نال روبرت فروست مكانة خاصة في المجمع الثقافي للرئيس كينيدي. توفي فروست في كانون الثاني/يناير عام 1963، عن عمر يناهز 88. وفي شهر تشرين الأول/أكتوبر التالي، أقامت كلية أمهرست Amherst College حفلًا رائدًا لمكتبة روبرت فروست. سافر كينيدي إلى ولاية ماساتشوستس ليلقي هذه الكلمة؛ وبعد شهر واحد كان هو الآخر قد مات.

عندما نشر هذا الخطاب بعد مقتل جون كينيدي، نوهت مجلة "الأتلانتيك" (The Atlantic) بأنه قد "عرّف نفسه، كما لم يفعل أي رئيس قبله بمثل هذه الصورة المؤثرة، بالكتب والرجال والمعرفة".


قوّتنا الوطنية مهمة، لكن الروح التي تلهم وتوجه جوهر قوتنا تحظى بالقدر نفسه من الأهمية أيضًا. وكانت هذه هي الأهمية الاستثنائية لروبرت فروست.

لقد جلب غريزة قاسية إلى الواقع ليحمل على ابتذال ورياء المجتمع. إحساسه بالمأساة الإنسانية حصّنه ضد خداع الذات والمواساة السهلة.

عندما تقود القوة الإنسان نحو الغطرسة، فإن الشعر يذكّره بحدود

"لقد كنت وحيدًا"، كما كتب ذات مرة، "على بيّنة من بالليل". ولأنه عرف ظلمة الليل كما عرف ارتفاع النهار، لأنه فهم محنة الروح الإنسانية كما فهم انتصارها، فقد منح عصره القوة التي هزم بها اليأس.

اقرأ/ي أيضًا: دوريان لوكس: مثل حبلٍ فوق بحيرة

في داخله، كان ينطوي على إيمان عميق بروح الإنسان. وليس من قبيل المصادفة أن يكون روبرت فروست قد جمع بين الشعر والقوة، لأنه رأى الشعر وسيلة لحماية القوة من نفسها.

عندما تقود القوة الإنسان نحو الغطرسة، فإن الشعر يذكّره بحدوده. وعندما تضيّق القوة مجالات اهتمام الإنسان، يذكّره الشعر بثراء وتنوع وجوده. وعندما تفسد القوة، فالشعر يطهّر، لأن الفن يرسّخ الحقائق الإنسانية الأساسية التي ينبغي أن تكون بمثابة معايير لأحكامنا. الفنان، مهما كان مخلصًا لرؤيته الشخصية للواقع، يضحى المحارب الأخير للعقل والإحساس الفردي ضد المجتمع المتطفل والدولة الفضولية. فالفنان العظيم هو شخصية انفرادية. يمتلك، كما قال فروست" خصام العاشق مع العالم". في تعقّب تصوراته عن الواقع، غالبًا ما يبحر عكس تيارات عصره. وهذا ليس دورًا شعبيًا. إذا كان روبرت فروست قد حظيَ بالتكريم كثيرًا خلال حياته، فإن ذلك يعود إلى أن العديدين فضّلوا تجاهل حقائقه الأشد عتمة. ما زلنا ونحن نستذكر، نرى كيف عزّزت أمانة الفنان نسيج حياتنا الوطنية.

إذا كان فنانونا العظام هم الأكثر انتقادًا لمجتمعنا أحيانًا، فذلك لأن حساسيتهم والتزامهم بالعدالة، التي ينبغي أن تحفّز أي فنان حقيقي، تجعلهم يدركون أن أمتنا فشلت في تحقيق أقصى ما في إمكانياتها.

أنا لا أرى شأنًا أهم لمستقبل بلدنا وحضارتنا أكثر من الاعتراف الكامل بمكانة الفنان. إذا غذّى الفن جذور ثقافتنا، فيجب على المجتمع إطلاق عنان الفنان ليتبع رؤيته أينما تأخذه.

ينبغي ألا ننسى أبدًا أن الفنّ ليس شكلًا من أشكال الدعاية، بل شكل من أشكال الحقيقة. وكما قال [أرشيبلد] ماكليش ذات مرة في أحد تعليقاته عن الشعراء، "لا يوجد في مهنتنا أسوأ من أن تكون نمطيًّا".

في المجتمع الحر، الفن ليس سلاحًا، ولا ينتمي إلى ميادين الجدال والأيديولوجيا. الفنانون ليسوا مهندسين للروح. قد يكون الأمر مختلفًا في مكان آخر. لكن في المجتمع الديمقراطي، فالواجب الأسمى للكاتب، والملحن، والفنان، هو أن يظل صادقًا مع ذاته وأن لا يترك الأمور تمضي على عواهنها دون اكتراث للعواقب. ففي خدمة رؤيته للحقيقة يخدم الفنان أمته بشكل أفضل. أما الأمة التي تزدري رسالة الفن فسيكون مصيرها كمصير الرجل الأجير في قصيدة روبرت فروست:

"لا شيء يدعو للنظر إلى الوراء بفخر،

ولا شيء يدعو للنظر إلى الأمام بأمل".

أتطلع إلى مستقبل عظيم لأمريكا، مستقبل تتطابق فيه قوتنا العسكرية مع قوتنا الأخلاقية، ثراؤها مع حكمتنا، قوتها مع هدفنا. أتطلع إلى أمريكا التي لن تخاف الفضيلة والجمال، التي ستحمي جمال بيئتنا الطبيعية، التي ستصون المنازل والميادين والمتنزهات الأمريكية العظيمة والقديمة لماضينا القومي، والتي ستبني مدنًا جميلة ومتزنة لمستقبلنا.

أتطلع لأمريكا التي ستكافئ الإنجاز في الفن كما تكافئ الإنجاز  في المهن أو إدارة الدولة.

ينبغي ألا ننسى أبدًا أن الفنّ ليس شكلًا من أشكال الدعاية، بل شكل من أشكال الحقيقة

أتطلع لأمريكا التي سترفع باطراد معايير الإنجاز الفني، والتي ستتيح باستمرار الفرص الثقافية لجميع المواطنين.

اقرأ/ي أيضًا: تشارلز سيميك والكتابة في العتمة

وأتطلع لأمريكا التي  تفرض الاحترام في جميع أنحاء العالم، ليس فقط لقوتها ولكن لحضارتها كذلك.

وأتطلّع إلى عالم يكون آمنًا، ليس فقط للديمقراطية والتنوع لكن أيضًا للتميز الشخصي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أجمل 6 أفلام عن الشعر والشعراء على الإطلاق!

"أمريكا والإبادات الجنسية".. حفريات الهولوكوست الأمريكي