05-نوفمبر-2015

كرسي التدريب لا يعترف بالوفاء (ستيورات ماكفرلاين/Getty)

"امنَحني ألقابًا أترُككَ تُدرِّبُ ما استَطعت"، هذا هو القانونُ الثابِتُ الذي يُحّدِدُ علاقةَ أيِّ مدرِّبٍ مع ناديه في أيِّ رياضةٍ من الرياضات وخاصةً في كرةِ القدم، اللعبةُ الأشهرُ والأوسعُ انتشارًا، وهي الرياضة التي تُصرف عَلَيها مليارات الدولارات سنويًّا من أجل حصد الألقاب والبطولات.

 المدرِّبُ الذي يحقِقُ أكبرَ عددٍ ممكنٍ من البطولات والجوائز المحليّةِ والقاريّة مع ناديه تكون له الفرصةُ بالبقاءِ على سُدَّةِ التدريب، أمّا العجزُ عن تحقيقِ الانتصارات والتتويجات فسيكون عقابُه، مقصلةُ الإقالة عن كرسيٍّ لا يعترفُ بالديمقراطيّة.

أحرز فيرغيسون سبعة وثلاثين لقبًا مع المان يونايتد خلال سنواته التدريبية

آلاف المدربين حول العالم تعاقبوا على استلامِ مسؤوليّة الإدارة الفنيّة لأندية كرة القدم، ولكن أعدادًا محدودة منهُم عمَّرَت على كرسي التدريب مع فريقٍ واحد، وهذا يعود إلى عشق المدرب للنادي الذي يدرّبَهُ، وعلاقَتِهِ الجيّدة مع المُلّاكِ والجماهير، أو إذا ما كان هذا المدرّبُ لاعبًا سابقًا للنادي. والأهمُّ من هذا كلّه فإنّ السبيلَ الوحيدَ لكي يبقى المدرّبُ وقتًا طويلًا مع نادٍ واحد، هو حَصده لعددٍ كبيرٍ من الألقاب وتحقيق الإنجازات.

في كرة القدم مدربّون عمرّوا على كرسي التدريب، إلى أن أصبحوا جزءًا من أنديتهم، وبعدها جزءًا من تاريخ هذه النوادي.

غي رو - فيرغسون - فينغر

أكبرُ عجائزِ كرةِ القدم ملكيّةً لكرسيِّ التدريب، الفرنسي غي رو مدرِّبُ نادي "أوكسير" لستة وثلاثين عامًا بدأها في العام 1961. اضطرّ العجوزُ الفرنسي إلى ترك "أوكسير" بعد عامٍ واحدٍ من توليه كرسيّ التدريب عن عمر ثلاق وعشرين سنة، بحُجّةِ التجنيد الإجباريِّ حينها، ليعودَ بعدَها ويُمسِكَ زِمام الأمور، ويبقى مع النادي أربعة وأربعين عامًا بين مدربٍ ومستشار، ويلخِصَّها بعبارةِ "التدريبُ حياتي".

 حقَّقَ رو العديدَ من الألقابِ مع النادي الفرنسيّ، ليُحَافِظَ على كرسيَّه باردًا وبعيدًا عن حرارةِ الإقالات. عُرِفَ المدرِّبُ الفرنسيُّ بحبِّه للّاعبين، ورغبّتِهِ القويّة بالبقاء معهم حتى خارج الملعب، فَخَلَقَ هذا الأمر نوعًا من الوِدِّ داخل النادي، كما ساهَم بتحسين المستوى داخل الملعب، وساعده على البقاء أطول فترة ممكنة كمدربٍ للفريق.

عجوزٌ آخر عَمَّر على كرسيِّ التدريب لأكثر من ربع قرن من الزمن، هو الأسطورةُ السير أليكس فيرغسون. لم يكن فيرغسون موظفًا بعقدٍ مع نادي الشياطين الحمر مانشستر يونايتد في إنجلترا، بل كان الأساسي في نَهضةِ نادي مدينة مانشستر خلال تسعينيَّاتِ القرن الماضي، فقادَه لعددٍ كبيرٍ من الألقابِ والأرقامِ القياسيِّة، كان أبرزها كَسرُ احتكارِ الغريم التقليدي ليفربول لعدد مرات الفوز بالدوري الإنجليزي الممتاز وهي ثمانية عشر لقبًا.

 قادَ المدرب الاسكتلنديّ نادي مانشتسر لسبعة وعشرين عامًا، نجا خلالها من مقصلة إقالة المدربين، بعد أن أصبح أبًا للألقاب في أوروبا، وملكَ التتويجات في مهدِ كرةِ القدم "إنجلترا". السير "أليكس فيرغسون" أحرز سبعة وثلاثين لقبًا مع المان يونايتد خلال سنواته التدريبية، بينها اثنا عشر لقبًا للدوري الإنجليزيّ، ومرتان في دوري أبطال أوروبا.

 من المدربين الصامدين على كرسي التدريب مع نادٍ واحدٍ منذ سنوات، هو الفرنسي آرسين فينغر، الذي لا يزال ملكًا على مقعد ملعب الاتحاد في لندن للعام الثامن عشر على التوالي. مسيرةُ فينغر التدريبيّة مع النادي اللّندني لم تَكُن حافِلَةً بالتتويجات والكؤوس، ولكن ما قَدَّمَهُ من أسماءٍ واكتشاف مواهِبَ شابّة للنادي اللندني جنّبه الإقالة، كما كان موسِمَ 2003 - 2004 الرافِعَ الأكبرَ للمدرب الفرنسي، حين حقق اللّقب من دون أيِّ خسارةٍ في واحد من أصعب الدوريّات الأوروبيّة، وهذا الأمر ساعده على امتلاك نسبة ستة بالمائة من أَسهُمِ النادي، كان لها دورٌ بارزٌ في عدم إقالتِه فيما بعد عن كرسي التَدريب.

يمتلك آرسين فينغر نسبة ستة بالمائة من أَسهُمِ نادي أرسنال

 يقول مهاجم نادي آرسنال ونجم المنتخب الفرنسي السابق تيري هنري إنّ أبرز مواهب فينغر كانت "نظرتهُ الثاقِبة للّاعبينَ الشباب وقدرته الخارِقَة على اكتشاف مواهب الناشئين في مختلف الفرق، وكان يقوم بشرائِهِم ومن ثمَّ بيعهم بعد تدريبهم لسنوات، ليجني النادي أرباحًا طائلة"، وكان هذا الأمر جزءًا من خطةٍ اتفق عليها المدرب الفرنسي مع ملّاك النادي حافظت على الاستقرار المالي، من دون أن يفقد الفريق مركزه ضمن فِرَقِ المقدمة في "البريمير ليغ".

اقرأ/ي أيضًا: ليفربول في عهدة المجنون

 البقاءُ على كرسيّ التدريب مع فريق واحد يُعتبر من أَصعب الأمورِ في كرة القدم، وخاصةً في هذه الأيّام التي باتت فيها الأموالُ والاستثماراتُ الجزء الأهم بالنسبة للمُلّاك وشركاتِ الإعلان، وتراجعت مبادئ الانتماء والإخلاص لنادٍ واحدٍ مهما تراجع المستوى أو غابت الألقاب.

 وعلى عكس ممارسة لعبة كرة القدم أو غيرها من الرياضات، حيث لكل لاعب خطّ نهاية لمسيرته الاحترافيّة، لا يبدو للتدريب خطّ نهايةٍ واضح، سوى عُقمُ التتويجات، فالمقصلة أو الإقالة لا تَقتَربُ مِنَ المُدرِّب حتى يَبتعدَ هو بفريقِهِ عن منصةِ التتويج. إنَّه الكُرسيُّ الذي لا يعترفُ بالديمقراطيّة ولا بالوفاء.

اقرأ/ي أيضًا: بواش ودي ماتيو والحظ ثالثهما!