في واحدةٍ من تجلِّياتهِ الفكرية الجميلة، يكتب الشاعر والأديب المغربي عبد اللطيف اللعبي أن "التافهين آلهةُ اللحظة"، ستجدُ ذلك في كتابه المهم "مجنون الأمل". كتب ذلك في الثمانينيات، لم تكن ظواهر مثل النشر الإلكتروني والفيسبوك قد ظهرت بعدُ، أما وقد غُزينا بالكمّ الرّث من سيل الهراء الذي يُدعى تجوّزًا "بالكتابة الإبداعية"، وآلهة اللحظة يتكاثرون مثل بعوض المُستنقعات ويتعملقون إلى الدرجة التي يحجبون فيها ضوء الشمس، فتلك مصيبةٌ لا يقوى اللعبي وحده على تحملها، ولا بدَّ من مُعين.

يصنعون المطبّلون على السوشيال ميديا أكاذيب تطغى بفعل سلطة التكريس إلى مرتبة الأمر الواقع الذي لا مناص من أن نتقبّلهُ لاحقًا!

ظهرت لدينا مُعضلةُ الغبي المشهور، ذلك الذي يكتب أي شيء ويجد قطيعًا يُسَبّح بحمده ويُقَدِسُ له. كتب عن هذه الظاهرة الصديق الروائي مرتضى كَزار قبل أيام، الذي لا يعلمهُ القطيع من المُطبّلين أنّهم بهذا يخلقونَ وهمًا جديدًا ندفعُ نحن ضريبة وجوده، إنّهم يصنعون كذبة تطغى بفعل سلطة التكريس إلى مرتبة الأمر الواقع الذي لا مناص من أن نتقبّلهُ نحن الذين نعرف البئر وغطائه.

اقرأ/ي أيضًا:

إذًا، علينا والحالةُ هذه أن نختار أحد خيارين: أما أن نصفق للغباء وتكريسه، أو أن ننحاز إلى معايير الجمال الحقيقية ونقول للحمار أنت حمار وابن ستين حمار!

عند شعوب الله المحترمة، يُعامل الكُتاب والشعراء والمبدعون الحقيقيون بشكل لائق. فعندما يُريد أستاذ أن ينصح تلميذًا يستشهد بجملةٍ لفوكنر أو بروست. وأيضًا عندما أراد بيل كلنتون أن يلفت نظرَ غابرييل غارسيا ماركيز وهم جلوسٌ الى مأدبة العشاء في البيت الأبيض التي أُقيمت على شرفهم، قال ماركيز: "دهشنا عندما قام الرئيس كلنتون وقرأ لنا عن ظهر قلب صفحتين كاملتين من إحدى روايات وليم فولكنر".

نهضةُ الغرب لم تقم بتفاحة اسحق نيوتن ولا تجارب جميس واط في القوة البخارية وحسب، بل قامت على أكتاف تشارلز ديكنز وفلوبير وغوته وشيلر، وهؤلاء لم تُخلِّدهم مجتمعات بذائقة سقيمة ونفاق رخيص، بل خبرت عظمة نتاجاتهم وتغذت عليها.

يكتب الغبي، خصوصًا في الفيسبوك، فتنهالُ عليه علامات الإعجاب بالمئات إذا لم نقل بالآلاف، ومثلها من التعليقات، وكلُّها تصنعُ منهُ إلهًا صغيرًا، المصيبة تأتي لاحقًا، عندما هذا يغدو الغبي المشهور مرجعًا وحَكمًا.

هناك من يقتل الحقيقي بتكريسه للزائف، إنّ صنع الغبي المشهور، والذي سيتحول الى "بلوة سودة" فيما بعد، يشبه الى حدّ كبير ما قاله الشاعر الفرنسي بول فاليري: "الأسد هو مجموعٌ لخرافٍ مهضومة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

غوغل.. الأخ الأكبر الجديد

المنصّات فقاعة وهمٍ