15-ديسمبر-2015

تبقى سفيرتنا إلى النجوم (جوزيف عيد/أ.ف.ب/getty)

نجح الصحافي اللبناني المغمور حسن صبرا من حيث لا يدري. أصلح "الشّراع" المكسور، وأعاد لمجلته الجمهور. يعرف صبرا جيدًّا، كما أي صحافي أو مدّعٍ حاملٍ للصفة أن فيروزَ مادّةُ كسبٍ دسمة. فيروز بحُلوها تمنح طّالبَ الشهرة ما يريد، ماذا عن مرّها؟ أو مرٍّ أُريد لها أن تلبسه فقط لأن بعض "الأشرعة" مكسورة؟

هذه ليست المرّة الأولى التّي تنال فيها فيروز نصيبها من الإهانات وقبلها نالت الشحرورة صباح حصتها

على الرّغم من الصّدمة العارمة التّي اجتاحت مواقع التّواصل الاجتماعي، لا سيما بعد انتشار صورٍ عن الغلاف المسيء لفيروز، وردّة الفعل الشّعبية عليه، من دعواتٍ لمقاطعة مجلّة "الشّراع" وصولًا إلى وقفاتٍ تضامنية، فهذه ليست المرّة الأولى التّي تنال فيها فيروز نصيبها من الإهانات، ولا المرّة الأولى التّي يعتمد فيها بعض الصّحافيين على الشّتم وسيلة لكسب العيش والقرّاء في آن، في ظلّ الأزمة المادية التي تعصف بمعظم المطبوعات الورقية، لذلك، لا بدّ من حلٍّ إنقاذي، وينقسم الحلّ إلى خيارين واضحين في استراتيجيةٍ موحدّة يعتمدها الإعلام المفلس. الخيار الأول، هو بيع المحتوى الجنسي، وتحته تندرج تصنيفاتٌ متعدّدة، كتسليع المرأة أو التّسويق تحت عنوان الإرشاد الجنسي، أما الخيار الثّاني، فهو ما اعتمده حسن صبرا ناشر مجلّة "الشّراع"، واعتاد اعتماده من قبل، استخدام عنوانٍ عريض صادم، يُجبر فيه القارئ على شراء مجلّته، أو أقله تذكّر وجودها، خياره كان الشّتم تحت اسم "السّبق الصّحفي".

 لنفترض أنّ ما نُشر في مجلّة "الشّراع" عن فيروز فيه شيءٌ من الصّحة، من سمح أو يسمح لصحافي أن ينتهك خصوصيات أي شخصٍ آخر، شخصٍ بحجم فيروز وقيمتها؟ أن ينعت صبرا فيروز بمدمنة "الويسكي والمال"، بناءً على "زيارةٍ واحدةٍ برفقة صديق" لا يعدو كونه تدخلًا سافرًا في حياة الأيقونة الفيروزية الشّخصية، ويعكس بطبيعة حال نباهة صبرا المُلفتة، اكتشف صفات فيروز بزيارةٍ واحدةٍ فكتب فيها هجاءً من ستّ صفحات. لم يُفكّر صبرا إذا ما كان المكتوب صحيحًا أم نسج خيال، فكّر بالنّتائج التي ستلي النّشر، مقالٌ تُشتم فيه فيروز برمزيتها لا شكّ أنّه مقالٌ مُربحٌ على كافّة الصعد، مادّيًا ومعنويًا، فالدّعاية السّلبية أيضًا تُعدّ مادّةً ترويجية، وفي هذا أصاب صبرا هدفًا من أهدافه، طبعًا مع الأخذ بعين الاعتبار إصابته جزءًا من تاريخ لبنان بسهم التّجريح للرموز.

لا يُلام صبرا كثيرًا، فما هو إلّا نموذجٌ عن عقليةٍ لبنانية سائدة، حيث لا قيمة للرموز، وطنية أو ثقافية أو علمية أو فنّية، لا قيمة للعلم، للإنجازات الوطنية، لا قيمة في لبنان وبمعيار الشّعب اللبناني لأي شيء، لا لجحود الشّعب، بل لاعتياده توهين رموزه وإهانتها. المرحومة صباح، صبّوحة لبنان، نالت نصيبها من النّكات والسّخريات قبل أن تُرمى في آخر أيامها، وأعتذر عن كلمة تُرمى، لكنها تشاركت الإهمال ذاته مع وديع الصّافي، لم يرأف بهما أيٌ من الشّركات الفنّية أو المتمولين، أو حتّى وزارة الثّقافة اللبنانية، فخرجا يطلبان العلاج من المُحسنين، حالهم حال العديد من الممثلين اللبنانيين، من حفروا في ذاكرة لبنان مشاهد لا تنسى، لا سيما على تلفزيون لبنان الرّسمي، ويأتي صبرا اليوم ليسأل عن تقاضي فيروز أجرها لقاء أعمالها، تريد لفيروز مصيرًا مشابهًا لأسلافها؟. في لبنان، ومثله العالم العربي، مات كبار الفنّ ويموتون مُهملين، بينما صغار الفن، العارضات والعارضون، نالوا وينالون ما استحقه الكبار من شهرةٍ إعلامية وثروةٍ مادّية، يبدو أن المعايير المقلوبة، هي من فتحت الباب لصبرا وغيره، ليبدعوا في فنّ الشّتم الذّي يجيدونه بامتياز.

الحديث عن فيروز وتاريخها كمالية لا حاجة لها، اسم فيروز، سفيرتنا إلى النّجوم يكفي ليختصر مسرحياتٍ وأغانٍ

الحديث عن فيروز وتاريخها كمالية لا حاجة لها، اسم فيروز، سفيرتنا إلى النّجوم يكفي ليختصر مسرحياتٍ وأغانٍ وكلماتٍ من ذهب وفيروز أغنت الأرشيف اللبناني. نشر البعض إشاعةً منذ زمن، أن فيروز نُقلت ل "العصفورية" أي مشفى المجانين، بينما خسر عاصي الرّحباني مليوني ليرة بلعبة قمار. فأطلّت السّت مع نجيب حنكش، الإعلامي اللبناني الشّهير لتسخر ضاحكة من الإشاعة، بعد اتصالاتٍ من عدّة صحافيين حينها، كرياض شرارة وغيرها، ضحكت فيروز يومها كثيرًا من وصفها بالجنون. على الأرجح أن فيروز تضحك اليوم أيضًا في عزلتها التي اختارتها طواعيةً، تجمع شمعاتها الثّمانين لتنام على إرثٍ من تاريخ وهبته للبنان. لن ينال من قيمة فيروز بعض الصّغار، ما سيحققونه بالغالب، هو مبيع عشرة آلاف نسخة صفراء كوجه ناشرها الخائف من ضميره.

اقرأ/ي أيضًا:
مقص الرقيب القروسطي يطال فرج الله الحلو!
"الترول" في الفضاء الافتراضي العربي