19-فبراير-2016

سعاد ماسي 2012 (Getty)

بعد انقطاعٍ دام لأكثر من خمسة أعوام، عادت سعاد ماسي من جديد لتطلق ألبومها الغنائي الخامس، الذي حمل عنوان "المتكلمون" والبعيد كل البعد عن مسار الفنانة الجزائرية قبل الربيع العربي. الألبوم طرح بالأسواق مصحوبًا برسالة علنية تريد سعاد ماسي أن توصلها لجماهيرها حول العالم، حيث أرادت أن تقول للجميع ولا سيما لأوروبا "أن العرب والمسلمين لهم ماض وفضل، ومن المهم عدم حصرهم ضمن دائرة الكليشيهات والأفكار المسبقة الضيقة جدًا!".

سعاد ماسي: من المهم عدم حصر العرب والمسلمين ضمن دائرة الكليشيهات والأفكار المسبقة

إن كلمات سعاد التي صرحت بها في أكثر من مناسبة تدل على أن ألبومها موجه بالأساس لغير العرب، وتحديدًا للبلاد الغربية التي تنظر إلى الشعوب العربية نظرة دونية، وكأننا شعوب لم تعرف الحضارة يومًا. وهذه الرسالة تضيف إلى الألبوم المزيد من إشارات الاستفهام والتعجب. 

فإذا كان الألبوم فعلًا يحمل هذه الرسالة للدول الغربية، إذن، لماذا تحولت سعاد ماسي إلى الغناء باللغة العربية الفصحى بدلًا من اللهجة الجزائرية، ولم تتحول إلى اللغات الأوروبية التي بدأت بها مسيرتها الفنية قبل أن تطرح ألبومها الجزائري الأول "الراوي"؟ 

وإذا أرادت ماسي حقًا أن تغير النظرة "الكليشة" التي انطبعت في ذهنية العقل الأوروبي عن العرب، فهل هناك فكرة أكثر نمطية من الشعر العربي القديم! وإذا افترضنا حقًا أنها أرادت أن تبين للعالم أن العرب يمتلكون حضارة من خلال عمل موسيقي، لماذا إذا تعتمد على الأنماط الغربية في الموسيقى بدلًا من اللجوء للأنماط الموسيقية التي أنتجتها الحضارات العربية والإسلامية!

مهما كثرت الانتقادات إلا أنها لا تعني أبدًا التقليل من شأن سعاد ماسي التي استطاعت أن توجد لنفسها هوية موسيقية واضحة في الماضي القريب، حيث استطاعت أن توالف بين أصالة العود العربية ومكانة الغيتار الأوروبية لتنتج مزيجها الخاص الذي توجته بإحساسها الفريد وبلهجتها الجزائرية المعبرة بشفافية عن العلاقة الثقافية بين الحضارات التي عايشتها. إلا أن المبالغة بالتفكير في البعد الثقافي للألبوم الجديد افقدت سعاد الكثير من عفويتها لتسقط هذه المرة في فخ الاستعراض الثقافي، الأمر الذي جعل الألبوم يبدو أجوف وكأنه قالب جديد ولكنه خالٍ من المحتوى، ولا سيما إذا ما تمعنا بالأشعار المختارة في هذه الأغاني، فالأشعار تمتد عبر تاريخ العرب الطويل ولا يوجد تيمة واضحة أو رابط  يمكن أن يجمع بين اهذه القصائد، إذا ما استثنينا رابط اللغة.

استطاعت سعاد ماسي أن توالف بين أصالة العود العربية ومكانة الغيتار الأوروبية 

الألبوم يتكون من تسع قصائد يطغى على ألحانها الطابع الغربي، وتمتد القصائد زمنيًا منذ العصر الجاهلي مع قصيدة "سئمت" للشاعر زهير بن أبي سلمى، وحتى الوقت الحالي مع قصيدة "الحرية" للشاعر العراقي أحمد مطر، مرورًا بقصيدتين لكلٍ من المتنبي وأبي القاسم الشابي، وقصيدة لكلٍ من قيس بن الملوح والأصمعي وإيليا أبو ماضي. 

هذه القصائد لا تجتمع بتيمة معينة، وحتى قصائد الشاعر الذي أخذت منه أكثر من قصيدة، فقصيدة المتنبي "بم التعلل" التي تفتتح بها الألبوم مثلًا تحمل مشاعر العتاب لحاكمه سيف الدولة، بينما تحمل قصيدته الثانية "الخيل والليل" موضوعة الفخر والفروسية، ومن الواضح أن اختيار القصائد كان عشوائي وتحكمه الأهواء الشخصية لا أكثر. وحتى إذا ما أردنا محاكمة كل أغنية على أنها عمل مستقل بذاته، فإنك ستشعر في معظم الأغاني بثقل اللغة الذي يعطل البساطة والحساسية المرهفة التي اعتدنا عليها بأغاني سعاد السابقة.

إن موضوع الثقل والخفة يقودنا للحديث عن أحد أكثر الأمور الإيجابية في الألبوم، حيث أن الخفة والبساطة والحس الفكاهي الذي يطغى على قصيدة "صوت صفير البلبل" للشاعر الأصمعي، أعطى أغنية "البلبل" جمالية وخفة ورونقًا خاصًا، وبدت هذه القصيدة في الأغنية أكثر معاصرة من قصائد القرن العشرين!

وتبدو بعض موضوعات الأغاني معاصرة أيضًا، فعتاب المتنبي لحاكمه يبدو موضوعًا مثيرًا للطرح في ظل الربيع العربي الذي غابت عن ساحته سعاد ماسي منذ البداية، والحس الثوري في قصيدة "حذارِ" لأبي القاسم الشابي يبدو معبرًا عن الأوضاع في بعض البلدان العربية، وفي المقابل تجد بعض القصائد الغير مرتبطة بالحالة التي يعيشها الوطن العربي بشكل مباشر، وبعضها مبالغ بثقل المعنى مثل قصيدة "الطلاسم" لإيليا أبو ماضي، والتي تحمل مواضيع فلسفية وجودية.

لكن، لماذا تجهد سعاد ماسي نفسها بالبحث عن مواضيع معاصرة للثورات العربية بعد كل هذا الوقت في الشعر القديم؟ هل هي تحاول أن تلتحق بركب الثورة والحركة الموسيقية العربية التي تبنتها فرق الآندرغراوند الحديثة؟ أم أن الطابع الثوري يجب أن يرافق أي صورة نمطية تقدم عن العرب للعالم في الوقت الحالي!

اقرأ/ي أيضًا:

الروك.. في ديوان العرب

أندرغراوند ما بعد الربيع العربي