26-ديسمبر-2015

زهران علوش في دوما 2012 (Getty)

يدرك جميع اللاعبين السياسيين في اﻷزمة السورية -على اختلاف مصالحهم- أن الطابع الإسلامي هو سمة هذه الثورة وسوادها الأعظم، وأن القوى المؤثرة على اﻷرض في قتال النظام ذات توجه إسلامي بالغالب، ما يعني أن هناك تأييدًا واضحًا وحاضنة اجتماعية في المكون السوري ترى الحل في تلك "الأيدولوجية".

تنبهت السعودية إلى استحالة الإطاحة بنظام بشار الأسد دون الجلوس مع الإسلاميين على الطاولة

تنبهت المملكة العربية السعودية منذ وقت ليس ببعيد استحالة الإطاحة بنظام بشار الأسد دون الجلوس مع الإسلاميين على الطاولة، ذلك أن البديل العلماني أو الليبرالي ﻻ يتمتع بثقل ميداني أو مؤازرة شعبية، ومع اقتناعها بتلك الحقيقة حدث ما يسمى بالتقارب السعودي القطري التركي حول المسألة السورية، وكانت من أهم ملامحه ضرورة التنسيق مع الفصائل الإسلامية المعتدلة في الداخل السوري وتقديم الدعم لها بشكل أكبر من السابق. 

ولكن من هم المعتدلون الذين يستطيع المثلث المتقارب التحدث معهم؟ ذلك هو السؤال الصعب، فالإجابات محصورة عند ذكر الفصائل الإسلامية ذات الوزن الميداني بتنظيم الدولة الإسلامية أولًا، صاحب المشروع الرافض للدولة الوطنية والقائم على هدم أسوار "سايكس بيكو"، والمرفوض تمامًا من قبل الأمريكيين، وتأتي جبهة النصرة في المرتبة الثانية من حيث الخيارات باتساع هامش مناروتها بين الدولة القطرية واﻻنقياد للقاعدة وفكر أيمن الظواهري، ما يجعلها طرفًا غير مرغوب به إقليميًا، ومن هنا بدأت الأنظار تتجه صوب زهران علوش كحليف داخلي قوي ومعتدل "نسبيًا".

جملة من الأسباب المنطقية جعلت علوش خيارًا صائبًا نوعًا ما، فالرجل يسيطر على نحو 50 فصيلًا مسلحًا منطوي تحت شعار ما يسمى "بجيش الإسلام"، الذي يتكون تقريبًا من 20 ألف مقاتل موزعين في الغوطة الشرقية القريبة جدًا من العاصمة دمشق، وفي الجنوب على الحدود السورية الأردنية، وعلى الجبهة الغربية كذلك في القلمون، ناهيك عن تحالفاته القوية مؤخرًا مع فصيلين قويين هما "فيلق عمر" و"لواء الإمام الحسين"، وموقفه الصريح المعادي لتنظيم "الدولة الاسلامية" ووجوده على اﻷرض السورية، وعدم تطرقه مؤخرًا للدور الأميركي في الأزمة واﻻكتفاء بالحديث عن الإيرانيين والروس ودورهم في دعم نظام الأسد.

هذا التقارب الذي ابتدأ فعليًا قبل دخول بوتين إلى المنطقة، تكلل بعدة زيارات لقائد "جيش الإسلام" إلى تركيا والأردن، جلس فيها الرجل مع الأردنيين والسعوديين والأتراك، واتفق على أبجديات المرحلة المقبلة والتعاون مع الجهات المذكورة سابقًا، وحتى حين تدخل الروس في سوريا عسكريًا بقي علوش الحصان الرابح للسعودية وشركائها في المنطقة، حيث كان فصيل علوش أول المدعوين الى مؤتمر الرياض، ليس هذا فحسب بل إن "جيش الإسلام" حجز بطاقة مهمة في الهيئة العليا للتفاوض التي كانت إحدى نتائج المؤتمر.

هل بدأ فعلًا موسم تصفيات "عسكرة الثورة السورية"، وتقليم أظافر قوى المعارضة المحسوبة على "الإسلام السياسي"؟

قُتل إذن علوش بعشرة صواريخ أُطلقت من ثلاث طائرات روسية على مقر اجتماعه مع قادته الميدانين في بلدة أوتايا في الغوطة الشرقية، قُتل بعد عدة أيام من قرار دولي يقضي بضرورة حل الأزمة السورية سياسيًا، فهل بدأ فعلًا موسم تصفيات "عسكرة الثورة السورية" وتقليم أظافر قوى المعارضة المحسوبة على "الإسلام السياسي" والمرتبطة بالسعودية وقطر.

عمليًا لا يمكن قراءة حادثة الاغتيال بعيدًا عن معطيات عدة أهمها التفاهمات الأمريكية الروسية حول المسألة السورية التي ظهرت في زيارة جون كيري إلى موسكو ولقائه نظيره الروسي سرغي لافروف، التي وجه فيها وزير الخارجية الأمريكي ضربة موجعة لحليفته الرياض بعد أن قلل من أهمية مؤتمرها باعتبار ما نتج عنه خطوة أولى في طريق صياغة المعارضة التي يمكن التفاوض معها.

 مسلسل خسارة السعودية لم ينته هنا بل استمر في رفض الروس والأمريكان، بصورة مبطنة، قائمة تضم الجماعات والفصائل الإرهابية التي تقاتل على الأراضي السورية، التي كُلف الأردن بوضعها لاحتوائها على أسماء مثل الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، وإعادة تكليف أربع دول من ضمنها إيران لإعداد قائمة "توافقية" أخرى لا تحوي أسماء بعض الفصائل التي تقاتل مع نظام بشار الأسد.

يبدو أن الولايات المتحدة التي لم يصدر عنها تصريح حول حادثة الاغتيال إلى الآن، بدأت فعليًا في تغليب الرؤية الروسية للحل في سوريا وفقًا لخارطة مصالحها التي تبدأ بإسرائيل وأمنها وتنتهي بعدم خوضها حربًا ستكلفها الكثير، هذا يعني بطبيعة الحال الابتعاد عن معسكر السعودية المنادي بضرورة رحيل الأسد وإبعاد الإيرانيين عن المنطقة، والاقتراب أكثر إلى الروس الذين يتواجدون بقواتهم على الأرض ويقاتلون بالتنسيق مع إسرائيل قوى المعارضة، ويكبحون من جهة أخرى جماح حزب الله ومن ورائه إيران في إثارة ملف الجولان المحتل.

يبدو أن الولايات المتحدة بدأت فعليًا في تغليب الرؤية الروسية للحل في سوريا

أما فيما يخص السعودية، فباعتقادي إن هذه الحادثة كانت بمثابة النفس الأخير المعلن عن غرق مؤتمر الرياض ونتائجه، وأن ما فعلته الرياض من تنازلات بدأت بقبول الحل السياسي والتخلي عن أولوية قتال النظام وحتمية خروجه قبل الحديث عن أيه تسوية سياسية ستدفع الرياض ثمنها غاليًا في الأيام المقبلة، حيث لن يتوانى بوتين عن إنهاء وجود الفصائل الوازنة القريبة من السعودية وقطر وتركيا على حد سواء، وسيعمل على إثارة الملف الكردي وسيدعم صالح مسلم وقواته لإزعاج تركيا التي ستولي هذا الموضوع أهمية كبرى ستجعلها مجبرة على ترك السعودية وحيدة في المنطقة، وفي ظل هذه المعطيات الصعبة لن تستطيع السعودية إلا الرضوخ إلى توجيهات الولايات المتحدة والعمل القريب من خطها.

لا أجد توصيفًا يناسب حال السعوديين الآن أفضل من المثل العربي القديم القائل "أشبعتهم ذمًا ومضوا بالإبل"، ذلك أن تكرار وزير خارجيتهم في كل محفل دولي ضرورة رحيل الأسد لم تجعله يرحل، بل على العكس فها هو الأسد يحرز تقدمًا ملحوظًا على صعيد تغاضي المجتمع الدولي حول بقائه وتحويل الأنظار إلى إرهاب تنظيم الدولة وأولوية قتاله، فهل سترد السعودية على هذه الصفعة المحرجة؟ هل ستستطيع بناء موقف يضمن لها مصالحها في سوريا والمنطقة، أم أنها ستظل تطبق المثل أعلاه؟

اقرأ/ي أيضًا:

تصفية مركبة لسمير القنطار

هذا مختلف عن شارلي إيبدو