيفي أهم شيء بالنسبة لكثيرين، لا يكون هناك ثمة وقت لتكوين عائلة أو ربما كانت هناك عائلة لكنها أهملت بسبب التركيز على المسار الوظيفي الذي صار في عقول الكثيرين ذي أولوية وأهمية لما تعطيه الوظيفة في الشركة الكبرى من مكانة اجتماعية مرموقة ومرتب ضخم للغاية والظن الساذج بأن تلك أطراف معادلة السعادة في الحياة.

اقرأ/ي أيضًا: أفضل 10 أفلام كوميدية في تاريخ السينما وفقًا لاستبيان هيئة الإذاعة البريطانية

ولكن الإنسان لا يطيق الوحدة كثيرًا ولا يتحملها ومن ثم كان لا بد من وجود بديل للأسرة التقليدية حتي في حياة هؤلاء الموظفين في الشركات الكبرى الطامحين للترقي على حساب قضاء وقت مع عوائلهم، وهنا يطرح فيلم The Boss Baby تساؤلًا ذكيًا آخر حول ما إن كان اقتناء حيوانات أليفة سيملأ مثل هذا الفراغ الناتج عن عدم وجود بشر في حياة الموظف في الشركة؟

فالحيوانات الأليفة أقل كلفة في الاعتناء بها من البشر، ولا تحتاج لتربية أو توجيهات كثيرة مثلهم، فيصبح السؤال هو: هل حب الحيوانات الأليفة لا يختلف عن المشاعر التي يكنها البشر بعضهم لبعض أم أن شتان الفارق بين الأمرين؟ وهل ستصل البشرية إلى مرحلة خطيرة تنقرض فيها بعد أن يصبح الأغلبية العظمى منهم موظفون ناجحون في شركات رأسمالية كبرى لا يجدون أحدًا حين يعودون لمنازلهم سوى حيواناتهم الأليفة؟

كما احتوي فيلم The Boss Baby على رمزية الحرب الطاحنة التي تدخلها الشركات الكبرى ضد بعضها البعض بهدف سحق منافسيها، والنجاح في تسويق منتجاتها للمستهلكين بدلًا من منتجات غيرها. فرغم كونه فيلمًا موجهًا للأطفال والعائلات في المقام الأول إلا أنه استحضر مشاكل نمط الحياة المنتشر في العصر الحديث حيث يهمل الآباء والأمهات أطفالهم سعيًا وراء النجاح الوظيفي، الأمر الذي يتسبب في عواقب وخيمة للأطفال في حياتهم فيما بعد.

احتوي فيلم The Boss Baby على رمزية الحرب الطاحنة بين الشركات الكبرى بهدف سحق منافسيها، والنجاح في تسويق منتجاتها للمستهلكين

هذه العواقب الوخيمة التي أراد البعض تفاديها بالسعي لعدم إنشاء أسرة من الأساس واكتفوا في أفضل الأحوال باقتناء حيوان أليف ليظل صراعًا دائمًا يخوضه كل من يعمل في تلك الشركات الكبرى بين الرغبة الإنسانية الدفينة في قضاء وقت أطول مع العائلة وبين إغراء الترقي في السلم الوظيفي.

باختصار يمكن القول أنه بشكل غير مباشر استعرض فيلم The Boss Baby كل تلك التساؤلات وغيرها، دون الإخلال بمسار القصة الرئيسي الذي لم يخلُ من مفارقات كوميدية للغاية، فلم يكن فيلمًا للتسلية البريئة المجردة فقط، ولا حمّل الفيلم رسائل واضحة وصريحة بشكل مبالغ فيه من الناحية الأخرى.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فيلم "The Birth of a Nation" العبودية أو الموت.. ماذا تختار؟

مهرجان فينيسيا السينمائي.. من يفوز بالأسد الذهبي هذا العام؟