15-يونيو-2016

تفجير بنك "لبنان والمهجر" ببيروت(باتريك باز/أ.ف.ب)

غاب مسلسل الانفجارات عن لبنان لفترةٍ طويلة. عادت الحركة السّياحية جزئيًا. بدأ القطاع الاقتصادي ينفض غبار الأزمة الأمنية السّابقة عنه. انصرف اللبناني لحلّ مشاكل مزمنةٍ يعاني منها كأزمة النّفايات، أجريت الانتخابات بلا أي تهديدٍ أمني، الوضع يكاد يكون طبيعيًا، لولا أن تخرقه عبوةٌ صغيرةٌ ألصقها مشتبهٌ به على الجدار الخارجي لبنك "لبنان والمهجر".

تفجير بنك "لبنان والمهجر" تحول إلى مادةٍ للاستثمار السياسي، بين اتهام خصوم حزب الله له بالتفجير، وبين دفاع حلفاء الحزب عنه في إشغال متعمد عن إلحاحات الحالة اللبنانية

التّفجير، كأي شأنٍ لبناني، تحوّل إلى مادّةٍ للاستثمار السياسي، بين اتهام خصوم حزب الله له بالتّفجير، وبين دفاع حلفاء الحزب عنه واتهامهم طرفًا ثالثًا أو طابورًا خامسًا بالتفجير لأهداف خاصّة، وحده وليد جنبلاط، رئيس الحزب التّقدمي الاشتراكي غرّد خارج السّرب، واتهم إسرائيل بتدبير التّفجير تهديدًا للاقتصاد اللبناني.

اقرأ/ي أيضًا: اقتصاد لبنان.. ما ذنب اللجوء!؟

السيناريو الأول: حزب الله والرّسالة الملغومة

أطلّت إحدى المراسلات التّلفزيونية مباشرةً من مكان التّفجير، استهلّت رسالتها بالتّنويه إلى أن البنك المستهدف، "لبنان والمهجر"، هو من أوائل المصارف التي أحكمت الطّوق على أشخاصٍ محسوبين على حزب الله، ونفّذ البنك العقوبات الأمريكية، لا بل "تجاوزها" في بعض الأحيان. واشتكى بعض المودعين في البنك من الإجراءات، قائلاً إن "أمواله في الولايات المتحدة محمية بفعل القانون الأمريكي، في حين أن "لبنان والمهجر" يفرض عليه عقوبات أمريكية!".

الاتهام/التلميح الإعلامي المبكر نحو أذرع حزب الله بديهي جدًا، بحكم علاقة الحزب المتوتّرة مع المصارف، لا سيما "لبنان والمهجر"، إلى جانب المعرفة من تجارب سابقة بأساليب الحزب في التنفيس عن أزماته وتصديرها بنقل النار إلى ملاعب الآخرين، خاصة في ظل توفر الإمكانيات المباشرة المعلنة لدى حزب الله على امتداد قرى وبلدات الجنوب اللبناني للتحرك ضد فروع البنوك، لكن يبدو أن القرار الداخلي في الحزب يشير إلى الابتعاد عن الاصطدام المعلن مع المصارف، نظرًا لحساسية الموقف!

السيناريو الثاني: عملُ مخابراتي والمستهدف الأمن

يبعد مكان التّفجير عشرات الأمتار عن مقرّ وزارة الدّاخلية. ربما أراد المفجّر إيصال رسالةٍ واضحةٍ للوزير نهاد المشنوق، أننا نعرف أين أنت، وأي طرقٍ تسلك، ومن معك. هذه الفرضية مرجّحة عند الأجهزة الأمنية، والتّخوف من عملٍ أمني سبق وأن ألمحت إليه السّفارات الأجنبية ومنظمات الأمم المتحدة، في رسائل أرسلت لمواطني السّفارات وموظفي المنظمات، الأجنبية العاملة في لبنان تحذّرهم من سلك تلك الطّرقات أو زيارة منطقة الحمرا ومحيطها، أي مكان التّفجير.

فهم السّياسيون الرّسالة، فالصّف الأول منهم صرّح مباشرةً أن العمل مخابراتي استخباراتي هدفه ضرب الأمن وتقويض الاقتصاد، داعين لانتظار التّحقيق، فلبنان ساحةٌ مفتوحة أمام جميع أجهزة المخابرات، ويكتب في هذا الصّدد ضابطٌ سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA، أنّ "لبنان كان ساحة تدريبية نشطة، نفذّت فيها وكالة الاستخبارات الأمريكية العديد من العمليات بالتّنسيق مع أجهزة مخابراتٍ عديدةٍ متواجدةٍ في لبنان".

قد تهدف الأجهزة الاستخبارية لزيادة الانقسام العمودي في لبنان، فتوقيت التّفجير، واختيار مكانه تمّا بدقةٍ كبيرة، لتفادي سقوط ضحايا وإيصال رسالة محدّدة، ما يعطي بعض الزخم الإضافي لهذا السيناريو أنه ليس بالجديد أيضًا على لبنان، وبيروت تحديدًا، على الأقل منذ انطلاق حربها الأهلية، 1976، مرورًا بمجمل حروبها المعلنة والخفية حتى اللحظة.

لا يمكن إقصاء سيناريو أن يكون تفجير بنك "لبنان والمهجر" عملًا مخابرتيًا استخباراتيًا هدفه ضرب الأمن وتقويض الاقتصاد

اقرأ/ي أيضًا: لمَ علينا الرحيل من لبنان؟

السيناريو الثالث: إسرائيل؟!

اتهم النائب وليد جنبلاط إسرائيل بالتّفجير، واستغلال أزمة حزب الله مع المصارف لتوريطه أكثر فأكثر، إضافةً إلى تقويض الاقتصاد اللبناني ومحاربة القطاع الأنجح فيه، أي المصارف. اتهام جنبلاط يبدو الأبعد عن الواقع أو التّوقع، فمنذ اغتيال الحريري والاتهامات محصورة بالنّظام السّوري وحزب الله أو الجماعات الإسلامية الراديكالية، لكن، بالعودة إلى مرحلة 2005-2006، أي تاريخ اغتيال الحريري، والمحكمة الدّولية من بعده، يبرز اتهام جنبلاط كأكثر السيناريوهات واقعية.

منذ ما بعد اغتيال الحريري، وتسعى إسرائيل جاهدةً للتعرّف على هيكلية القطاع المصرفي اللبناني، طمعًا منها بإنشاء قطاعٍ شبيه، ينافس اللبناني الأقوى شرق أوسطيًا، والذي نجح بتجاوز الأزمة العالمية السّابقة التي أسقطت العديد من الاقتصادات ومنها دبي. لم تفلح السُبُل الإسرائيلية، لا عبر وسطاء ولا عبر المحكمة الدّولية، فالمصارف امتنعت عن رفع السّرية عن الحسابات أو كشف الهيكلية، بعد توجيه طلباتٍ لها بضرورة فعل ذلك خدمةً "لمسار التّحقيق وتحقيقًا للعدالة". اتهام إسرائيل جائزٌ دائمًا، ودخولها على الخطّ يعني مواصلتها المحاولة لخرق الاقتصاد اللبناني والنّظام المصرفي، اليوم، بقناع العقوبات الأمريكية.

أمام هذه السّيناريوهات، يبقى التّحدي الأبرز هو الحفاظ على القطاع المصرفي بالرّغم من كونه العلّة الرئيسية لفقراء البلد، لكن لا يمكن إنكار قوّته وحاجة الاقتصاد الوطني إليه. الأيام كفيلةٌ بكشف المنفذين للتفجير، أو طيّ الملف كلّيًا، مع أن الشّارع المستهدف مليء بالكاميرات التي قاتل نواب المستقبل لأجل تمرير مشروعها، برعاية بلدية بيروت السّابقة برئاسة بلال حمد، المشروع الذي تعدّت تكلفته 30 مليون دولارًا أمريكيًا في وقته، في أول اختبارٍ له، فشل كلّيًا، فصور الكاميرات غير ذات جودةٍ ولا دقّة عالية فيها، فلم يظهر وجه المشتبه به، ولا رقم سيارته واضح.

اقرأ/ي أيضًا:

سدّ "جنّة" في لبنان: جهنم الطبيعة؟

لبنان.. ولاية الفراغ