عوّدتنا جماعة الإخوان المسلمين منذ اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير، على المواقف التي لا تُحسد عليها، فبالرغم من تاريخ الجماعة النضالي إبّان عصر المخلوع حسني مبارك، إلا أن تعاملها مع دولة مبارك العميقة كان متباينًا للغاية، فمن تهادنٍ مع المجلس العسكري بعد الثورة، إلى تقريب رأس وزارة الدفاع من الجماعة الذي وصل إلى حد ادعاء بعض قيادات الجماعة في لقاءات توضيح الرؤية للصف الإخواني، أن عبدالفتاح السيسي -الذي عينه مرسي وزيرًا للدفاع خلفًا لطنطاوي- هو رجل الجماعة داخل المجلس العسكري.
يتوقّع أن تُحدث الأزمة الحالية شقاقًا كبيرًا لم تشهده جماعة الإخوان من قَبل داخل صفوفها، وأن القواعد في الداخل "ستلفظ" طرفي الخلاف
إلّا أن في خلفية كُل هذه الأحداث، يكون صوت شباب الجماعة مغايرًا بعض الشيء عن خطابها الرسمي، فرفض الشباب لبعض القرارات، واتخاذ مواقف لا تتطابق مع قرارات الجماعة، كان دائمًا هو حال قطاع كبير من الشباب.
وبحسب د.علي بطيخ القيادي بالجماعة، فإنه بعد مجزرتي فض رابعة العدوية والنهضة والاعتقالات التي تعرضت لها كوادر الجماعة، أصبحت هناك أزمة قيادة على المستوى اللائحي، فالمرشد العام أضحى معتقلًا، ونائبه محمود عزت مختفيًا أكثر من المرشد ذاته، ومكتب الإرشاد اعتقل معظمه ولم يبق من المكتب إلا سبعة أعضاء، ثلاثة يشاركون في الإدارة وأربعة مختفين. ليتم بعد ذلك تكوين لجنة إدارية تقوم بأعمال مكتب الإرشاد فيها الأعضاء الثلاثة وآخرين من قطاعات الجمهورية، كان هو واحدًا منهم. لتقوم المجموعة المختارة بإدارة كل الشأن الإخوانى فى الداخل والخارج لمدة عامين، لم يشارك نائب المرشد، والأعضاء المختفون فى أى من قراراتها. وبحسب دكتور بطيخ، فإن الأزمة بدأت في الظهور، مابين نيسان/إبريل وأيار/مايو الماضيين، كانت حول نقاط هامة، استراتيجيات العمل للمستقبل.
وفي تلك الأثناء نشب الخلاف حول من يقوم بقيادة المستقبل، تلك المجموعة التي لا يُعرف لها طريق؟ أم أولئك المتحركون على أرض الواقع؟
ليتوافق الطرفان على وضع تعديلٍ لائحى يوافق عليه الشورى القديم لانتخاب شورى جديد يتخذ قرارات للمستقبل، وهنا أصر الطرف المتواصل مع (إبراهيم منير، ومحمود حسين) على أن محمود عزت يبقى فى موقعه ولا تحدث الانتخابات على مقعده، ليقابل إصرار المكتب القديم، بالإصرار من الجهة المقابلة.
لكن ظلّت هذه الأزمة حبيسة اللقاءات والاجتماعات، بين رجال المكتب القديم والجديد، حتى أعلن مكتب الإخوان المسلمين بلندن قبل أيام، "إعفاء" المتحدث الإعلامي محمد منتصر من مهمته، نتيجة ما قيل عن أنها نتيجة تحقيقات أجريت معه، بسبب بعض المخالفات التي قام بها.
هذا الإعلان تبعه تجميد لعضويات مسؤولي لجانٍ الإعلام والحراك وغيرهم، لتقوم مجموعةٌ من المكاتب الإدارية بالداخل برفض تلك القرارات التي اتخذها مكتب لندن.
هذه القرارات، وبحسب مصادر تواصلنا معها من داخل الجماعة، أتت كخطوةٍ استباقية من المكتب القديم، تفاديًا لبعض القرارات التي كان سيُقدم عليها المكتب الجديد، كانت ستصل إلى حد عزل محمود عزت نائب المرشد، ومحمود حسين الأمين العام.
وبحسب المصادر نفسها، فإن من أصدر قرار إعفاء منتصر والمجموعة الجديدة هو مسؤول لجنة الإدارة بالداخل، دون الرجوع للّجنة نفسها أوعقد اجتماع ممثل للجميع لاتخاذ هذه القرارات.
نائب مسؤول المكتب الإداري لإخوان الإسكندرية في اتصالٍ هاتفي أجريناه معه صبيحة هذا الإعلان، قال إن المكاتب الإدارية لن تخضع لهذه القرارات التي اعتبرها، خروجًا على الشورى تستوجب محاسبة من قام بها.
في هذا التقرير، نقوم باستطلاع رأي ثلاثة من شباب الإخوان، حول رؤيتهم للأزمة الحالية، ولمن تكون انحيازاتهم، وما هي مآلات تلك المرحلة على الجماعة ومستقبلها.
منذ انقلاب العسكر وهناك تبرير مستمر لعدم إجراء انتخابات الإخوان الداخلية بسبب الظرف الأمني والسياسي الذي تمر به الجماعة
أسطورة تمكين الشباب
علاء عادل، شابٌ تربّى داخل جماعة الإخوان منذ صغره، لكنه يرى أن طرفي النزاع داخل الجماعة الآن هم شركاء فشل الماضي، ولا يجوز أن يتم تبرئة أحد الأطراف على حساب الآخر، فهو يعتبر النزاع إداريًا وليس فكريًا، كما أن مدعي التغيير الجدد، ينتمون لنفس العقلية، لكنهم يحاولون تجميل أنفسهم الآن لحيازة تأييد الشباب، فمنهم من كان عضوًا بشورى الإخوان، ومنهم من كان مسؤول لجان تربوية داخل الجماعة والحزب قبل الانقلاب، ومنهم من كان محافظًا في عهد الرئيس مرسي، فكلهم شركاء فشل يا عزيزي، -حسب كلامه-.
ولحل الأزمة من وجهة نظره يجب إجراء انتخابات جديدة يأتي على إثرها مجلس شورى منتخب جديد، إلا أنه ومنذ الانقلاب هناك تبرير مستمر لعدم إجراء انتخابات بسبب الظرف الأمني والسياسي الذي تمر به الجماعة، الأمر الذي يدفع كثيرين بالقول بأنه إذا كان الظرف السياسي والأمني لا يسمح لانتخابات جديدة، فهل يسمح بصراع وأزمة بهذا الشكل القائم الآن؟
ويتوقّع علاء أن يحدث شقاق كبير لم تشهده الجماعة من قَبل داخل صفوفها، وأن القواعد في الداخل "ستلفظ" الطرفين، ولن تعود الجماعة بعده كسابق عهدها، مستندًا في رأيه إلى تجربة إخوان الجزائر بعد وفاة محفوظ نحناح عام 2003.
طرفان فاشلان
الجماعة الآن أصبحت واحدة من وزارات النظام العالمي، وأداةً يسهل اللعب بها دائمًا في تقويض الحركة الإسلامية في مصر، هكذا يُعرّف عبدالله نور، الحالة التي وصلت إليها الجماعة بعد خمسة أعوام من ثورة يناير.
ولا يمكن تسمية مايحدث الآن بأنه أزمة أو محنة تمر بها الجماعة، هي مجرد مشكلة إدارية، ظهرت نتيجة تراكمات الفشل الإداري، بدأت في الظهور للسطح بعد مجزرة رابعة والنهضة.
كما أن لدى عبدالله، مشكلة في الانحياز لأحد الأطراف، لكنه يرى أنه إذا كانت المجموعة القديمة أخطأت فإن المجموعة الجديدة قد أجرمت، لأنهم لم يتعظوا بما مرت به الجماعة من محنة، بعد فض الاعتصام، ولم يتعظوا من الفشل الذي أحدثته السياسات القديمة، حتى أن الأدوات التي امتلكوها تمت إدارتها بشكل غاية في السوء، لأن الإرادة كانت هي سد الفراغ فقط، وإثبات الجدارة عن القيادة القديمة، وظهر ذلك في إدارة كثير من الملفات، منها ملف الحراك على سبيل المثال.
أما الأثر على الجماعة، من هذه المشكلة، فسينتج على المدى القريب وعي وإدراك شديدين لدى الكثيرين، كذلك سيكون هناك خوف من الحساب، كما يتوّقع إفراز فصيل قوي داخل الحركة الإسلامية المصرية بشكل عام والجماعة بشكل خاص، الأمر الذي سيدفع الكثيرين من متخذي القرار للجوء للأساليب غير التقليدية في إدارة ما يحدث في الداخل المصري، وفي الخارج على مستوى العلاقات الدولية.
سلبيات هذا الصراع، يعتقد نور، أن أخطرها على الإطلاق، ما سيتم زرعه داخل الجماعة من عناصر، لحساب بعض الدول والأنظمة، في ظل تثبيت نظام السيسي لأركانه في مصر بالتزامن مع حالة الفقر والفراغ الشديد، الذي تعانيه الحالة المصرية الآن.
وهُناك وبعيدًا عن كُل هذا الصخب الدائر والصراع داخل الجماعة، تزيد نقمة أولئك الشباب العطش للتغيير، الذي انتظر من جماعة الإخوان، مشروعًا دعويًا وسياسيًا شاملًا كما كانوا يدّعون دائمًا، لمواجهة عسكرة البلاد، وهي الأزمة الحقيقية التي ستواجه الجماعة في قادم الأيام القريبة، ولم تحسب الجماعة لها أي حساب.
انقلاب داخل الجماعة
شباب الإخوان: إذا كانت الجماعة تسعى للقيادة والريادة فيجب أن تتخلص من مفهوم (الأبوية)
"إن المعنيين بالأمر من القادة ليسوا صحابة ولا أولياء ولا علماء، هم مجرد أشخاص تولوا مهمة القيادة داخل جماعة وفشلوا أو أخطأوا، فيجب محاسبتهم عن كل شيء حدث خلال الفترة السابقة"، بهذه النبرة المليئة بالهجوم على كيفية إدارة الأزمة الحالية، والأزمات السابقة، حدّثنا أحمد، وهو شاب ينتمي للجماعة منذ عام 2004، أنه إذا كانت الجماعة تسعى للقيادة والريادة فيجب أن تتخلص من مفهوم (الأبوية)، لأن الحساب والعقاب داخل الأنظمة والمؤسسات أمر بديهي ليس فيه كلمة الأب والأخ الأكبر الذي يفعل ما يريد دون حسابٍ أو رقابة.
وعن الأزمة الحالية يعتبر أحمد أن ما حدث هو انقلاب من مجموعة الكبار، على انتخاباتٍ حدثت داخل الجماعة مثّلت محاولة تغيير لكثير من الإشكاليات، الأمر الذي يستدعي إجراء انتخاباتٍ جديدة، ينتج عنها تنحية كُل القيادات التي تولّت إدارة الجماعة منذ ثورة يناير وحتى الانقلاب العسكري، تلك الفترة التي شهدت فشلًا ذريعًا شهده الجميع، وهو لا يعني حصرًا الانحياز لطرف، لكنه انحياز لمحاولات التغيير.
هذا الصراع، يتوّقع منه أن تذهب الجماعة بشكلها الحالي وسيعاد تكوينها من جديد، وستكون هذه المرحلة هي البداية، سيأتي بعدها مراحل أكثر صدامية، ثم تتخلص الجماعة من الحرس القديم وستتكون بشكل أكثر حداثة ومرونة مما سبق.
الرأي الرسمي
حاولنا التواصل أكثر من مرة مع أحد أعضاء لجنة الشباب المركزية داخل الجماعة، إلا أن الرد كان دائمًا، بأن اللجنة لم تكوّن رأيًا رسميًا في ما يحدث.
ولكن على أية حال، على حسب من استطلعنا آراءهم من الشباب، أو مصادرنا داخل الجماعة، فإن الأزمة الحالية، لن تُبقي الجماعة كسابق عهدها، وستنهار أسطورة التنظيم الذي لا يُقهر ولا يتفكك. يُدلل على ذلك، التجارب السابقة لأزماتٍ مشابهة في دول أخرى، تحديدًا في سوريا والجزائر ومؤخرًا في الأردن.
فأي نماذج الانشقاق ستحدث لإخوان مصر؟
اقرأ/ي أيضًا: