إعداد: محمود ممدوح

في عام 1976، أُطيح بالرئيسة الأرجنتينية إيزابيلا بيرون على يد الجنرال خورخيه فيديلا، ليمسك بزمام السلطة ويقهر معارضيه بوحشية، وكانت أبشع جرائم "فيديلا" تتمثل في اختطاف معارضيه من منازلهم، مقر عملهم أو حتى من الأماكن العامة وترحيلهم إلى جهة غير معلومة دون أن يُعرف مصيرهم سواء أكانوا أحياء أو في عداد الموتى.

قُدِّر عدد المختفين في "الحرب القذرة"، كما يطلق عليها، حوالي 30 ألف مختف قام فيها رجال الشرطة وعملاء فيدلا بإخفائهم، وكانوا شبابا وفتيات بالإضافة إلى الأطفال والرضع الذين تم اختطافهم من أمهاتهم المعارضات.

بعد سيطرة فيديلا على الحكم وزيادة عدد المختفين، قامت في إبريل 1977 أربع عشرة إمرأة ممن اختفى أبناؤهن بالوقوف في الساحة المقابلة للقصر الرئاسي بالعاصة الأرجنتينية بيونس آيرس محتجات، وواظبن على الوقوف في الساحة كل خميس للمطالبة بالكشف عن مصير أبنائهن، إلا أن الحكومة لم تعر هؤلاء النساء أي اهتمام بل أطلقت عليهن وصف "مجنونات ساحة مايو".

لاقت الأربعة عشرة إمرأة دعمًا واسعًا من النساء الأرجنتينيات وشكلن حركة أسمينها "حركة أمهات ساحة مايو"، وبدأ العدد في الازياد، ما أثار قلق حكومة فيديلا. وإثر ذلك قمعت السلطات التجمع. نادت تلك الحركة بشكل أساسي بالحرية و العدل والإنسانية ومطالبة الحكومة بتحديد أماكن الأطفال والرضع المخطوفين بواسطة الجيش.

كانت التغطية الإعلامية آنذاك بدائية وضعيفة للغاية ناهيك عن خضوع الإعلام والصحف لحكومة فيديلا، ما منع وصول أصوات سيدات ساحة مايو إلى خارج البلاد، ولكن كأس العالم عام 1978 كان بمثابة غيث فرج قادم من السماء.

في عام 1987 أقيمت على أرض الأرجنتين المبارة النصف نهائية لكأس العالم بين منتخبي الأرجنتين وتشيلي، وفاز فيها المنتخب الأرجنتيني على نظيره التشيلي بسداسية نظيفة، توجه الصحافيين الأجانب عقب المباراة إلى ساحة مايو لتغطية الوقفة، وسردت أمهات المختفين للصحافة الأجنبية ما حدث لأبنائهن أمام العالم كله، وكررن مطالبتهن بالبحث عن أماكن اختفاء أبنائهن أو حتى معرفة إذا ما كانواعلى قيد الحياة أم لا.

كانت ساحة مايو تزعج فيديلا كثيرا، ووجهت له ضربات عدة جعلته في مأزق وأحرجته على الصعيد الدولي، على إثر ذاك الاحتجاج طويل الأمد ترك فيديلا الحكم عام 1981، لينقسم العسكريون من بعده ويقوموا بعدة انقلابات أخرى على بعضهم البعض، ولكن الجيش الأرجنتيني ورّط نفسه في حرب مع بريطانيا للسيطرة على جزر فوكلاند خسر إثرها المعركة واعتزل العسكر السياسة، لتعبر الدولة الأرجنتينية إلى بر الديمقراطية عام 1983 حتى يومنا الحالي.

وبذلك أصبح نضال "حركة أمهات ساحة مايو" سببًا في القضاء على الديكتاتورية العسكرية، وظلت النساء يتظاهرن كل خميس حتى عام 2006 تذكيرا لما حدث لأبنائهم الذين لم يتم العثور عليهم.

شاهد/ي أيضا:

شعوب أسقطت انقلابات.. تشيلي

ميزانية الجيش في دول العالم.. كيف ترصد ومن يحددها؟