حلّ هذا العيد مختلفًا لدى السوريين عن سابقيه على مدى السنوات الطويلة الماضية. فهذا العيد، وللمرة الأولى منذ سنوات، حمل فرحة صادمة خجولة، وترقّبًا ملهوفًا، بعد معلومات أفادت بالإفراج عن دفعات من المعتقلين السوريين في سجون النظام السوري، وخصوصًا سجن صيدنايا.

اختلطت فرحة بعض الأهالي بالإفراج عن أبنائهم بالصدمة من أوضاعهم الصحية والنفسية إثر ظروف الاعتقال وغياب الأمل في نيل العدالة 

فقد تصدرت خلال أيام العيد تفاعلات السوريين مع هذا الحدث، أملًا ورجاءً بأن يكون أحد المفرج عنهم هو الغائب المعتقل/المغيّب، الذي لطالما بكوا فراقه، وجاهدوا ليعرفوا أي خبر عنه، أو لعلّ أحدهم يتعرّف على معتقل من اسمه أو صورته، رغم صعوبة الأمر واستحالته أحيانًا، خصوصًا أن المعتقلين في سجون النظام السوري، ينادَون بأرقام، وتعتبر أسماؤهم من المحرمات الجلّابة للعنة السجّان، وغضبه.

وانتشرت صور لمعتقلين قيل أنه تم الإفراج عنهم للتو في العاصمة دمشق، أطلق سراحهم النظام وتركهم بلا أي دليل أو وسيلة تمكّنهم من العودة لمنازلهم أو حتى السؤال عن طريق عودتهم، ففي حين تمّ التعرّف على البعض منهم، بقي آخرون بلا أي وجهة أو ملجأ، لا سيما وأن بعضهم خرج فاقدًا للذاكرة، أو مختلًا عقليًا ونفسيًا، فهو خرج قبل قليل، من أوحش السجون التي عرفها البشر، سجن صيدنايا "المسلخ البشري" كما وصفته منظمة العفو الدولية.

 

جديد الآن للمشاركة دفعة جديدة تم الإفراج عنهم 139 سجين محرر🙏 شارك المنشور ليصل إلى من يهمه الامر وتاغ لأهالي...

Posted by Ashna Company on Tuesday, May 3, 2022

لماذا الآن؟

الإفراج عن المعتقلين جاء تزامنًا مع "العفو الرئاسي" الذي أصدره بشار الأسد، يقضي  بإخلاء سبيل كل من تم اعتقاله بتهمة "الإرهاب" ما لم يفض لقتل إنسان، ,وهي خطوة لاقت استنكارًا من قبل سوريين اعتبروه عفوًا كاذبًا له مآرب عدة، كالتشويش على مجازر النظام والتهرّب من انتهاكاته الخطيرة، والتي عرف منها مؤخرًا مجزرة حي التضامن التي راح ضحيتها 41 مدنيًا رميًا بالرصاص ثم حرقًا، بحسب تحقيق الغارديان الذي نشر حولها وهزّ العالم. كما فهم من القرار أنّه محاولة تضليل جديدة من قبل النظام السوري ليكون بمثابة رسالة خارجية بأن ثمة إصلاحات تجري وأن الحرب في سوريا قد قاربت على الانتهاء، وأن الوقت قد حان لعودة السوريين إلى بلدهم.

فيما نوّه ناشطون إلى أن العفو شمل فقط المادة 19 من قانون الإرهاب 2012 ولم يشمل المواد 20،21، وكذلك لم يشمل المواد 285-286-287-291-292-293-306-307 من قانون العقوبات العام، وهي المواد التي توجه للناشطين والمعارضين السياسين عادة. كما اتهمت منظمات حقوقية، بينها هيومن رايتس ووتش، النظام السوري باستغلال قوانين مكافحة الإرهاب "لإدانة ناشطين سلميين"، وارتكاب ضروب شتّى من  التعذيب في السجون، كالاغتصاب والاعتداءات الجنسية، إضافة الإعدامات خارج إطار القانون. 

وقد حذر المرصد السوري لحقوق الإنسان من محاولة نظام بشار الأسد، عبر هذه الخطوات استغلال هذه المأساة البشرية المفتوحة بحسب وصف منظمات حقوقية عالمية من أجل التغطية على الانتهاكات الخطيرة التي ارتكبتها أجهزته الأمنية في سجونه ومعتقلاته منذ 2011. 

بلا قوائم رسمية

لم تصدر قوائم رسمية بأسماء المعتقلين الذين تم الإفراج عنهم من قبل النظام، كذلك لم يوثّق بشكل دقيق عددهم أو أسماؤهم من قبل منظمات حقوقية واجتماعية، بل ونُشرت بعض الأنباء الكاذبة. مؤسس "رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا" دياب سرية قال في حديثه لموقع ألترا صوت، إن عدد الذين تم توثيقهم حتى اللحظة بالاسم أو العدد من قبل الرابطة حوالي 250 شخصًا، وبصعوبة بالغة، فيما أشار إلى وجود معلومات خاطئة حول أسماء المفرج عنهم، يتم تداولها حاليًا، وتعود لقوائم قديمة تتعلق بسجون أخرى أو أسماء مطلوبين للنظام، مردفًا أن من بين المفرج عنهم مَن أطلق سراحه من سجون مدنية، كسجن السويداء أو حمص وغيرها، كانوا سجناء فيها بعد أن تم تحويلهم إليها من سجن صيدنايا.

 

بعض من قوائم المعتقلين الذين تم الإفراج عنهم و التي تم نشرها

Posted by ‎شبال ابراهيم‎ on Monday, May 2, 2022

وتبرز المفارقة عند النظر إلى حشود أهالي وذوي المعتقلين الذين ملأوا الطرقات واحتشدوا بانتظار الافراج عن معتقلين ضد الرئيس، في مكان يسمى "جسر الرئيس" بموجب "عفو الرئيس".

ووصف سوريون حشود الأهالي واستمرار تدفقهم إلى منطقتي جسر الرئيس وصيدنايا بأنهم ينتظرون "قيامة أبنائهم من بين الأموات"، في إشارة إلى أن الأحياء داخل سجن صيدنايا، أموات.

 

جسر الفرج : كتظاهرة غير مسبوقة ، النساء : أمهات ، جدّات ، زوجات ، صبايا جميعهن هنّ الأغلبية التي تنتظر ! للناس في...

Posted by ‎جورج ميخائيل‎ on Tuesday, May 3, 2022

ذاكرة القلب

في خضمّ الحديث عن المعتقلين الذين تم الإفراج عنهم، وانتظار وحسرة قلوب لم تلق أحبتها بعد، كتب أبو عمر الحمصي قصة ابن خاله الذي كان من بين المولودين للحياة مجددًا، "خرج ابن خالي البارحة من سجن صيدنايا، فاقدًا للذاكرة تمامًا ولا يذكر سوى زوجته، التي تزوجت بعد غيابه أحد عشر عامًا، وبعد أن قالوا لها بأنه ميت... كمية القهر التي تلفح قلبي لا شبيه لها.. عندما تتحدث إليه تجد في ملامحه ألفة نحوك لكنه لا يذكر إلا زوجته"، مؤكدًا على عمق الأسى و"عظمة ذاكرة القلب" التي يمتلكها ابن خاله.

 

خرج إبن خالي البارحة من سجن صيدنايا فاقد للذاكرة تمامًا ولا يذكر سوا زوجته التي تزوجت بعد غيابه أحد عشر عام وبعد أن...

Posted by Abu Omar Al-Homsi on Tuesday, May 3, 2022

من جهته، غرّد الناشط ظلال قطيع عبر حسابه في تويتر، مهنئًا نفسه وابن خالته، بالحرية من سجون الأسد، بعد أن "كُتب له عمر جديد"، عقب اعتقال دام مدة 7 سنوات في سجن صيدنايا.

وبنظرة سريعة على التعليقات ضمن أي منشور أو تغريدة على مواقع التواصل الاجتماعي، تتحدث عن نيل أحد المعتقلين حريته، تتضح معاناة السوريين، ولوعة قلوبهم وغصة فراق أحبتهم، فهم يسألون بلا كلل أو ملل كلما سمحت أو لم تسمح الفرصة، إذا كان أحدهم قد قابل فلان في المعتقل أو سمع عنه، حتى ذاك الذي وصل خبر موته من قبل.

 

وتقاطعًا مع ما ذُكر، كتب الصحفي عمر مدنيه عبر تويتر، "حدثني صديقي عن أبناء عمه الاثنين الذين خرجوا أمس من صيدنايا، صدمة أهالي المعتقلين كانت بأن شبيحة الأسد سلموهم شهادات وفاة بأسمائهم، وأشاروا لهم على مكان قبورهم على أساس أنهم توفوا بالمعتقلات وأمس خرجوا".

بدوره، طالب الصحفي زكي الدروبي بإطلاق سراح الجميع، وكشف مصير المفقودين، معتبرًا أن الإفراج عن المعتقلين، أمر طبيعي لا فضل ولا منية للنظام به، لا بل يجب أن يحاسب على اعتقال الناس لاعتناقهم آراء مخالفة لرأيه، وعلى كل الجرائم الأخرى، حسب قوله.

 

خروج بعض من كان معتقلا في سجون الطاغية خبر مفرح، لكني أريد إطلاق سراح الجميع، وكشف مصير المفقودين. #الحرية_للمعتقلين أمر...

Posted by ‎زكي الدروبي‎ on Monday, May 2, 2022

وتشير التقديرات إلى وجود أكثر من 250 ألف سوري في معتقلات نظام الأسد، منذ عام 2011، بينما تتحدث تقارير حقوقية عن مقتل الآلاف من المعتقلين في داخل السجون، تحت التعذيب أو بسبب ظروف الاعتقال التعسفي.