19-سبتمبر-2022
رواية سوداد هاوية الغزالة

رواية سوداد.. هاوية الغزالة

صدرَ عن منشورات المتوسط، وبطبعتين عربية وفلسطينية (ضمن سلسلة الأدب أقوى)، رواية للكاتب الفلسطيني فاروق وادي بعنوان "سوداد"، متبوعًا بعنوان فرعي هو "هاوية الغزالة". في هذه الرواية يتألق السرد ويتموج الخيال، ويصخب الواقع، ويتلامح التاريخ، انطلاقًا من وعي حاد ورؤية ثاقبة للمصائر الإنسانية في ظلال النكبة الكبرى، التي عرفها شعب سكن أرض الجمال والخير واقتُلع منها ليشهد عذابات لا تنتهي.

وإذا كانت الفنون كلها تسعى لأن تكون قصيدة، ففاروق وادي يقدم لنا رواية أنجزت سعيها لتكون كذلك. ومثل القصيدة التي تبدأ عادةً بهمهمةً ما، يبدأ كل شيء هنا برسالة ينقلها مجهول للراوي، من ابنة أخ مجهولة. وفي التقصي عنها تبدأ الرواية باكتشاف ذاتها، بلغة تامة لا نقص فيها ولا زيادة، وببناء محكم كمن يحكم قبضته على مقبض سيفه أثناءَ معركة لكنَّ النصل مكسور. شخصيات تخرج من روايات سابقة لعلها تجد لنفسها حياة أطول في هذه الرواية، مثلما يفعل الفلسطيني حين يخرج من منفى إلى آخر، ومثلما لا يفاجئه أبدًا أن يكتشف ابنَ عمٍ على قارعة طريق، أو ابنة أخت على غيمة عابرة، وربما حتى أخًا وهو يتجول في متحف ما.

هذه الرواية هي قصة الحب المأساوي، والجشع الذكوري، والهزائم الجماعية، وظلم الأقربين، وخذلان التاريخ.

يذكر أن فاروق وادي كاتب فلسطيني من مواليد عام 1949، في قرية البيرة في رام الله. درس علم النفس في الجامعة الأردنيّة وتحرج منها عام 1972. عمل لسنوات طويلة جاوزت الـ 35 سنة في المؤسسات الثقافية الفلسطينيّة. صدر له العديد من الكتب بين الرواية والسيرة والنقد والقصة القصيرة ومنها: "المنفى يا حبيبتي"، و"طريق إلى البحر"، و"ثلاث علامات في الرواية الفلسطينية"، و"رائحة الصيف"، و"منازل القلب ـ كتاب رام الله"، و"عصفور الشمس"، و"سيرة الظل"، و"ديك بيروت يؤذن في الظهيرة".


من الرواية

رأتْهُ مثلما رأتْهُ في المرَّة الأولى، عندما جاء إلى رام الله ليعاينَها قبل أن يأخذها معه إلى بلاده التي تردَّد بأن رمالها من تِبْرٍ وحجارتها من ذهب. جاء بعد أن تناهى إليه ما يُقال عن حُسنها وجمالها الأخَّاذ، خاصَّة بعد أن تمكَّنت من انتزاع لقب "ملكة جمال الصّيف"، الذي أُقيم على هامش مهرجان الاصطياف في رام الله ذلك العام.

ها هو يقف بكلِّ عنجهيَّته فوق رمالٍ ظمأى، تتعطَّش لدمها.

ها هي تنظر إليه الآن بصمتٍ يُضمر شيئًا من الرّجاء، وقد خبت في عينَيْها تلك البروق التي ظلَّ يعهدها فيهما، وحلَّ مكانها جزع كان يشملها ويهيمن على الكون بأسره.. جزع تجلَّى في ذبول العينَيْن، وانطفاء ألق روح فقدت طمأنينتها.