22-ديسمبر-2015

شقيق سمير القنطار (Getty)

لم يزل صدى صراخه يطرق أسماع العالم: طريق القدس تمرُّ بالغوطة. تلك الصرخة المدوية التي تشبه إلى حدٍّ بعيد مقولة أحد أبناء الرقة (طبعًا قبل أن تلبس الثوب الشرعي وتصبح ولايةً) ممازِحًا ومتهكِّمًا: "إذا كانت نصف طرق العالم تؤدي إلى روما؛ فكل طرق الرَّقة تؤدي إلى بيتنا"، البيت الذي يُفضِي إليه مُلتَقى الطرق لابدّ أن يكون مُقدّسًا، كما لابدّ من تحويله إلى نقطة محورية، وورقة نرفعها بوجه العالم كلما فقدنا ماء الوجه في محاولة لتحصيل المكاسب من رحم الخسارات. 

كان لا بد من زج عميد الأسرى في المشهد، من أجل إعادة تلميع "الخط المقاوم الممانع" لدى مريديه

في المقابل، كان الفرح قد سوّر الوطن العربي بمناسبة تحرير عميد المعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي سمير القنطار، وبعدها غاب عن الإعلام ربما لصالح العمل المقاوم والممانع للعدو الأزلي الأوحد، وحين اشتدت الحاجة إلى الضغط على فئة معينة من النسيج السوري، كان لا بدّ من إعادة التلميع ونفخ الروح بما كان سابقًا "الخط المقاوم الممانع"، وهذه المرة عن طريق زج عميد الأسرى والاستفادة من صورته المشرقة في عيون المريدين المتبقين على العهد والنهج. 

وكان ما كان من قول على لسان القنطار يهدد فيه بقطع اليد التي تمتد على/إلى سيّد الممانعة "العروبية" و"نظامه" السوري، وكان ذلك السقوط الأخلاقي المدوي، وليس بخاف على أحد ما تعالت به الأصوات المنددة والمستهجِنة لموقف القنطار، وعلى سبيل المثال مما قيل على صفحات الفيسبوك: "درهم شريف خير من قنطار مجرم". 

في "المعسكر" المقابل هناك من رفع هذا الرجل إلى مراتب القديسين والأنبياء، خاصة بعد توعّده بالانتصار للسيادة، والسيادة خطٌّ أحمرُ لا يمكن السكوت عن المساس به، وللأمانة التاريخية واللغوية فإن مصطلح "المساس" لا يشمل الأفعال الفاحشة؛ مما يعني أنه من الممكن السكوت عما هو أبعد من المساس فقط، وكالعادة كان العدو يدرك فحوى التهديدات ويعرف جيدًا من أين تؤكل الكتف، الكتف التي (لحمُها من خيرِهم)، ومرة أخرى بعد أن تم استخدام صورة الأسير ورمزيتها؛ عاد للاختفاء والعمل السري، ولكن هذه المرة لتجنيد وتجييش ميليشيا تعمل في الداخل السوري على خط أوتوستراد جرمانا- القدس، حيث إن الطُّرق المؤدية إلى القدس باتت أكثر تشعبًا من شبكة اتصالات بريد القامشلي، وأشدَّ تداخلًا من شبكات كهرباء أي مدينة سوريا دخلتِ المولداتُ العملاقة أحياءها. 

لا يحتاج تحرير فلسطين إلى الدم المُستبَاح في البلاد بذريعة الدفاع عن النهج المقاوم والممانع

هذه المرة وبعد فترة العمل السري في الداخل السوري دخل القنطار إلى حيِّز الأضواء مجددًا، ولكنه دخل جثةً هامدةً، جثةً تحكي قصة مُقاومٍ ترك مجد أن يظلّ بطلًا ليموت مُجرِمًا قاتلًا، الروايات المتواترة تقول: إن العدو الصهيوني قد نال منه في العمق السوري المحمي من المساس به من قبل أقوى منظومة دفاع جوي، تجب هنا ملاحظة أن نظام "الإس 400" مُعدٌّ على مقاس الممانعة، فهو أيضًا غير معنيٍّ بما هو أبعد من المساس. 

فيما ظهرت بعض الفيديوهات التي تعرض مجموعة من المقاتلين في إحدى جبهات المواجهة الداخلية، لتنفي "مزاعم" حزب الله بأن القتيل سقط غدرًا بنيران المحتل الغاشم، "وتؤكد" حسب زعمها بأنه – أقصد القنطار- قد تم اغتياله ومجموعة من القيادات العاملة على الأرض السورية بأيادي المقاتلين، وما الضربة الإسرائيلية سوى ورقة تين جديدة لستر عورة الممانعة.

الطريق المؤدية إلى القدس يجب أن يتم رسمها بدقة متناهية، وعلى الفلسطينيين قبل غيرهم أن يشيروا صراحة إلى المتلاعبين بقضيتهم، والمتاجرين بهويتهم، والجاعلين من القدس حائطًا يعلقون عليه إعلاناتهم التجارية الرخيصة، ذلك أن تحرير فلسطين لا يحتاج الدم المُستبَاح في البلاد بذريعة الدفاع عن النهج المقاوم والممانع. آن لكم أن تخلعوا كل العناوين الخاطئة وتثبّتوا عنوانا واحدًا؛ لن تعود الأراضي المُحتلَّة ما لم تعدْ الحرية والكرامة للشعوب.

اقرأ/ي أيضًا:

تصفية مربكة لسمير القنطار

هل القرار الدولي قابل للتطبيق في سوريا؟