22-سبتمبر-2015

يستسهل البعض التطبيع (Getty)

عدة صور تجمع لبنانيين مع إسرائيليين منذ مطلع هذا العام. إنه عام التطبيع الرخيص، الذي ينشط رغم الجدل القائم على الصور السابقة وفي ظل سكوت السلطات اللبنانية وعدم تدخلها لحسم الموضوع.

في عرضٍ بسيط، يتوجب المرور أولًا على صفحة "Stand With Us" الإسرائيلية على موقع فيسبوك. صورة لشبان لبنانيين وإسرائيليين معًا يرفعون علمي لبنان وإسرائيل ويبدون مصممين على أخذها. صورتان أخريان، شاب من أصل لبناني يدعى "فابيان معماري" يظهر في الأولى مع جنود إسرائيليين، وفي الثانية مع شاب إسرائيلي. لا أحد يعرف من هو فابيان هذا، وإن كان قد سمع بقانون العقوبات اللبناني، الذي يجرّم التواصل مع العدو، وتاليًا، التقاط الصور الغبية معه. تعمل المنظمة، كما يشير التعريف عنها على موقعها الرسمي، بهدف مكافحة المتطرفين ومناهضي الساميين. وفابيان، لا يعرف أن التطرف الذي يحاربه، يبتسم إلى جانبه في الصورة، بزي الجندي الإسرائيلي. هل ثمة حالة متطرفة في العالم أكثر من جيش الاحتلال الإسرائيلي؟

يشير التعريف أيضًا، الخاص بالمنظمة، إلى أن "المعرفة هي سبيل للسلام". معرفة ماذا يا فابيان؟ الجيش الإسرائيلي؟ يتوجب عليك أن تسأل الأطفال في غزة وقانا. لا يحتاج الجيش الإسرائيلي إلى معرفة.

تعيد الصور المنشورة أخيرًا إلى مناسبات عدة. أحدها كما ذُكر في أسفلها إلى مسابقة Utra Music Festival التي حصلت في كرواتيا هذا العام. كتب القائمون على الصفحة الإسرائيلية في شرح الصورة: "لبنانيون وإسرائيليون يقفون جنبًا إلى جنب في مهرجان Ultra Music Festival في كرواتيا. وإن لم تطلق إسرائيل صواريخها على كرواتيا، فهذا لا يعني أبدًا أنها مسالمة. "مثل آخر كيف يمكن للموسيقى أن تُوحّد"، كُتب في أحد التعليقات. سؤال آخر: توحد ماذا؟ الجلاد والضحية؟

أحد الشبان اللبنانيين شارك صورته مع جنود إسرائيليين ودعا إلى الحب!

الصفحة نفسها نشرت صورة لشاب فلسطيني مع شاب إسرائيلي يلتفون بالعلمين الإسرائيلي والفلسطيني في المهرجان نفسه وقد كتب في الشرح أسفل الصورة : "الموسيقى تكسر الحواجز". يا له من مهرجان كريه إذًا. بالإضافة إلى ذلك، تنشر المنظمة على صفحتها على الفيسبوك أخبارًا عن تعامل شركات كبيرة مع إسرائيل وأخبار أخرى تخدم إسرائيل ومصالحها. أما صور الشاب اللبناني فقد ذكر في تعريف إحداها حيث يظهر مع الشاب الإسرائيلي وهو يقبّله: "الحب هو أقوى من الكره أيَ كان، عنصرية، رهاب مثلية ..". الشاب نفسه في صورته مع الجنود الإسرائيليين كتب الحوار الذي دار بينهم في التعريف عن الصورة والتي نشرتها المنظمة (stand with us) كما العديد من الصفحات التي تروّج للتطبيع مع إسرائيل. وغالب الظن، أننا في لبنان نقطع شوطًا طويلًا للتخلص من رهاب المثلية وفي محاربة العنصرية ضدّ الإسرائيليين، بينما لا يستطيع الإسرائيليون إخفاء عنصرّيتهم تجاه العرب بمثل هذه "الحركات القرعة"، أي شاب يقبّل شابًا، أو شابان يلتفان بعلمين، وما إلى ذلك من بروباغندا رخيصة.

في أية حال، لطالما أثارت هذه الصور جدلًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد تداول معظم مستخدميه اللبنانيين أهمية محاكمة الفريق اللبناني والتحقيق بالحادثة. وقد رأى آخرون أن الأمر مستفز ومخجل للغاية باعتبارهم أن إسرائيل احتلت لبنان وقتلت الآلاف. بينما تكاثرت التعليقات الإيجابية على الصورة نظرًا منهم إلى أن الموسيقى هي اللغة العالمية وعلينا نبذ الحرب والوصول إلى السلام، والتي تتماشى مع هدف الصفحة ألا وهو الترويج للتطبيع مع إسرائيل. غير أن موقف مقاطعة إسرائيل وعدم تطبيع العلاقات معها هو موقف أخلاقي بالدرجة الأولى ويجب على الجميع الالتزام به. وهذا ليس للنقاش، اليوم أو بعد مائة عام.

لا يمكن أن ننسى صورة هبة طوجي مع المتسابقة الإسرائيلية في برنامج ذا فويس الفرنسي وهي تبتسم بسذاجة

بعد تكرار التجربة لمرات عديدة، يجب على الحكومة اللبنانية إعطاء موقف واضح إزاء هذا الأمر. فالقانون اللبناني يحظر على جميع اللبنانيين "الصلات غير المشروعة بالعدو والتعامل مع رعايا دولة معادية" تحت طائلة المحاسبة القانونية. غير أن تكتم الجهات المعنية عن الموضوع رغم تكراره يطرح سؤالًا مهمًا: "هل أصبح التواصل مع العدو الإسرائيلي أمرًا عاديًا؟

موقف الحكومة يجب أن يأخذ في عين الاعتبار تكرار الأمر، والتعامل معه كمزحة دائمًا.

المرة الأولى هي صورة ملكة جمال لبنان سالي جريج مع ملكة جمال إسرائيل في مسابقة "ملكة جمال الكون". ذلك "السيلفي" الخاطف الذي تقول جريج إنها وقعت ضحيته.

المرة الثانية هي صورة المغنية اللبنانية هبة طوجي مع المشتركة الإسرائيلية في برنامج "ذا فويس" الفرنسي. ومشاركة طوجي في ذلك المهرجان "بهدلة" للبنان بحد ذاتها، فكيف إن تطور الأمر إلى التقاط الصور مع الإسرائيليين وتوزيع الابتسامات.

المرة الثالثة هي تلك التي تضم الفريق اللبناني والإسرائيلي في مسابقة Ultra music festival في كرواتيا. ذلك المهرجان البائس.

المرة الرابع هي صور الشاب اللبناني مع الجنود الإسرائيليين. يستحق هذا عقابًا مضاعفًا على سذاجته لا على التقاطه الصور مع جيش قاتل وحسب.

كل ما صدر عن الجهات المعنية هو فتح تحقيق بالموضوع خلال موقف غير رسمي، وما زلنا نترقب نتائج هذا التحقيق التي يبدو أنه – كما يحصل في كافة القضايا اللبنانية - يتم لملمته والسكوت عنه وعدم الرجوع إلى فتح القضية مرة أخرى. وفي حالة الصور الأخيرة، فتساهل السلطات مع الموضوع وتكرار الحادثة قد يكون ما دفع الشباب لفعلها على أنها أصبحت حالة طبيعية بنظرهم. وحتى اليوم، لا جديد في التحقيقات.

اقرأ/ي أيضًا:

 التدوين السوري في مهب الثورة

 الرقيب الإسرائيلي الذي يطاردنا