13-نوفمبر-2015

تفجير في سامراء 2013 (Getty)

الفاهيتا التي قُدمت لنا في هذا المطعم غير مُقنعة. قلت لعبد الرحمن وحسن اللذين كانا معي أثناء خروجنا من مطعم صغير في شارع الكرادة. لم يأبها لكلامي وبقيا يتحدثان عن جمالية الطاولات في المطعم. كانا قد طلبا وجبات أخرى أُكلت سريعًا. أمام الباب الزجاجي للمطعم مرت فتاتان جميلتان لكنهما مسرعتان. القلق يبدو واضحًا على ملامحمها. كُنت أتوقع إنهما مسرعتان لأن الوقت تأخر بالنسبة للعراقيين، فالساعة تُشير إلى العاشرة ليلًا إلا بضع دقائق.

كنت حذرًا كي لا أكون رقمًا في أعداد الضحايا التي ستعلنها مذيعة الأخبار الجميلة عند رأس الساعة

الشارع الذي يعج بحركة السيارات خالٍ منها. قليلون أؤلئك الذين يمشون من الناس. توقفت لبرهة بانتظار أن يدفع حسن فاتورة المطعم ونتجه للسيارة. تلفت يمينًا ويسارًا لا شيء طبيعي. كانت ألوان لافتة ضوئية تعكس على المباني والمحال. تجمعت دوريات الشرطة وقُطع الشارع، وانتشر رجال الأمن فيه.

الكراج سيُغلق بعد نصف ساعة. سيارتي فيه ولا أستطيع التأخر أكثر. قلت للصديقين أثناء سيرنا باتجاه ساحة كهرمانة التي يبدأ بها شارع الكرادة. كان الناس ينظرون في اتجاه واحد. بكل تأكيد أن شيء ما حصل أو سيحصل. على بعد أمتار ليست طويلة من دوريات الشرطة ورجال الأمن كانت هُناك سيارة بيضاء تقف أمام إحدى أفران المعجنات. فكرت في داخلي بأهمية أن نسير بشكل أسرع للوصول للسيارة واجتياز هذا الخطر بعد أن عرفنا بوجود سيارة مفخخة.

الصديقان كانا يسيران بجانبي. يتحدثان عن التظاهرات، لم يهتما كثيرًا لأمر المفخخة. أنا كذلك لم أهتم، لكنني متزوج ولدي طفل، أخشى عليه أكثر من نفسي، لذا كنت حذرًا كي لا أكون رقمًا في أعداد الضحايا التي ستعلنها مذيعة الأخبار الجميلة عند رأس الساعة. الحذر الذي تولد عندي لم يُطبق على أرض الواقع فرحت أسير على بعد 20 مترًا من السيارة البيضاء "المفخخة". أكثر من ذلك وقفت والتقطت صورة لها ونشرتها على الفيسبوك (http://cutt.us/4iMxw)، وكتبت: "الآن.. شارع الكرادة داخل مغلق، يُقال إن هذه السيارة مفخخة".

اجتزنا السيارة ودخلت الكراج الذي يبعد عنها 300 متر تقريبًا. قابلني بابتسامة شاب ذو وجه حزين، هو العامل في هذا الكراج. أراد بحسن نية أن ينصحني بعدم المرور في الشارع المقابل لأن: "هُناك سيارة مُتَفجِرة"!!!. بسخرية رددت عليه، "نعم متفجرة، وستنفجر عليك ما لم تُرجع لي باقي المبلغ". ظل يُقسم بأن هُناك سيارة "متفجرة". يقول لي إنه يتمنى لو تنفجر. كان يردد هذه الكلمات ليس لأنه يُريد قتلنا، لكنه لم يتمكن من إيصال فكرته بأن الانفجارات لم تعد تهمنا.

لا يزال الشارع مقطوعًا بسيارة سلفادور تابعة للشرطة الاتحادية. زحام كبير تسبب به هذا القطع عند مدخل الكرادة من جهة ساحة كهرمانة. اضطر الجميع للتوجه إلى شارع أبي نواس. الساكنون بالقرب من مكان وجود السيارة المفخخة اضطروا للبقاء عند حاجز القطع إلى إشعار آخر. كُنت أشعر، وأنا في الجانب الآخر من الشارع بشيء من الحُرية، مقابل الأعداد الكبيرة من الناس الذين أجبروا على الوقوف. يدور حديث لا أعرف فكرته بين صديقي. أما أنا، فكُنت أنتظر سماع صوت السيارة وهي تنفجر بواسطة جهاز تحكم عن بُعد. مع ذلك قُلت إن السيارات المفخخة في العراق دائمًا ما تنفجر قبل اكتشافها. يبدو أنها لم تكن مفخخة.

لم يتمكن العامل المسكين، حين تمنى انفجار السيارة، من إيصال فكرته بأن الانفجارات لم تعد تهمنا

أنزلت عبد الرحمن في ساحة التحرير ليركب سيارة أخرى توصله إلى بيته في جانب الكرخ من بغداد. أما حسن فبقي معي لأوصله، فبيته قريب نوعًا ما من مكان سكني. العشاء لعب دورًا بإيصال حسن، فهو من دفع فاتورته. وجدت التعليقات كثيرة على الصورة. بعضها ساخر وبعضها حزين وبعضها تمنيات وأدعية بأن لا تنفجر. صديقة كتبت لي بأن ألوان الصورة جميلة ولم تهتم لأمر المفخخة. حتى وأن انفجرت، فهي تسكن في فنلندا. كُنت أنتظر أن يكتب لي أحد الأصدقاء من سكنة حي الكرادة تعليقًا عن ما حدث لكن الأمر بقي مُبهمًا بالنسبة لي. 

مررت من هُناك في اليوم التالي. لا أثر لأي انفجار. فضولي كاد أن يوقعني بمشكلة. هل أسأل اصحاب المحال هناك عن مصير سيارة أمس، أم لا؟ ربما فُككت ولم يتعرفوا على من ركنها وإذا سألت قد أُتهم بأني "إرهابي". قلت لنفسي اترك الموضوع واذهب إلى موعدك.

كُنت بانتظار وليد الشيخ الذي يعمل مراسلًا في قناة "الحُرة عراق" لنذهب إلى منزل صديق آخر. بقيت أنتظره مقابل القناة على شارع أبي نؤاس لربع ساعة تقريبًا. أكثر من رجل أمن يتردد علي للاستفسار عن سبب الوقوف. تخيلت نفسي راكبًا السيارة التي أقلقت شارع الكرادة أمس.

عندما ركب معي حدثته عن صعوبة الوقوف أمام القناة التي يعمل فيها. وليد قال لي إن يوم أمس كانت هُناك سيارة في الكرادة قيل إنها مفخخة، هي لصديق زميلنا أحمد الهاشم. تفاجأت بما يقوله. "هذه التي كانت بالقرب من أفران الزيتون؟". نعم هي، لكنها ليست مفخخة. كان زميل لأحمد يزوره فترك السيارة التي أحدثت الفوضى هُناك. كُنت أريد الضحك كثيرًا لكن وصولي لنقطة تفتيش منعني من ذلك. لأن القصة تُريد أن تكتمل، بعد يومين التقيت أحمد الهاشم صدفة في مقهى رضا علوان. كان يجلس إلى جانبه رجل أربعيني، يرتدي نظارة طبية وقميص زهري. يبدو أنه يعيش حياة أقل من عمره. سألني أحمد هل تعرف من هذا؟ أجبته: لا. هذا صاحب السيارة المفخخة التي نشرتها في الفيسبوك. ضحكت أنا وضحك الجميع. على أمل اللقاء بمفخخة أخرى من مفخخات بغداد اليومية.

اقرأ/ي أيضًا:

أعياد العراق.. أفراح منقوصة

عراق تائه بين السفارات وتلفوناتها