05-مايو-2018

جانب من الدعاية الانتخابية في شوارع مرجعيون في جنوب لبنان (محمود الزيات/أ.ف.ب)

في حديث قد مضى جاوبني  أحد الأصدقاء ذات مرة، بعد أن سألته لماذا هو مهتم إلى هذا الحد بالأحداث السياسية اللبنانية، على الرغم من عدم لبنانيته؟. قائلًا بأن من يستطيع أن يفهم ماذا يحدث في لبنان، يستطيع أن يفهم الكثير عما يدور في الإقليم، بل ويتمكن من فهم أي شيء في العالم، مضيفًا أنه لا يمكن أن يأخذ ما يجري هنا، أي في لبنان، على محمل الجد!

يجب أن يتوفر في الدعاية الانتخابية عمل جدي، برامج حقيقية، ليستطيع الناخب الاقتناع  بالتصويت وبناء خياراته بعيدًا عن حمى الشكل الخارجي الخادع

جاءت الأجواء التي سادت في فترة الدعاية والحملات الانتخابية اللبنانية الحالية، أي فترة الترشح وعرض البرامج الانتخابية،  كفيلة بشرح ما كان يقصده ذلك الصديق، أي لا إمكانية حقيقية ولا متسع لتلق ما يجري في لبنان بشكل جدي بالكامل.

اقرأ/ي أيضًا: لبنان الوحيد.. لبنان العنيد

أكثر ما اعتبر مثيرًا للسخرية، في هذه الانتخابات، محاولات المرشحين من الطبقة السياسية التقليدية، الذين كانوا نوابًا في السابق، ومدد لهم وطالت نيابتهم، بأن يستعرضوا أهم انجازاتهم في حقبتهم النيابية السابقة، فلم يجدوا أية إنجازات حقيقية ليتباهوا بها.

دعاية انتخابية لبنانية
دعاية انتخابية في بيروت (فيسبوك)

أما المرشحين الذين يخوضون الانتخابات للمرة الأولى، ودون أن يتوفر  لديهم أي خبرة فيها، أنعموا على الجمهور والناخبين ببعض الشعارات المضحكة، بل والأقرب للمحتوى الكوميدي منها إلى الخطاب السياسي. على غرار "فالج صوتك بعالج"، ليبدو أن الشعب اللبناني ليس بحاجة لتأمين صحي، إنما  يكفي أن يدلي بصوته في الانتخابات فيشفى من أمراضه بالجملة. 

"أنا مش لوحدي"، شعار أخر من بين الشعارات التي  أخذت مساحة من الضجيج عبر منصات التواصل الاجتماعي. إذ رافق صورة المرشحة ميريام سكاف، فتعامل معه البعض بنبرة ذكورية غير خافية إلى حدٍ ما، قائلين عبارات تهكمية من نوع  "وقت تصيري لوحدك احكيني".

بينما "معك ما شي بوقفه"، "الحرف إلو حق"، "حلو الوفا"، "صوتك متَّن، متَّن بعد"، "أنا حكيم جلد بس ما بغيِّر جلدي"، "صوتي خجول فتضحياتكم أخرست المعقول". قائمة تطول من الردح الشعاراتي الدعائي الانتخابي المقعر والموزون والمسجوع دون أن يكون على علاقة ملموسة بواقع المواطن اللبناني الذي لم يجد في الانتخابات الحالية برامجًا وحلولًا مقترحة بقدر ما غرق في موجات الخطابة والتلويث الإعلاني أينما التفت في شوارع بلده وشاشاتها، ناهيك عن "السوشال ميديا" أيضًا.

في ظل هذه الصورة الغرائبية للانتخابات اللبنانية، لن يلام أحد إذا لم يتناولها بجدية، وإن لم يرَ أن هذه الانتخابات سوف تحدث أي تغيير

من بين أكثر ما يثير الدهشة، المرشحين الذين اعتقدوا أنهم يتنافسون ضمن مسابقة جمال وموضة لا على مقعد نيابي. فكان برنامجهم الانتخابي عبارة عن عرض لصورهم، مع ابتسامة عريضة ناصعة البياض، وملابس غاية في الأناقة، أو نظرات ثاقبة تشبه نظرات عارضو الأزياء ونجوم سينما "الأكشن" و"الرومانس".

اقرأ/ي أيضًا: فضائح لغوية "تشتاح" انتخابات لبنان.. ميشيل تويني تحاسب الجمهور!

ربما لا متسع وافر للاعتراض على عرض الصور المنمقة والالتهاء بالشعارات المزوقة. لكن على الأقل يجب أن يكون في المقابل هناك عمل جدي، برامج حقيقية، ليستطيع الناخب الاقتناع  بالتصويت وبناء خياراته بعيدًا عن حمى الشكل الخارجي الجذاب.

دعاية انتخابية لبنانية
مساهمة عشائرية في الدعاية الانتخابية! (فيسبوك)

وبالحديث عن  موجة الشكلانيات الانتخابية المبالغ بها، لابد من الإشارة إلى الإعلامية المرشحة جيسيكا عازار، التي أعطت الأمل لكل الفتيات اللواتي يجدن تسريح شعرهن، وتنسيق ملابسهن، بأن يستطعن ذات يوم عبور عتبة الترشح على الانتخابات النيابية دون أن يكون لديهن بالمقابل أية مقومات أخرى، لا سيما برنامج انتخابي واضطلاع سياسي.

من أغرب المشاهد التي مرت أيضًا، تلوين مناصري تيار المستقبل للجمال والخراف باللون الأزرق قبل ذبحها، هذا أن شعار التيار في الانتخابات كان "الخرزة الزرقاء"، إشارةً إلى الخرزة الزرقاء التي تبعد الحسد. أقل ما يمكن أن يقال أن المشهد كان شديد التنفير، وقد أثار جدلًا واسعًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

في ظل هذه الصورة الغرائبية، لن يلام أحد إذا لم يتناول الانتخابات اللبنانية بجدية، وإن لم يرَ أن هذه الانتخابات سوف تحدث أي تغيير. وربما سيجعل التغيير الحياة مملة، فأن يبقى الشارع اللبناني هكذا مع كل هذه الفكاهة السمجة، بالطبع سيكون أمتع من أن يتعلم مجانًا وأن يكون في منازله كهرباء لمدة أربعة وعشرون ساعة يوميًا على سبيل المثال!. وإذا ما طرحتَ هذه النظرية على أي أحد من الشعب اللبناني سيوافقك الرأي بدون تردد قائلاً "ايه صح نحنا ما عنا شي بس عنا ساسبينس، هياهم بسويسرا عم ينتحروا من الزهق"!.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

قانون انتخابات لبناني جديد وبرلمان أبدي

تشريح جيسيكا عازار على مذبح الانتخابات اللبنانية.. لهو ذكوري على هامش السياسة