26-يوليو-2015

كاريكاتير شاهروخ حيدري/ إيران

من الشائع في التناول الأكاديمي والإعلامي، وحتى في السجال السياسي، عزو أسباب الإرهاب، أي إرهاب، كفعل مجرد، إلى عوامل اجتماعية وسياسية، وأحيانًا عقائدية، وربطه بطبيعة المنظومة السياسية والاقتصادية وشكل الفاعلين ضمنها، إذ لا مفرّ من فهم تفشي العنف في تجربة اجتماعية ما، دون أخذ مجمل الظرف الذي عايشته وتفاعلت مع المتاح من شروطه. ومن الأكثر شيوعًا في تحليل ما يضرب المنطقة العربية، والشرق الأوسط بأكمله، ربط دواعي الإرهاب ومسبباته بالحيف التاريخي الذي لحق بشعوب هذه المنطقة، نتيجة ثنائية الاستعمار والاستبداد.

ومما هو شائع أيضًا، لكن لدى مدرسة مغايرة عن تلك التي تنظر إلى الإرهاب من واقع أنه أحد ثمرات قتل السياسية في المجتمعات ومنهجية الإفقار، عزوه إلى محددات عقائدية دينية بالأساس، بتغييب متعمد لما سوى أوامر الدين ونواهيه. فلا ترى الولايات المتحدة الأمريكية دورًا لغزوها الصومال فأفغانستان والعراق وتدخلها في باكستان، ولا في إرهاب إسرائيل في فلسطين ولبنان، ولا في التسلل الفرنسي في غرب أفريقيا ووسطها، في تعميم الإرهاب في المنطقة العربية، بل وتصديره إلى العالم.

لا يمكن فهم  الإرهاب دون رؤيته أحد ثمرات قتل السياسية ومنهجية الإفقار للمجتمعات

والأنكى من حالة النكران الغربي لمسؤوليته في استنساخ وتعميم التجارب الإرهابية، تلك الحالة المهيمنة على المشهد الإعلامي والسياسي في المنطقة، بين صاحبة إدعاء القوامة على العروبة والإسلام، أي المملكة العربية السعودية، وبين صاحبة المطمح في تنويع الإجازات الأسبوعية بين ساحل اللاذقية ومضيق باب المندب، أي إيران. إذ إن أقل ما يمكن انتظاره من المناكفة المتصاعدة بين القطبين حالة نكران أكثر تركيبًا من تلك الغربية، فالجوقة الإعلامية وبطانة المفوهين، لدى كل منهما، لا تكف عن التبرؤ من دم القاتل والقتيل، ورمي الأخرى بكامل المسؤولية.

وكيف يكون التفريق والحكم على الجدلية القائمة بين هذه الثنائية، فالأولى ترى أن تغول إيران في عراق ما بعد 2003، ودعم النظام الطائفي الذي حلم به بول بريمر سبب الآفة، بينما الثانية ترى في الوهابية عقيدة ومالًا مكمن العلة. كأن فعل إيران وإسهامها في تفتيت العراق منفصل عن حضور نفوذ الوهابية العقائدي والمالي، لتدخل الجوقتان، وتدخلا معهما جمهورًا عربيًا عريضًا، في أحجية أسبقية البيضة والدجاجة.

تبقى الإجابة اليقينة لدى من تحالف مع الدكتاتوريات في الجناية على موجة الربيع العربي، أي الإرهاب، ليرسخ سكاكين قطع الرؤوس مكان شعارات الحرية والمواطنة والدمقرطة.

أوليس الأجدر بالجولاني أن ينشد رضا الشعب الذي امتطى ثورته، على أن ينشد ما هو في علم "الغيب"؟

لكن الأنكى من النكران، هو تجاوز الحالة الإرهابية لغاية كل الأطراف من ورائها، وانطلاقها في الطموح نحو عالمية، ربما كان تشي غيفارا آخر من حلم ببلوغها، مخلّفة وراءها اعتقادات كل الأطراف بأنها سلسة الاستعمال والامتطاء، ليكون لدى منظمات الإرهاب مطمحها بالامتطاء أيضًا. وعلى قاعدة كما تدين تدان، تتعاطى مع الدكتاتوريات التي تغذيها بمنطق استعمالي أيضًا، لتراكم منجزات لصالحها من شأنها إرضاء الهوس بفكرة العالمية.

من السذاجة اعتبار حالة تصدير أوروبا للإرهابيين إلى الشرق الأوسط منتهى المطاف، لا بل إن "غزوة مانهاتن" لا زالت أنموذجًا لدى البعض لتكراره، ولدى بعض آخر لتجاوزه. ومن الصعب تلقي حالة الشبق بالاعتراف الدولي لدى جبهة النصرة مثلًا، عند ظهور الحديث عن تسليح المعارضة "المعتدلة"، إلا من باب محاولة تحقيق ما لا يبدو أن موازين القوة والصراع مع داعش ستسمح بتحقيقه في هذه المرحلة، لكن أليس الأجدر بأبي محمد الجولاني أن ينشد رضا الشعب الذي امتطى ثورته، على أن ينشد ما هو في علم "الغيب"؟

ومما يدلل على تجاوز مطامح الإرهاب لمطامح كل الأطراف التي غذته، أن بنك الأهداف الموجه ضد الثورات العربية كان محدودًا ومشروطًا بالإجهاض، أما وقد تم في جُلّه، فسيبدأ التناحر بين أشقاء الأمس السريين على ما في تراب المنطقة من ماء ونفط. فأمست إيران اليوم تتشدق بمحاربة داعش في الموصل، بينما لم يكن لديها أيما انزعاج من استخدام أراضيها ممرا آمنًا بين أفغانستان والعراق لعشرات من قادة التنظيم حاليًّا.

ما يمكن تخيله صورة يد بخمسة أصابع، إيران والسعودية والولايات المتحدة الأمريكية و"داعش وخليلاته" وما تبقى من دكتاتوريات بين مصر وسوريا واليمن.. إلخ، خلقوا إلهًا جديدا لهم، غير ذلك الذي أنزل كتابه "هدى ورحمة". والكل يقاتل باسمك يا الله، من جورج بوش الابن وحربه الصليبية، وفق مقولته، إلى من يقتلون دينك بداعي الدفاع عن مذاهبهم، وصولا للمطية المتبادلة بينهم.