14-يناير-2016

من الفيلم

 

حديث البعض عن "مشروع سينمائي" يجمع الثلاثي أحمد عبد الله مؤلفًا، وسامح عبد العزيز مخرجًا، وأحمد السبكي منتجًا، يبدو مبالغًا بعض الشيء. كذلك التنظير بخصوص الدراما الأفقية والمؤطّرة بزمن سينمائي لا يتعدّى اليوم الواحد يبدو مغرقًا في التفاؤل والتعويل على منتَج سينمائي لا يوجد سوى في خيال بعض النقّاد. 

يقدم "الليلة الكبيرة طرحًا فكريًا هزيلًا حول الصوفية والسلفية على العكس من التوقعات المنتظرة

بدءًا من "كباريه" (2008)، وتابعه "الفرح" (2009)، ثم "ساعة ونص" (2012)، وصولًا إلى "الليلة الكبيرة" في 2015؛ شكّلت دراما الحواديت المتقاطعة في مسافة زمنية أفقية ما يشبه "تريند" اعتمدته سينما السبكي لإنجاز أفلام تبتعد ظاهريًا عن بقية إنتاجات الشركة الموصومة من قبل الكثيرين بالمسؤولية عن ظهور "موجة من الأفلام الهابطة والتافهة المحرّضة على العنف"، خصوصًا في أوساط المصريين من الشباب والمراهقين. ويُذكر أن آخرين، مأخوذين بالنجاح الجماهيري لتلك الأفلام، حاولوا استنساخ تلك الخلطة السينمائية مع تغييرات أسلوبية ونصّية طفيفة من دون أن يطرّز التوفيق تجربتهم.

"الليلة الكبيرة" هو آخر عناقيد الثلاثي عبدالله وعبد العزيز والسبكي، وقد بدأت عروضه التجارية في الصالات المصرية في أوائل كانون الأول/ديسمبر، وذلك عقب عرضه ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائي في دورته الأخيرة. ورغم التوقعات بعمل سينمائي مختلف وجدير بتمثيل مصر في المسابقة الرسمية للمهرجان العريق، فإن الفيلم نفسه أثبت مدى غموض أسباب ذلك الاختيار نظرًا للمستوى الفني المتواضع الذي ظهر عليه، وهزال الطرح الفكري الذي يقدّمه حول الصوفية والسلفية.

كالعادة، تدور أحداث الفيلم في يوم واحد هو ليلة الاحتفال بمولد أحد الأولياء المتخيّلين (عرش الدين الأنصاري)، وبالتحديد من فجر تلك "الليلة الكبيرة" وحتى فجر الليلة التالية. مع افتتاحية مهيبة تظهر فيها خادمة المقام (سميحة أيوب) تبتهل بالدعاء قبل أن تدخل مقام الوليّ لإيقاظ النائمين استعدادًا للاحتفال الكبير. 

وكالعادة، هناك الكثير من الشخصيات والحكايات المنفصلة والمتقاطعة والخطوط السردية المتوازية، حتى أنه ليمكن لهواة التوثيق والتفصيل كتابة مقال قائم بذاته يحوي أسماء الممثلين والشخصيات وحكاياتها. هذه الكثرة والوفرة تمثّل ثقلًا زائدًا على الفيلم الذي تبلغ مدته 123 دقيقة ويمكن بسهولة حذف ساعة كاملة من تلك المدة من دون أن يتغيّر شيء. ومن ناحية أخرى أعطت هذه الكثرة فرصة للعديد من الممثلين للظهور في شكل مختلف (كما في حالة علاء مرسي مثلًا) والعودة إلى الشاشة الكبيرة (كما في حالة وائل نور وصفية العمري).

هناك مورال أخلاقي ديني ثابت في الأفلام الأربعة هو في صلب الحوار الذي يتخلّل ذلك "المشروع السينمائي" الذي يقترح العودة إلى "الشكل الصحيح للإسلام الوسطي" على حدّ قول المؤلف، وفيه يتمّ عقاب المتسبّب في الانحراف عن هذا الإسلام الوسطي: في "كباريه" يمثّل انفجار الملهى الليلي عقابًا مزدوجًا للمتشدّدين الدينيين والمنحرفين عن طريق الله على السواء، ولا ينجو من هذا العقاب الدرامي سوى النادل الازدواجي الذي يحافظ على الصلاة في أوقاتها أثناء عمله في تقديم الخمور للزبائن.

في "الليلة الكبيرة" هناك عقاب ينتظر كل شخصية على حدة، بطريقة مفرطة في افتعالها وابتذالها

في "الفرح" تتدمّر حياة العريس لعدم إسراعه في دفن والدته وإصراره على استكمال الفرح لجمع النقوط كاملًا، ولا ينسى الفيلم تذكيرنا بالنهاية السعيدة التي كانت تنتظره إذا ما اتبع صحيح الدين وأنهى الفرح سريعًا ليدفن والدته ويكتمل الخطاب الأخلاقي الديني بالآية القرآنية: "إن أنا إلا نذير وبشير لقومٍ يؤمنون". في "ساعة ونص" يكون حادث القطار الذي يودي بحياة أغلب الشخصيات هو العقاب الدرامي لهؤلاء الأفراد المنخرطين في الفساد والجنس والتفسخ الاجتماعي، وبالطبع لا ينجو سوى الأنقياء والأطهار بحسب تعريف المؤلف. 

الأمر ذاته نجده في "الليلة الكبيرة"، ولكن بإدراة بؤرة الاهتمام إلى علاقة العبد بالمعبود بدلًا من ثنائية التطرف الديني والتطرف المضاد. تأتي هنا ثنائية التشدد الديني الذي يمثله السلفيون الرافضون لإقامة الموالد والإفراط في تغييب العقل الذي يمثله زوّار المولد، لينزل العقاب على اللاجئين إلى غير الله وهو الوليّ الذي يقام له المولد. وبدوره يختلف العقاب الدرامي قليلًا؛ فليس هناك كارثة عامة طارئة تحصد حياة العصاة والخطّائين كما في الأفلام الثلاثة السابقة، ولكن عقاب ينتظر كل شخصية على حدة وبطريقة مفرطة في افتعالها وابتذالها.

في نهاية الفيلم يغمر المطر الجميع في كريشندو رمزي، ربما يعكس نيّة صنّاع الفيلم في تمثّل يوم القيامة والتذكير به، ولكن ليس بالنوايا الطيّبة وحدها تأتي الأفلام الجميلة.

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

فيلم "زنزانة".. سجن اسمه العالم العربي

فيلم ماستانج.. رصد أنوثة تركيا وترجمتها