31-مايو-2016

من وجوه المدنية (الأناضول)

انتهت الانتخابات البلدية في لبنان بمفاجآتٍ عديدة. التحالف الشيعي، حزب الله-أمل، لم ينجح بفرد سطوته بشكلٍ نهائي على مناطق وجوده، التّحالف المسيحي، التيار الوطني الحرّ - القوات اللبنانية، لم يكسر البيوت والعائلات في الشّمال وجبل لبنان، بل لم يستطع إقناع قاعدته الجماهيرية بجدوى التحالف وأهميته. جنبلاط وحزبه يغرّدون في مكانٍ آخر.

اعتاد اللبنانيون على منح طرابلس ثقتها لتحالف الحريري-ميقاتي، منذ ما بعد 2005، لكن في 2016، كان لطرابلس رأي آخر

اقرأ/ي أيضًا: انتخابات الجنوب.. كسر الاحتكار

اعتاد اللبنانيون على منح طرابلس ثقتها لتحالف الحريري-ميقاتي، مع أريحية دائمة منذ ما بعد 2005، اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري. في 2016، كان لطرابلس رأي آخر، فقراء المدينة ملّوا الوعود. "ألترا صوت" جال في طرابلس، يجتذبك للوهلة الأولى عربات الفواكه المنتشرة، وعربات بائعي عصير الليمون والقصب، أسعار السّلع في طرابلس لا تزال على حالها منذ التّسعينيات، يبتسم عمر، بائع الليمون خلف عربته بعد سؤاله عن من انتخب، قبل أن يبادر بالحديث: "من زمان وأنا بنتخب زي ما هي، حالة طرابلس من زمان زي ما هي، بيوعدونا بيوعدونا، وعالوعد يا كمّون"، يسلّم على جار العربة قبل أن يشير إلى صورة وزير العدل المستقيل، أشرف ريفي.

نجح ريفي حيث فشل خصومه، شدّ العصب الطّائفي، فالحريري انتهج نهج الاعتدال، الصفدي غائب، كرامي برأي عديدين يمثل قوى 8 آذار وحليف الحزب العربي الديمقراطي، المتهم رئيسه رفعت عيد بالتّخطيط لتفجيري مسجدي السلام والتقوى، وميقاتي بذهن الطرابلسيين هو رئيس حكومة القمصان السّود، أي الحكومة التي نشأت على أنقاض حكومة الحريري المقالة عام 2010.

ريفي بدأ حملته منذ تقاعده من منصب المدير العام لقوى الأمن الداخلي، فتح بابًا للطرابلسيين، حمل لواء الدفاع عنهم، زار أحياءً ظنّ أهلها أن المسؤول لا ينبغي أن يزورها، دخل التبانة، أحد أحياء طرابلس الفقيرة التي اشتهرت بالاشتباكات مع جيرانها في جبل محسن. في وجدان اللبنانيين، "باب التبانة"، حي يجمع زعماء محاور الاشتباك الطائفي، لكن فور دخولك الحي، تستقبلك البنايات التي حفرت الشظايا فيها معاني الحرمان والإهمال، أطفال الحي اختاروا الأزقة ملاعبًا لكرة القدم، بائع هنا وسيدة تتسامر مع جارتها هناك، تبحث عن صور الحريري وأعلام المستقبل فلا تجدها إلا نادرًا، وجدوا في ريفي المخلص الموعود، يسمع شكواهم ويتفهم غضبهم، يرفض مظلوميتهم وينشأ المشاريع لفتح كوة في جدار الحرمان.

اقرأ/ي أيضًا: لبنان.. "أم خالد" والطّبيعة الموروثة

ريفي بدأ حملته منذ تقاعده من منصب المدير العام لقوى الأمن الداخلي، فتح بابًا للطرابلسيين ودافع عنهم، وزار أحياءً ظنّ أهلها أن المسؤول لا ينبغي أن يزورها

لطالما ركب الزعماء الموجات الطائفية السياسية لركوب موجة طرابلس ومصادرة قرار أهلها، طرابلس المتضامنة مع الثورة السورية ملّت النهج ذاته، لا يعني أهلها أي تحالفٍ هجين لن يقدم للمدينة شيئًا أو يؤخّر، تجربة البلدية التوافقية السابقة لا تزال حاضرةً في الأذهان، النقمة الشعبية تترجمت في الصناديق، لا صناديق المساعدات الدائمة، بل صناديق الاقتراع، صوّت الناس لمن يفي بوعد إنشاء مرفأ بحري ينعش طرابلس اقتصاديًا ويخلق العشرات من فرص العمل، لمن يؤهّل بنيتها التّحتية، من طرقاتٍ وأرصفة وشبكات صرفٍ صحّي، لمن يحمي أهلها من الموت على أبواب المشافي بسبب الفقر، لا يعني الطرابلسيين المشاريع السياسية بقدر ما يعنيهم رفع الحرمان والعوز.

على الرغم من انتصاره، يسجّل على ريفي عدّة نقاطٍ سوداء، تبدأ بخطابه التّعبوي التّجييشي ولا تنتهي عند افتقاره كسياسي، إلى الآن، للبرنامج التّنموي العملي، الخطاب قد يجذب الناس لكن لن يسدّ حاجاتهم، الشّعبوية قصيرة الأمد محدودة الجمهور، وريفي الذي غُيّب عن لائحته المسيحيون والعلويون، بدأ زعامته بصورة الزعيم الطائفي، أي حصر نفسه تلقائيًا بعنق الزّجاجة ولن يفلح في الخروج منها. الناس اختارت ريفي لتوقها لزعيمٍ بموقفٍ واضحٍ حتّى ولو كان سلبيًا، لكن، باختيار ريفي، هذا معناه أن مدينة بأكملها اختارت معاداة نصف الشّعب اللبناني، أي 8 آذار ومناصروها، بذلك تثبّت خيار الفيدرالية وترسّخ، ولو مقنّعة.

انتصار ريفي الطّرابلسي سيفيد الطرابلسيين بالدّرجة الأولى، حيتان المال الذين هزموا في الانتخابات، سيسعون جاهدين لتغيير استراتيجياتهم بالتّعاطي مع النّاس، بدل تجويع النّاس وإفقارها، سيسعون لإيجاد مشاريع خدماتيةً تعيد الناخب المتمرّد إلى حضنهم، بالمقابل سيسعى ريفي جاهدًا بدوره لتقديم خدماتٍ يحافظ من خلالها على شعبيته الجديدة العريضة، المؤكّد، أن الناخب في الجنوب والبقاع، الناخب البيروتي والصيداوي، كما الناخب الشمالي، الكسرواني والمتني، أرسلوا رسالةً واضحةً للسياسيين، أن زمن الخضوع قد ولّى، أما ردّ السّياسيين، فبالعودة إلى قانون السّتين، وإقصاء خيار النّسبية، لأن النّسبية، تعني انتحارهم.

اقرأ/ي أيضًا:

انتخابات بيروت.. وحدها "بيروت" غير معنية!

الانتخابات البلدية اللبنانية.. "مكانك راوح"