09-أغسطس-2016

صورة للمفكر الماركسي سلافوى جيجك

أظهر التطور التكنولوجي، بشكل عام، مدى حجم التراجع الذي يعانيه اليسار العربي، ممثلًا بالماركسية، من ناحية توجيه سهام نقده دائمًا، لليبرالية العربية، المتهمة بدعم الحركات الإسلامية المتشددة، والرأسمالية الأمريكية خصوصًا، والعالمية عمومًا، على اعتبار أنهم المسبب التاريخي، لما يحصل في منطقة الشرق الأوسط.

في الطرف المقابل، وجدت الرأسمالية العربية، أحد مفاصل، الطبقة الرأسمالية العالمية، في سبات اليسار الإيديولوجي، مسندًا لوجودها، ومدعمًا لمفاصل ثروتها، التي تتحكم بمصائرها، في المرتبة الأولى دول الخليج، والتي استفادت من التطور التكنولوجي، أكثر من غيرها في باقي دول الأشقاء.

وعلى سبيل المثال، كانت الصين الاشتراكية، إلى وقت ما قبل ماوتسي تونغ، أكثر شيوعية، قبل أن يأتي أحفاده، ويدخلونها دهاليز الرأسمالية، وكان لها تجربة مهمة، في إلحاق الرجال الآليين باليد العاملة في مصانعها، في وقت سابق من هذا العام.

الرأسمالية تعمل على تطوير نفسها، وأدواتها التي تواجه فيها الدول المحافظة على الاشتراكية، إلا أن المفكرين الماركسيين ما زالوا ثابتين أمام عجلة التاريخ السوفييتي، والمراجع الكلاسيكية

في بريطانيا أيضًا، صمم روبوت لإيصال الوجبات السريعة من المطاعم إلى المنازل، ما يعني مرحلة جديدة من البطالة في الدول الصناعية، وأن الرأسمالية تعمل على تطوير نفسها، وأدواتها التي تواجه فيها الدول المحافظة على الاشتراكية، بالإضافة إلى أن المفكرين الماركسيين، ما زالوا ثابتين أمام عجلة التاريخ السوفيتي، والمراجع الكلاسيكية.

اقرأ/ي أيضًا: بندكت أندرسن و"جماعاته المتخيلة"

في النظر إلى مجمل الأبحاث الصادرة عن الماركسيين العرب حديثًا، نلمس أن المراجع المتبعة في كتابة البحث، عينها، بالاعتماد على كتابات (لينين، ماركس، أنجلز...إلخ)، والحديثة منها، مع إدخالها روابط لمواد منشورة على المواقع الإلكترونية، والحوارات التلفزيونية، غير أنها تبتعد عن استخدام، أي شيء آخر، في مفاصل السرعة التكنولوجية التي وصل إليها العلم الاصطناعي، والأعمال المتلفزة.

الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجك، أمهر من عمل على مثل هذه الاستعارات، الأبحاث التي اشتغلها، مليئة بالإشارة، إلى المسلسلات والأفلام والقصائد والروايات، الرجل يسخر كل شيء في سبيل أبحاثه، حتى أنه ينشر تسجيلات مصورة على موقع "يوتيوب"، وهو من الماركسيين النادرين، الذين يعتمدون على مراجع متعددة في كتاباتهم، والتكنولوجيا الحديثة.

السبات الماركسي، بدأ فعليًا مع استلام الرموز العسكرية لمقاليد الحكم في الدول العربية، في الوقت الذي كانت فيه حركات التحرر العربية، تخوض حربًا طاحنة من أجل القضية الفلسطينية، إلا أن مؤيدي حركات التحرر، أصبحوا يميلون تدريجيًا إلى التماهي، مع السلطات العسكرية.

الرواية التي تكتبها شمال أفريقيا، مليئة بالنوستالجيا لنضال السبعينيات والثمانينيات، وفي نفس الوقت تكثر من الحديث عن الحركات المتشددة، مع توابل الحنين للأحلام الوردية للشيوعية، التي انهارت، ولن تعود إذا ما بقي مفكرو الماركسية على حالهم.

وهنا ننوه أن الحركات المتشددة، بعد أن نجحت في قراءة ما وصلت إليه البحوث الماركسية، صاحبة "العنف الثوري"، واستفادت من تجارب حركات التحرر العالمية، وتكتيكات حرب العصابات، عملت على إعادة بناء نفسها، ولذلك نراها ناجحة في سوريا، لأنها اعتمدت "العنف الثوري" منهجًا لها، وهو ما ميزها عن غيرها من باقي الإيديولوجيات.

من هذا المنطلق، على الماركسية العربية أن تعيد بناء نفسها، لا أن تبقى في مكانها، كما لو أن شيئًا لم يتغير، ففي النهاية دار "التقدم" أغلقت منذ سنوات، وعجلتها انتقلت إلى أذرع أخرى. المفكرون بدأوا يتحدثون عن قرب نهاية العالم، وأن حياة أخرى تعاش في الكواكب الثانية، يكفي أن نعرف نسبة الأشخاص، الذين يتمنون أن تنتهي الحياة، حتى نكتشف أن مسألة "العرض والطلب"، لم تعد مرجعًا، بقدر ما أصبحت أعمال المجري بيلا تار، مرجعًا مهمًا عن الطبقة الفلاحية، والعلاقات الاجتماعية في ريف أوروبا الشرقية.

اقرأ/ي أيضًا:

سلامة كيلة.. هكذا هي "التراجيديا السورية"

فكر علي شريعتي.. أدوار الضعف والقوة