ربما لم يتوقع أكثر المراقبين معرفة بالشأن الخليجي، أن تستطيع قطر، مع حدود مغلقة وتضييقات وبروباغاندا سعودية إماراتية مدفوعة ومكثفة، أن تواجه الحصار الذي فرض عليها قبل سنة تقريبًا، بكل هذه الكفاءة. فُتحت خطوط وآفاق جديدة للاقتصاد القطري، كان بحاجة إليها قبل الحصار أصلًا، وتطورت علاقات تجارية مع جهات لم تكن في الحسبان، وفوق كل ذلك، كان ما حدث فرصة لإثبات التفوق الدبلوماسي والنضج السياسي ورفض التورط في ملفات تفاقم الخلافات العربية. إذًا يحق للمتابع أن يتساءل بعد كل ذلك، مستفهمًا لا مستنكرًا: من الذي يحاصر من؟ في هذا التقرير المترجم عن مجلة فوربس الأمريكية، متابعة لخلاصة سنة من الحصار المفروض على الدوحة رفقة حملات تلفيق شاسعة ضدها.


مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى للحصار التجاري المفروض على قطر من قبل جيرانها، هناك إشارة بسيطة تدل على تراجع حدة عداءهم تجاه الدوحة. ومع ذلك، فقد واجهت الدولة الظروف الحياتية جيدًا على نحو لافت. وبالفعل، فإن هناك حاليًا المزيد من الضغط بطريقة ما على الدول الأربع على الجانب الآخر من النزاع، البحرين ومصر والسعودية والإمارات، من أجل إما تبرير سياستهم التي تحاول إبعاد قطر عن المنافسة، أو التراجع عنها.

 هناك حاليًا المزيد من الضغط على دول حصار قطر من أجل تبرير سياستهم غير المقنعة تجاه الدوحة

وبدأ الحصار في أوائل حزيران/ يونيو من العام الماضي، إِذْ قطعت الدول الأربعة جميع العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع الدوحة وسط ادعاءات ومزاعم مضادة تقول بأن الدولة تدعم عمليات اختراق، وتروج أخبار كاذبة وتدعم الإرهاب.

كانت هناك بعض القضايا التي كان على الدوحة أن تتعامل معها على الفور. لقد وجدت شركة طيرانها الوطنية، "الخطوط الجوية القطرية"، أن الممرات الجوية الثمانية عشر التي كانت تستخدمها قد تقلصت لممرين فقط بين ليلة وضحاها، إِذْ مُنِعت من الطيران عبر المجال الجوي للبحرين والسعودية والإمارات. وفي الوقت الحالي، ما زال الناقل الوطني مجبرًا على سلك طرق طويلة حول هذه المناطق، مما يزيد من وقت الرحلات أو يدفع لتبني طرقًا بديلة.

اقرأ/ي أيضًا: بعيدًا عن تخبّط ترامب.. أمريكا "الرسمية" تقف ضد حصار قطر

لكن مساحات أخرى من الاقتصاد قدمت أداءً أفضل. فكما بيّن صندوق النقد الدولي أثناء استعراضه لإنجازات الاقتصاد القطري في آذار/ مارس، جرى إنشاء طرق تجارية جديدة بسرعة، مع سلطنة عمان وتركيا وإيران وغيرها من الدول، كما جرى ضبط النظام المصرفي بشكل جزئي عن طريق زيادة الودائع الحكومية.

ففي الواقع، دفع الحصار السلطات القطرية إلى إجراء إصلاحات مفيدة، على سبيل المثال، تيسير شروط الحصول على التأشيرة القطرية لتشجيع المزيد من الزائرين وتنويع نطاق شركائهم التجاريين. وأفاد صندوق النقد الدولي في آذار/ مارس أن "الخلاف الدبلوماسي كان بمثابة الحافز على تعزيز الإنتاج الغذائي الوطني وتقليل الاعتماد على مجموعة صغيرة من البلدان".

ويقول مراقبون آخرون إن البلاد تعاملت بشكل جيد مع ما كان من الممكن أن يشكل أزمة توهن عزيمتها. ويقول أليستير ويلسون، المدير الإداري للتقييمات السيادية العالمية لدى Moody's Investors Service، إحدى وكالات تصنيف الجدارة الائتمانية: "لاحظنا مرونة الاقتصاد القطري، فبناء على ما شهدناه حتى الآن على الأقل، لم يكن هناك تأثير كبير على الاقتصاد القطري كما توقعنا".

دفع الحصار السلطات القطرية إلى تبني خططًا تنموية بشكل أسرع مما سيكون عليه دون الحصار

ويمكن القول كذلك بأن الدوحة لعبت لعبة دبلوماسية تتسم بالحكمة أكثر من منافسيها. وبداية قدم الرئيس الأمريكي دونالد ترمب دعمًا شفهيًا لموقف الدول الأربعة التي تقودها السعودية، لكن في الأشهر اللاحقة تبنت الولايات المتحدة موقفًا يبدو متعاطفًا أكثر مع قطر. وبما أن الحصار استمر، فقد نفد صبر واشنطن ودعت الرياض لإيجاد حل لهذه المسألة.

 وعلى الجانب الآخر من الاستجابة الذكية لحكومة قطر، كان هناك عدة أسباب أخرى تفسر سبب فشل الحصار في الوصول إلى ما كان مخططًا له. كبداية، كانت كل دول مجلس التعاون الخليجي، الكتلة التي تتكون من ست أنظمة ملكية خليجية من بينهم قطر والسعودية، أبعد ما تكون عن الوحدة. ففي حين فرضت البحرين والسعودية والإمارات العربية المتحدة حصارها التجاري على قطر، فإن عضوين آخرين من المجلس، عُمان والكويت، بقوا بكل حزم خارج الصراع، واستمروا في اتصالهم وتبادلهم التجاري مع كل الأطراف.

لعبت الدوحة لعبة دبلوماسية تتسم بالحكمة في وجه الحصار الذي فرض عليها دون مبررات مقنعة

بالإضافة إلى ذلك، فإن دول مجلس التعاون الخليجي الثلاث التي تتصدر النزاع، لم تكن صارمة بنفس الدرجة التي ظهرت بها في بادئ الأمر، على الأقل في المناطق التي تندرج تحت قراراتهم. واستمر الغاز الطبيعي في التدفق عبر خط أنابيب دولفين من قطر إلى الإمارات ثم إلى عمان، مزودًا هذه الدول بالوقود الذي يحتاجونه بشدة، خاصة أن الدوحة رفضت أن تخل بالتزاماتها التجارية مع أي طرف.

الوساطة لن تؤدي إلى شيء

في الوقت ذاته، تستمر جهود حلّ النزاع التي تقودها الكويت في المنطقة. ففي الأيام الأخيرة، أرسل أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصبّاح، في الأيام الحالية مبعوثين لكل عواصم دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، لكن لم تكن هناك أي إشارة بأن الدفعة الدبلوماسية أحدثت أي تأثير، علمًا أن هذه ليست أ,لى الجهود التي بذلها أمير الكويت بكل جدية لكنها تتعثر بسبب تهرب دول الحصار من التزاماتها في الأطر الدولية والعربية.

اقرأ/ي أيضًا: اكذب ثم اكذب.. هكذا تشن حملة ضد قطر

اعترف خالد الدويسان، السفير الكويتي الذي خدم لفترة طويلة في المملكة المتحدة، بعدم إحراز أي تقدم عندما تحدث في منتدى أوكسفورد السنوي لدراسات الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية (OxGAPS) بجامعة أوكسفورد، في 12 آيار/ مايو. وأخبر الحضور "إن توسطنا لم يكن سهلًا. وبالفعل، يبدو أن الحملات الإعلامية جعلت الأمور أسوأ مما يمثل مشكلة لنا جميعًا".

وعلى الرغم من ذلك، يبدو أن الكويت عازمة على الاستمرار في محاولتها إنهاء هذه "المجابهة التي لا طائل من ورائها" كما أشار إليها الدويسان. وقال للجمع في أوكسفورد إن الكويت "تؤمن بأن المشكلة يمكن بل ويجب أن يجري حلّها عن طريق المفاوضات. وسنواصل العمل بهدوء ولكن بإصرار خلف الكواليس للسماح بتسوية تحفظ ماء الوجه، والتي نأمل أن تُعيد العلاقات بين قطر وجيرانها إلى طبيعتها".

كما تعمل واشنطن أيضًا على إيجاد حلٍّ للنزاع. وتواصل وزير الخارجية الأمريكي المعين حديثًا مايك بومبيو، مع وزير خارجية قطر، الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، في 16 أيار/ مايو، مؤكدًا على رغبة ترامب في "تخفيف النزاع الخليجي ومن ثم حله في نهاية المطاف، لأنه يساعد إيران"، وفقًا للمتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية هيذر نويرت.

مخاوف الولايات المتحدة

كانت القضية الأخيرة مهمة نظرًا لأن الولايات المتحدة تحاول زيادة الضغط على طهران. ففي وقت سابق من هذا الشهر، أعلن ترامب أنه سيُخرج الولايات المتحدة من صفقة إيران النووية وأنه سيفرض من جديد عقوبات على طهران. وكانت ردود فعل حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط على هذا القرار متفاوتة. ففي حين دعمت السعودية والإمارات والبحرين القرار، كان هناك دولًا أخرى أشد نقدًا له من بينها العراق التي قالت إنها "تأسف" بسبب خطوة ترامب. وعارضت قطر أيضًا موقف حكومة الولايات المتحدة الجديد، والذي يجعل الحياة أصعب على قطر، نظرًا لعلاقاتها الاقتصادية مع إيران وشراكة البلدين في حقل غاز بحري كبير، والأهم أيضًا رؤية قطر القائمة على اتباع سياسات حسن الجوار ومراعاة مصالح الشعوب بنبذ الحروب وتصعيد التوتر.

يعد اعتماد سياسات حسن الجوار ونبذ الحروب وتصعيد التوتر من ركائز الدبلوماسية القطرية 

لم يساعد قرار نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس، قدرتها على جمع الدعم لسياستها الجديدة مع إيران، إِذْ قوبلت هذه الخطوة بإدانة شديدة في الشرق الأوسط كله. ولم يساعد أيضًا التغيير المستمر للمسؤولين في الإدارة الأمريكية والفشل في تعيين سفراء في العديد من عواصم دول الخليج في حل القضية، إذ إن هناك حاليًا تسعة أماكن شاغرة في سفارات الولايات المتحدة بالشرق الأوسط، من بينها مناصب في مصر والأردن وقطر والسعودية والإمارات.

وبينما كانت موجة الاضطراب الدبلوماسي الأخيرة في المنطقة ناجمة في جزء كبير منها بسبب قرارات اتخذت في واشنطن، وجدت الولايات المتحدة أن المنطقة ستكون أسهل للتعامل إذا ما جرى حل مشكلة قطر. وعلى الرغم من ذلك، فإن حافز قطر ليس كبيرًا لتقدم أي تنازلات واضحة لمعارضيها، نظرًا للراحة النسبية التي تأقلمت من خلالها مع الحصار حتى الآن. كما يُظهر أيضًا هؤلاء على الجانب الآخر من النزاع مؤشرات قليلة على رغبتهم في التراجع رغم عدم تحقيقهم أي من الأهداف التي أعلنوها لحصارهم وحربهم الإعلامية ضد الدوحة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الغاز.. العنصر الغائب في تفسير حرب السعودية على قطر

قطع العلاقات مع قطر.. كل شيء عن مؤامرة أبوظبي